كتب- لوركا خيزران:
يبدو أن نتائج الانتخابات الإيرانية لا يمكن أن تكون، بحال من الأحوال، ميزان العلاقة المستقبلية بين طهران والدول العربية، خاصة الخليجية منها، أو البوصلة التي تحدد اتجاه هذه العلاقة، في ظل «بديهية أو مسلمة» تقول إن «السياسة الخارجية لإيران هي خارج سلطة الرئيس، وتنحصر بشخص المرشد الأعلى أية الله خامنئي»، إلا أن مفرزات هذه الانتخابات والشخصيات التي حظيت بمباركة «تشخيص مصلحة النظام» للترشح للانتخابات قد تعطي مؤشراً حول «كيف يفكر خامنئي الآن» ومدى إمكانية تحويل «جعجعة» باسيج نجاد إلى «طحن» محافظ أو إصلاحي، يخرج إيران من عنق الزجاجة ويطيل أمد الصبر الدولي، والعربي الخليجي، والداخلي الإيراني، على نظام طهران.
ويلخص هاشمي رفسنجاني، المرشح الإصلاحي المستبعد فيما بعد من خامنئي، واقع الحال في تصريح نصه: «ترشحي مرهون بإذن المرشد الأعلى، وفي ما عدا ذلك فلا فائدة من الترشح، بل إن الترشح قد يعطي نتائج عكسية».
ويعزز ذلك الموقف تصريحات المرشحين الـ6 وحملاتهم الانتخابية التي ركزت بمجملها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، متجاهلة القضايا الخارجية التي تقررها سلطة المرشد والمؤسسات التابعة له، إضافة إلى حقيقة أن خامنئي أعطى تأشيرة العبور لـ 5 مرشحين هم من التيار المحافظ وواحد إصلاحي، مع وجود شبه إجماع بين المراقبين على أن «جميعهم محافظون لكن بدرجات متفاوتة»، دون إغفال حالة الإحباط والترقب غير المتفائل من الإيرانيين، قبيل الانتخابات، لهذا الاستحقاق، وهو ما يتناقض تماماً مع الأجواء الاحتفالية الحماسية المصاحبة لانتخابات2009 حين تعلقت آمال الكثيرين بحلم تغيير جسدته «الحركة الخضراء» بزعامة الإصلاحيين مير موسوي ومهدي كروبي -اللذين مازالا يقبعان تحت الإقامة الجبرية- قبل تواتر الأنباء حينها عن تزوير الانتخابات، ومن ثم سحق المرشد للانتفاضة الإيرانية.
ولا يبدو أن ثمة تغير ولو طفيف في السياسة الخارجية لطهران فيما يتعلق بدول الخليج العربي، والموقف تجاه الأزمة السورية، وإدارة الملف النووي، والعلاقة مع الولايات المتحدة وسائر الغرب، إضافة إلى العلاقة مع إسرائيل كـ»خصمان تجمعهما المصالح».
ويعبر عن ذلك المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية منذر الكاشف بالقول إن «رفض ترشيح رفسنجاني منذ البداية كان بمثابة مؤشر على بقاء السياسة الخارجية لإيران وفق إطارها العام، وحتى نجاح رئيس إصلاحي في الانتخابات، كان يمكن أن يجعل الخطاب الإيراني أكثر نعومة فقط»، فيما يرى الخبير بالشؤون الإيرانية بخدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي كينث كاتزمان، بحسب تصريحات صحافية نشرت مؤخراً، أن «جميع المرشحين أدوات طيعة بيد المرشد الأعلى، وليس من أحد ينتظر تطوراً بفوز أي منهم».
الثورة السورية
الدعم الإيراني للنظام السوري يجعل عودة العلاقات الخليجية مع إيران إلى عصرها الذهبي إبان فترة خاتمي الرئاسية خياراً غير مطروح في الوقت الراهن أو المستقبل القريب، إلا أن تطورات هذه الثورة تبقيها ميزاناً مهماً في هذه العلاقة بجميع الأحوال، إذ إن انتصار الثورة يعني انكفاء إيرانياً إلى وراء حدودها بأضعف الإيمان، وهو ما ستحارب طهران ضده حتى النهاية، الأمر الذي يؤكده السفير السوري السابق في طهران تركي صقر بقوله إن «دمشق لا تشعر بالقلق على العلاقات مع طهران كون السياسة الخارجية الإيرانية توضع من قبل المرشد علي خامنئي».
و»لم تتوقف الثورة السورية عن تعميق الهوة في العلاقات الإيرانية العربية حتى اللحظة»، بحسب تصريحات لمسؤولين وشخصيات عربية إذ إن «حزب الله المدعوم إيرانياً يوجه سلاحه بوجه السوريين وينسى إسرائيل، وطهران توقف الدعم عن حماس لأنها رفضت دعم نظام دمشق وتدخلات إيران بالبحرين»، ما يشي بأن الحسنة الوحيدة لإيران بنظر العرب، وهي عداء إسرائيل، قد زالت ولم يبق إلا مستقبل ينذر بمزيد من العداء.
الإمبراطورية الفارسية
ويظل المؤشر الأكبر على عدم إمكانية تحسن العلاقات العربية والخليجية مع إيران، إذا لم نقل على ترديها، هو اتخاذ معظم الشعوب العربية موقفاً عدائياً تجاه طهران، ربما تجاوز موقف حكوماتها، جراء اتضاح تحركاتها في المنطقة كدولة فارسية توظف المذهب الشيعي لإعادة بناء إمبراطوريتها، ومحاولتها لعب دور الشرطي في المنطقة من خلال وضع مسؤولية أمن الخليج على عاتقها، فيما يرى جيرانها بدول التعاون أنها تريد مجالاً أمنياً تهيمن عليه في المنطقة.
ويعزز من حالة العداء العربي الخليجي لإيران، بحسب ما خلص إليه مؤتمر عقد مؤخراً حول العلاقات العربية الإيرانية بتنظيم من المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية بمصر، أن إيران فقدت مصداقيتها كما لم يحصل من قبل، إذ أثنت على الثورات في مصر وتونس وليبيا ودعمت المعارضة الراديكالية في أحداث 2011 بالبحرين، إلا أنها اتخذت موقفاً عدائياً من الثورة السورية وصل حد التورط بالحرب ضدها.
«عداوة الجيران»
إن المتتبع للتصريحات الإعلامية المتبادلة بين الجانبين، البحرين وإيران نموذجاً، يدرك نبرته التصاعدية بحدة والاتجاه نحو «اللعب على المكشوف» بعد سنين من محاولة إلباس هذه الخلافات التي تصل حد العداء لبوس «خلافات الجيران»، وتصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان خير مثال على ابتعاد إيران حتى عن لباقتها الدبلوماسية في التدخل بشؤون البحرين ومحاولة الوصاية عليها، إذ هدد المسؤول الإيراني بـ»رد غير متوقع على البحرين» إذا لم يتم الاعتذار عن تفتيش منزل عيسى قاسم، وكأن الأجهزة الأمنية فتشت منزل خامنئي نفسه، فيما تتضح الردود البحرينية بتصريحات وزير الخارجية الأخيرة التي رفعت النبرة كثيراً ضد تدخلات طهران وضد أتباعها أمثال حزب الله اللبناني، حتى وصل الأمر إلى إدراجه على لائحة الإرهاب.

ومن المؤكد أن تتوالى الكشف عن خلايا تجسسية وإرهابية تابعة لإيران في دول الخليج، جلها في البحرين والسعودية، سيكون لها وقع أكبر بكثير على العلاقات واستمرار ترديها، من أي نتائج انتخابية في إيران.
«الغول النووي»
وبالنظر إلى ندرة فرص تحول في السياسات الإيرانية على المدى المنظور فإن الملف النووي الإيراني يشكل واحداً من أهم القضايا الشائكة التي لن تسمح بأي تقدم في العلاقات الخليجية الإيرانية, فالخليج العربي ودوله وشعوبه تشعر بأنها مقبلة على كارثة حتمية، ربما لن تقع بسبب ضربات أمريكية أو إسرائيلية تطال المجمع النووي الإيراني في بوشهر، ولكن بسبب الكوارث الطبيعية والزلازل المستمرة وتحذيرات الجيولوجيين من زلازل حتمية مقبلة، خاصة بعد أن ضرب زلزال بلوشستان الأخير جرس الإنذار لها.
وفي ظل التعاطي الإيراني مع ملفاتها في المنطقة يبدو أن أي علاقات عربية طبيعية مع إيران رهن بـ»لحظة يجد فيها النظام الإيراني نفسه من جديد أمام حركة خضراء جديدة تطيح به وتحول إيران من قاطع طريق إلى دولة».