كتبت ـ شيخة العسم:
خلق المسرح البحريني منذ ثمانينات القرن الماضي علاقة حميمة بين الفنان والجمهور لم تعد موجودة اليوم، فعبر مجموعة من الأعمال المسرحية المهمة، استطاعت الحركة المسرحية أن تنشط وتحتل مكانها بين الفنون الإبداعية والقنوات الاتصالية الأخرى «تلفزيون.. إذاعة.. سينما.. أندية ثقافية».
مسرح أوال ومسرح الجزيرة رائدا الحركة المسرحية في البحرين دون منازع، قدما في أعوام الثمانينات مسرحيات مثل «البراحة»، «واحد ناقــــص واحـــــد»، «ح . ب»، «أرض لا تنبت الزهور»، ومسرحيات أخرى كثيرة أسست لعلاقة تدوم مع الجمهور، وفي مجال مسرح الطفل قدمت مسرحيات «ليلى والذئب»، «الوطن الطائــر»، «بهلول ونوران».
في التسعينات ولد مسرح الصواري بقيادة عبدالله السعداوي، وقدم أعمالاً تجريبية مهمة حصل بعضها على جائزة أفضل عرض مسرحي بالمهرجان التجريبي في القاهرة بعرض «الكمامة»، وبعد دخول الألفية الثالثة تراجع المسرح بشكل لافت، ولم تعد تلك العلاقة المتأصلة بين المسرح والجمهور موجودة.
شهدت محطات الحركة المسرحية في البحرين تحولات عديدة، فبعد أن تألقت وقادت النشاط المسرحي في عموم الخليج العربي، تراجعت وأفل نجمها في الألفية الثالثة، وقل أن تجد مسرحية تستحق التوقف عندها فما السبب؟! وهل بتنا فعلاً بحاجة لولادة حركة مسرحية جديدة في البحرين؟.
لا مسرح دون خشبة
يقول مسرحي وسينمائي بحريني رفض الكشف عن اسمه، إن أي تأسيس لحركة جديدة للمسرح البحريني لا معنى لها أو فائدة ترتجى منها دون خشبة وصالة عرض، مضيفاً أن البحرين تفتقد للصالات المسرحية، وكل عرض مسرحي الآن في البحرين لا يعرض أكثر من ثلاثة أيام.
ويردف «نحن بحاجة إلى صالة لعروض مسرحية بحركة جديدة باستخدام التقنيات المتاحة، فبدون الأساس لا يمكن عمل شيء، البحرين بنظري بحاجة إلى 3 صالات بسعة لا تقل عن 600 أو 800 مشاهد، أتمنى أن ننقل تجربة الكويت والشارقة في هذا المجال».
ويقول المسرحي جمال الصقر «المسرح بالفعل في البحرين يحتاج لولادة جديدة لمواكبة التطور، فمن غير المعقول أن نقدم عرضاً مسرحياً بنفس طريقة الثمانينات والتسعينات، الزمن تغير وثورة التكنولوجيا الرقمية والتقنيات الجديدة نسفت كل شيء».
ويلفت الصقر إلى أن التطور في كل الأمور ومنها العروض المسرحية واجب ملح وضرورة لا تقبل التسويف، مضيفاً «يدخل في ذلك الأدوات المستخدمة اللغة وعناصر الصوت وغيرها، فالمسرح مرآة تعكس تفاصيل الواقع، وكلما تطور الواقع لا بد أن تتطور الوسائل الناقلة ومنها المسرح».
ويدعو الصقر إلى احترام ذكاء الطفل مع تحديات فرضتها التكنولوجيا الرقمية «مسرح الأطفال يجب أن يتطور ويواكب العصر.. لم يعد مقبولاً أن تقدم له دمية على أنها أسد أو حمار وحش، في زمن بات الأطفال فيه يتكلمون عبر تقنية الهواتف الذكية والآيباد والبلاي ستيشن.. الطفل اليوم ذكي جداً ولا بد أن نحترم هذا الذكاء».
وعن تجربة مسرح البيادر في الحركة المسرحية الجديدة يقول الصقر «قبل سنة شارك مسرح البيادر بمهرجان في المغرب، وفاز بجائزة الإبداع المسرحي وقدم عرضاً للأطفال تحت عنوان (مدينة الألوان)، ونحن في طور الإعداد لمسرحية جديدة للمشاركة بمهرجان في تونس بعنوان (الشمس الرائعة) وتحتوي على عناصر تقنية جديدة للمخرج عبدالرحمن بوجيري، ونحن في مسرح البيادر نبحث عن كل جديد لمواكبة حركة التطور المسرحي المتسارعة».
المسرح يحتضر!
«المسرح يحتضر» عنوان يؤكد فيه المخرج والمؤلف المسرحي علي الفردان إن «المسرح البحريني يحتضر بكل ما في الكلمة من معنى، فهو جريح ويحتاج طبيباً، والطبيب يكمن في الدعم المادي والمعنوي واللوجستي أيضاً، فما نلمسه الآن في الأجواء المسرحية إحباط للفنانين، وقلة الإمكانات خصوصاً وجود الخشبة التي يمكن من خلالها تقديم عرض مسرحي بالمستوى المطلوب».
ويضيف «المضمون المسرحي هو ما يجذب الجمهور، المطلوب أكثر اليوم عرض نبض الشارع بإطار كوميدي، أنا أعرض قريباً مسرحية (رقصة الخمسين)، وأتوقع عرضها في منزل كبير عند الصالة الثقافية ولكن المشكلة في مكان الجمهور».
ولا يرى الفردان مشكلة في تخصيص المسرح الوطني للعروض العالمية والأجنبية في ظل غياب العرض البحريني الحقيقي «مشكلة المسرحيات البحرينية أنها ترجمة لأفكار ومعتقدات لا تمت لواقعنا المعاش بصلة، وفي أحسن أحوالها هي مجاملات ليس لها معنى أو هدف، ولكن بالمقابل المسرح البحريني والمشتغلين فيه محبطين والأسباب كثيرة، وهم بحاجة لوقفة جادة ودعم مستمر لمواكبة التطور والنهوض بالحركة المسرحية».
ويقول الممثل والمنتج المسرحي حسين الرفاعي «هناك احتياجات كثيرة للمسرح قبل الحديث عن ولادة جديدة للحركة المسرحية في البحرين، بدءاً من البنية التحتية كقاعات العروض والتدريب والأجهزة التقنية البصرية والسمعية».
ويضيف «من الصعب قبول تعامل المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة مع المسارح الأهلية الساعية لتقديم أعمال إبداعية، بشكل مشابه للتعامل مع الشركات ومؤسسات القطاع الخاص».
ويلفت إلى غياب المهرجانات المسرحية التي ساهمت في رفد المسرح طوال العقود الماضية مثل مهرجان المسرح المدرسي ومهرجان الأندية، في ظل عزوف الجهات المعنية عن تنظيم الورش المسرحية المتخصصة، وعدم وجود بعثات في تخصصات المسرح المختلفة من سينوغرافيا ونقد وإخراج وكتابة وغيرها.