دخلت العلاقات الخليجية الإيرانية منحى تصاعدياً خطيراً، لن تتأثر بشكل كبير بهوية الرئيس الإيراني بالدرجة الأولى سواء كان من المحافظين أو من الإصلاحيين.
وتاريخياً فإن علاقات دول الخليج بجارتهم ايران تحسنت بشكل طفيف بصعود التيار الإصلاحي الى رئاسة الجمهورية كما حدث في عهد «خاتمي» وفي عهد «رفسنجاني»، إلا أن ما وصلت إليه العلاقات بين الطرفين يبدو أنها لن تتغير مطلقاً بل تسير في اتجاه تصاعدي مستمر.
وبنظرة إلى الانتخابات الإيرانية ما قبل الأخيرة التي جريت في عام 2009 والتي أفرزت عن وصول أحمدي نجاد (من التيار المحافظين)، فان العلاقات الخليجية الإيرانية كانت في ذلك الوقت متفاوتة بين دول الخليج منفصلة وطهران من جانب أخر، حيث كانت بعض العلاقات الخليجية مزدهرة في الجانب الاقتصادي فقط، وبعضها كانت مزدهرة سياسياً واقتصادياً.
أما المشهد اليوم في عام 2013 تغيير بشكل تام، وتبدل التفاوت في العلاقات الى ما يشبه الإجماع الخليجي على الخطر الكبير الذي تمثله طهران عليها بشكل خاص وعلى العلاقات الإقليمية والدولية بشكل عام، وما اعتبار دول الخليج مؤخراً حزب الله اللبناني (الحزب الإيراني المدعوم من طهران ماديا ومعنوي وعسكرياً) منظمة إرهابية إلا دليل على المرحلة الجديدة التي دخلت فيها العلاقة بين الطرفين من تصعيد وتأزيم.
دول الخليج احتفظت لسنوات طويلة على سياسة خارجية تعتمد بشكل عام على الاحترام المتبادل للدول الأخرى، كانت لها مظاهر عديدة منها سياستها في عدم تدخلها في شؤون الدول الداخلية، والحرص المستمر على الدفع بالعلاقات الثنائية والجماعية.
أما فيما يخص علاقاتها التاريخية بطهران، فهي تجاهلت كل التصعيدات التاريخية وحاولت جاهدة على أن تكون علاقاتها مع جيرانها إيران خالية من أي نوع من التوترات رغم كل الجراح وخاصة فيما يتعلق باحتلال الأخيرة للجزر الإماراتية الثلاث، وسعيها التاريخي القديم لانتزاع عروبة البحرين بالطرق الرسمية وغير الرسمية، وتصريحاتها المهينة المستمرة، وغيرها العديد من المواقف التي تغاضت عنها دول الخليج رغبة في تكوين علاقات جيدة مع جارتها المشاكسة.
تغيير الموقف من 2009 إلى الآن، يعود إلى عدة أسباب منها التصريحات الإيرانية المتكررة وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز الحيوي والذي يعد معبراً حيوياً تتصل به دول الخليج مع كافة دول العالم، فمكانة هذا المضيق ودوره على الصعيد التجاري وربط الخليج بالعالم يبرر انزعاج دول الخليج من مجرد التلويح بإغلاقه والتي لا تصدر بطبيعة الحال من مجرد إعلاميين أو ساسة بل من قيادات الجيش والحرس الجمهوري والقيادات الدينية والسياسية في طهران.
ومن الأسباب أيضاً التهديد المتنامي الذي يمثله مفاعل بوشهر الإيراني الواقع على ضفاف الخليج الذي لا يبعد عنها إلا بعض كيلومترات، الأمر الذي دفع قادة خليجية للتعبير عن مخاوفهم وبصوت عالي لم تكن طهران متعودة عليه في السابق.
كما أن اكتشاف دول الخليج لخلية تجسس إرهابية بين الفينة والأخرى، تزايد في السنوات الأخيرة لدرجة ان تلك الخلايا يتم الكشف عنها أكثر من مرة في اكثر من دول خليجية وبات أمر الإعلان عن اكتشافها أمراً اعتيادياً وتحديداً مستمر للأجهزة الأمنية في دول الخليج.
العلاقات الخليجية الإيرانية دخلت مرحلة خطيرة كون الأخيرة لم تكتف فقط بإثارة البلبلة على الصعيد الداخلي في دول الخليج، بل باتت تهدد المنطقة العربية ككل والإقليمية، نظراً لإقحام ايران نفسها في الملف السوري ومساندة نظام بشار الأسد بدواعي المحافظة على شركائها العقائديين في المنطقة، والمحافظة على خططها التوسعية التي لم تهدا من انتصار ثورتها «الإسلامية» بل امتدت لتشمل سعيها الدائم لتصديرها لكافة الدول، وهو ما يعكسه موقفها من أحداث وتداعيات ما سمي بالربيع العربي والذي ظلت تسميه طهران الربيع الإسلامي.
الملفات الشائكة الخليجية الإيرانية لا تدل المؤشرات ان الفريق الذي ينتمي إليه الرئيس (المحافظ، أو الإصلاحي) له تأثير على شكلها في السنوات المقبلة، بل تدل تلك المؤشرات ان تلك العلاقات المتوترة ستبلغ ذروتها خصوصا مع وحدة البيت الخليجي في التصدي لتلك التهديدات.
علماً بأن منصب الرئاسة الإيرانية يعد شكلياً مقارنة بالصلاحيات التي يحظى بها المرشد الأعلى (الولي الفقيه) وتحكمه التام في المشهد الإيراني وخصوصاً على صعيد شكل علاقات طهران الخارجية، ولعله من المسلم ان مواقف الولي الفقيه من دول الخليج كانت السبب الرئيسي لوصول العلاقات الخليجية الإيرانية لنفق مسدود والعودة بها إلى ما قبل المربع الأول.