كتب ـ جعفر الديري:
محمود عبدالعزيز فنان مدهش، قادر على أن يبكيك من باب الضحك، أو يضحكك من باب البكاء، تلمس في قوة أدائه فنان الشعب نجيب الريحاني، والروح الذكية للفنان إسماعيل ياسين.
ليس شططاً أن نقول بحق محمود عبدالعزيز إنه من أنجح الفنانين في تاريخ السينما والدراما المصرية، فنجاح الفنان في أدائه الجاد أو الكوميدي، لا يعد أمراً استثنائياً، فجميع الناجحين يفعلون ذلك، غير أن محمود عبدالعزيز نجح على المستويين، فالمشاهد يترقبه كوميدياً ويسعى إليه جاداً. وربما شاهدناه في عمل واحد، يتنقل من لغة تراجيدية مليئة بعناصر الجمال والتشويق، إلى لغة كوميدية مضحكة مبكية في آن!.
تلك ميزة اختص بها الفنان الكبير، فأنت ترى في نور الشريف صورة الرجل «الحمش» صاحب المبادئ والقيم والمثل، وتنحني له إكباراً لعلو الهامة، لكنه أبداً لن يضحكك، ويطالعك عادل إمام فتضحك لمرآه فحسب، لكنه لا يعجبك جاداً، وحده محمود عبدالعزيز استطاع أن يستقطب مشاهدين يؤمنون به جاداً، ويغادرون صالة السينما وقد امتلأت أعينهم دمعاً بفعل الضحك لا البكاء!.
محمود الذي بدأ من خلال مسلسل «الدوامة» في بداية السبعينات حين أسند له المخرج نور الدمرداش دوراً في المسلسل مع محمود ياسين ونيللي، ومع السينما من خلال فيلم «الحفيد» أحد كلاسيكيات السينما المصرية 1974، بدأ رحلته مع البطولة منذ عام 1975 عندما أدى بطولة فيلم «حتى آخر العمر»، حيث تنقل بين الأفلام الكوميدية والواقعية، عبر حالة فنية تعتمد منظوري الإسقاطات المتوازية أو الأسطوانية، والإسقاطات المركزية أو المخروطية.
في فيلم «العار» مثلاً، يدهشك حينما يقف بين خطين متوازيين لكنهما متنافران أيضاً، فنور الشريف وحسين فهمي تجمعهما أخوة النسب، وتفرق بينهما طبيعة النظرة للحياة، ومحمود حائر بين زعيم عصابة تمرس في الاتجار بالمخدرات، وبين مأمور شرطة، فلا يجد سبيلاً للتعبير إلا عن طريق «الإسقاطات المتوازية»، حيث يتوارى الكوميدي وراء الواقعي.
في فيلم «جري الوحوش»، يتخذ محمود عبدالعزيز حالة «الإسقاطات المركزية أو المخروطية»، حيث يبدو مهيمناً على الفيلم، رغم الأداء الأكثر من رائع لبقية الفنانين! فشخصية الرجل الذي يخدع ويجري العملية، ويفقد معها «الأنترلوب» المسؤول عن غريزته الأساسية، تجد في محمود مقياساً مناسباً، إنه موقف صعب للغاية، يبدع فيه محمود، ويسقط فيه مركزيته المدهشة، ويحول الأنظار إليه.
رغم ذلك يبدو محمود عبدالعزيز فناناً لا تستهلكه أضواء الشهرة، دائم البحث عن لغة مختلفة، يسجن نفسه في بيته لعدة أشهر بل لسنوات بانتظار سيناريو جيد، ويندفع بقوة متى وجد عملاً يحافظ به على نقاء صورته.
عرفه المشاهد العربي من المحيط إلى الخليج، وحفظ وجهه وطريقة أدائه، فهو يتذكر مشاهداً كثيرة من الصعب أن تنساها الذاكرة، يضحك معه وهو يهيم على وجهه في شوارع القاهرة ويردد «عايز تورلوب»، ويبكي معه وقد تجسدت هزيمة 67 في عين «رأفت الهجان»، ويعيش مع حلمه في «الكيت كات»، وتشتته النوازع في «عفواً أيها القانون».