بقلم: هيا الكعبي*
يعتبر التخطيط للمستقبل من الأمور التي تشكل أهمية حيوية في كافة أمورنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يطلق عليه «فن استشراف المستقبل»، وهو يعني وضع خطط واستراتيجيات نسير عليها لتحقيق أهداف معينة وتطوير مجتمعاتنا والعالم، حيث لا يمكن تحقيق أي تطور دون وضع خطط وسياسات تساعدنا وتفتح لنا الطرق وتسهل مراحل تطورنا، والاستشراف يتم عن طريق دراسة الوضع الحالي وتفصيله ومن ثم وضع الخطط المستقبلية والبيانات والمعلومات التي تساعد على الوصول للهدف وهو التطور والتقدم، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار إلى أين سنصل؟ وإلى أين نطمح بالوصول؟ فالزمن والتاريخ أمران مهمان يجب أخذهما بعين الاعتبار، أي أنه يجب مراعاة الزمن بمراحله (الماضي والحاضر والمستقبل) وأن نتدارك أخطاء الماضي وتطوير خطط الحاضر للحصول على مستقبل مشرق لا يعيدنا للخلف. إضافة إلى ذلك يجب علينا توفير الاحتياجات اللازمة لإتمام هذا التطور والتنبؤ والثقة بقدراتنا على تحقيق أهدافنا، متحصنين بذلك بعقل موضوعي وقلب وطني يستشعر مشاكل الوطن وهمومه.
إن من الأهمية بمكان أخذ العبرة من الماضي، بحيث نحلل جميع الاتجاهات التي أدت إلى الوضع الحالي، وأن نتصور ما سيحدث في المستقبل، وعلى هذا التصور نرسم أهدافنا ومصالحنا، إضافة إلى تحديد القدرات اللازمة لإنجاز أي خطط مستقبلية نطمح لتحقيقها، ولا ننسى بأن كل هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إذا لم تكن نظرتنا مترابطة وشاملة من جميع المجالات.. مترابطة بمعنى أنها تقوم على التكامل بين عناصر الخطة الموضوعة، بحيث يكون كل عنصر من عناصرها حلقة في سلسلة الوصول للهدف الأسمى.. أما الشمول فهو أن تشكل هذه السلسلة بناء يستطيع أن يشكل جسراً آمناً للوصول للمستقبل، لذا فإنه من الأهمية من أجل ترابط هذه النظرة وشموليتها أن تكون لدينا سيناريوهات مختلفة تعد مسبقاً لجميع الحالات الطارئة المتوقع حدوثها، فنحدد مسارات معينة، ونحدد لكل مسار سيناريوهاً معيناً يضع بعين الاعتبار المعوقات وكيف نقضي عليها إن حدثت والمحركات وكيف ندفعها، ولعل ما حدث في مدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الماراثون الرياضي من تفجيرات وتعامل الإدارة الأمريكية مع هذا الحدث يعطينا نموذجاً في كيفية التخطيط للمستقبل بكل دقة والتزام، فالترتيب وتسلسل الإجراءات التي اتخذت في هذه الحادثة يشير إلى أنها إجراءات أعدت مسبقاً بسيناريو معد لهذه الحالات، فالسيناريو أمر مهم، حيث إنه يحمينا من الوقوف بنصف الطريق ويحيي خطتنا ويساعدنا على الاستمرارية في حال حدوث أي أمر طارئ ومفاجئ، والسيناريو يتطلب إبداعاً وخيالاً فكرياً عميقاً يستند على أحداث واقعية رئيسة ويحقق أهدافاً وطنية أو سياسية أو عسكريه أو اقتصادية، ويجب أن يكون لدينا أكبر عدد من السيناريوهات، فتعددها يعطينا مساحة أوسع من التفكير، على أن تتم صياغة هذه السيناريوهات بطريقة يغلب عليها طابع السرية والدقة.
لذا، فإنه من المهم أن يكون لدينا المتخصصون الذين يراعون تلك الدقة وهذه السرية، ومن الأهمية أيضاً أن يضع هؤلاء المستقبل في أذهانهم ويعيشون في الحاضر وينظرون للغد، وأن يحرصوا على ألا يترك للغد المجال للمفاجآت وأن يستعدوا لكل ما سيحدث أو ما قد يحدث، وألا يعتمدوا على الظن أو التخمين بل يستندون على دراسات علمية دقيقة، كما يجب أن يتمتعوا بقدرة فائقة على الإحاطة الشاملة بالأوضاع السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه.
وخيراً فعلت مملكة البحرين بأن أنشأت أكثر من هيئة ومؤسسة بحثية تتوخى الأسلوب العلمي في تحليلها للواقع بهدف وضع رؤية استشرافية لمستقبل المملكة، تضع الماضي في خلفيتها، والحاضر في عينها، والمستقبل في عقلها، وما معهد البحرين للتنمية السياسية ومركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وغيرها من المؤسسات، إلا نماذج لهذه المنظمات المتطلعة إلى المستقبل بعقل الخبير، وقلب الوطني المخلص، وهو ما تنعكس آثاره ليس فقط على أبناء الجيل الحالي، بل على الأجيال القادمة من أبناء الوطن.
*باحث سياسي بمعهد البحرين للتنمية السياسية