إلى هذه اللحظة لم أطلع على مشروع لتنمية القراءة يمكن أن يروي عطشي ونهمي ويقنعني بأن القراءة أصبحت جزءاً من عادة تلك المؤسسة أو تلك المدرسة أو تلك الروضة أو ذلك المركز الصيفي أو غيره.
معظم -بل أغلب- ما أراه يندرج تحت ما يمكن أسميه (الاستعراض) أو (النزعة الاحتفالية) حيث تندرج مشاريع القراءة ضمن المزاج العام لبيئتنا العربية التي تُحول كل أمورنا للاحتفال والاستعراض والبهرجة، ويتحول مشروع القراءة إلى شعارات وأسابيع وأيام نحتفل بها ثم ينتهي كل شيء، فترى تلك المؤسسة تعلن عن أسبوع القراءة، ويتم إحضار مجموعة من الأطفال والشباب وتقام محاضرات وندوات وتوزع بعض الكتب والقصاصات ويختتم الأسبوع بكلمات الثناء من مدير المركز ثم رئيس المركز ثم رئيس المشروع ثم كلمة الطلاب ثم العرض السينمائي والتكريم!!
ولو حاولنا عمل تقسيم لمقامات القراءة فستكون كالتالي: المقام الأول هو في وجود مكتبات عامة في البلد تتبع وزارة التربية والتعليم ومراكز اجتماعية تتبع وزارة التنمية ومكتبة عامة تتبع مكتبة الشيخ عيسى بمجمع الفاتح، هذه المكتبات كم هي فاعليتها في تأصيل عادات القراءة لدى أعضائها ؟! هل هناك تواصل دائم مع القراء؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فكم حجم الاستعارات وكم عدد القراء وعدد المرتادين؟ وهل هناك برامج دائمة طوال السنة؟
أما المقام الثاني فهي مكتبات المدارس.. فكم هي الفاعلية لبرامج القراءة لدى الطلاب وهل وُظفت المكتبة فعلاً لخدمة المناهج؟ أما المقام الثالث فهي المراكز التطوعية.. فأين موضع الكتاب منها؟
هذه مقامات ثلاث في عموم المجتمع يقضي فيها أولادنا أوقاتاً كثيرة تتفاوت الفترة بين واحدة وأخرى، ولا يوجد لهم نصيب من الثقافة المقروء إلا اللمم . لكن في المقابل هناك مقام أكبر وأعمق من ذلك بكثير وهو البيت. وهنا حدث ولا حرج عن كم الإهمال والتفنن في قتل الوقت ونسف كل شيء له علاقة بالكتاب، وهنا يفتضح أمر الأب والأم اللذين أصلاً لا علاقة لهما بالكتاب.
هذا تشخيص سريع خاطف يحتاج للكثير من التأمل ووضع اليد على الجرح، ولطالما شغلني هذا الموضوع، وفي كل مرة أحاول فيها عمل شيء تجاه ذلك أرى تفكيري ينساق مع الجماعة (الاحتفاليين) ولا أظن أنني نجحت إلا بجزء يسير في مقام البيت، ولكنها تجربة مازالت لم تكتمل وتحتاج لتوثيق وتقنين ونشر، ومازال مشروع القراءة يتحرك في ذهني محاولاً أن أصيغ مشروعاً بل مشاريع لتأصيل عادة القراءة وليس للاحتفال المؤقت ... اسألوا لي التوفيق والتثبيت.

أحمد جاسم