كتب – وليد صبري:
يرى محللون أن «نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستكون ميزان العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وطهران، وربما البوصلة التي تحدد اتجاه العلاقة بينهما، فإما العودة لما قبل 2005، خاصة خلال الفترة ما بين «1993 و2005»، حيث فترات حكم الرئيسين السابقين أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، والتي شهدت انطلاقة في العلاقات في جميع المجالات، أما الاحتمال الثاني فهو الاستمرار على خُطى الرئيس المتشدد المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، والتي شهدت فترة حكمه في 8 سنوات توتراً غير مسبوق، وتهديدات إيران لمصالح دول التعاون ومحاولات التغلغل في دول المجلس».
وتأتي الانتخابات في وقت تشهد فيه العلاقات الخليجية الإيرانية توتراً كبيراً في لحظة تاريخية تحّولية، ومن أبرز أسباب التوتر اتهامات دول المجلس لطهران في الضلوع بأعمال تخريب، وزرع خلايا تجسس، واستخدام «حزب الله» الشيعي اللبناني، للقيام بأعمال تخريبية داخل دول المجلس، في الوقت الذي اعتبرت فيه البحرين ودول مجلس التعاون «حزب الله» منظمة إرهابية، وتتخذ دول الخليج إجراءات أمنية لملاحقة عناصر الحزب في أراضيها. إضافة إلى التدخل الإيراني في الشأن الداخلي البحريني، وضلوع طهران في أعمال الإرهاب والتحريض ضد النظام خاصة في أحداث 14 فبراير 2011. فضلاً عن احتلال إيران للجزر الإماراتية «أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى»، وغموض البرنامج النووي الإيراني وإصرار طهران على تشغيل مفاعل بوشهر النووي، والمقام على منطقة تتعرض لخطر الزلازل دون توفير حماية أو أمان لدول المجلس. وإضافة إلى ذلك، دور إيران الرئيس في حرب سوريا ودعمها لنظام الرئيس بشار الأسد. وأخيراً اضطهاد إيران للسنة والأقليات القومية خاصة في إقليم الأحواز، الأمر الذي زاد من هوة الخلاف بين دول المجلس وإيران.
لكن في المقابل، يرى المحللون أن هناك أسباباً جوهرية لإقامة علاقات جيدة بين دول التعاون وإيران، أبرزها محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية، والاتحاد ضد العدو المشترك إسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية.
من جانبه، قال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان إن «الانتخابات لا تعني دول المجلس فقط، بل دول الإقليم، لذلك فالعلاقات بين الجانبين على طاولة الرئيس الجديد»، بينما رأى الباحث في الشؤون الإيرانية د. محمد السلمي أن «أهمية العلاقات بين إيران ودول الخليج نابعة من حكم الجوار بين الجانبين»، موضحاً أن «تنصيب رئيس جديد قد يحسن العلاقات بين إيران ودول المجلس». من جانبه، قال رفسنجاني في تصريح سابق إن «تحسين العلاقات مع السعودية ضروري»، لكنه أكد أن «بعض المسؤولين الإيرانيين لا يرغبون بتحسين العلاقات». وفي هذا الصدد، يحتشد الإصلاحيون بزعامة خاتمي ودعم رفسنجاني، خلف المرشح الإصلاحي الأوحد حسن روحاني - الذي عمل مستشاراً للأمن القومي في عهد الرجلين - ضد 4 محافظين ومعتدل. ويعتقد المحللون أن فوز روحاني بالرئاسة سيكون له أثر إيجابي على مستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية، والعربية الإيرانية أيضاً، كونه يؤمن بفكرة حسن الجوار. وقال روحاني «يمكن أن تلعب إيران والسعودية دوراً إيجابياً في التعامل مع القضايا الإقليمية الرئيسة مثل الأمن في الخليج». وأكد أنه «لا يعتزم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة»، وعن البحرين قال «نعتقد أن الاستقلال السياسي والوحدة الوطنية والأمن في البحرين تمثل عوامل هامة لاستقرار وأمن المنطقة».
وربط المحللون عودة العلاقات الجيدة بين دول الخليج وإيران، بإزالة عدة عوائق أبرزها وقف التدخلات الإيرانية في شؤون دول المجلس خاصة البحرين، وتغيير إيران لموقفها من مساندة الأسد، والتوصل إلى حل بشأن الجزر الإماراتية المحتلة، خاصة مع تشديد مجلس التعاون الخليجي على حق الإمارات الكامل في تلك الجزر، وأخيراً تقديم طهران تطمينات بشأن برنامجها النووي المثير للجدل، وتجنيب المنطقة أية أخطار قد تنجم عن حدوث زلازل قرب مفاعل بوشهر. في المقابل، اعتبر المحللون أن فوز أي من المرشحين المحافظين، سواء سعيد جليلي، أو علي أكبر ولاياتي، أو محمد باقر قاليباف، أو محسن رضائي، قد يقود العلاقات مع دول الجوار إلى مزيد من التوتر.
وفيما يتعلق بالشيعة الموجودين في الخليج، ودورهم في العلاقات العربية الإيرانية، أو الخليجية الإيرانية، من خلال انتخاب رئيس جديد، أوضح مراقبون أن «الشيعة هم من يحتضنون المشروع الإيراني في بعض الدول، خاصة في العراق ولبنان، وهذا يترك انطباعاً فحواه أن اختراق إيران للمنطقة يعتمد عليهم، وقد استطاعت طهران تغيير النظرة الذهنية لشيعة العرب والبعض في دول الخليج، ففي سنة 1980، فشلت إيران في جذب الشيعة العراقيين كي يحاربوا إلى جانبها، أمّا في سنة 2003، فقد خرج شيعة العراق ليكونوا في طليعة القوى الداعمة لاحتلال بلدهم ومحاربة النظام البعثي إلى جانب القوات الأمريكية والبريطانية كتفاً بكتف».
العرب وإيران
مرت العلاقات التاريخية بين البلدان العربية وبين إيران بمراحل متعددة قبل وبعد الثورة. بالنسبة للعراق، مرت العلاقات بين البلدين بعلاقات سيئة منذ حكم الشاة حتى الثورة التي دخل معها العراق في حرب استمرت 8 سنوات بعد سقوط نظام الشاه، بيد أن محللين اعتبروا أن «إيران ابتلعت العراق بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، ووصول الشيعة للحكم ودعم طهران لحكومة نوري المالكي». ومع سوريا تشكل إيران حلفاً استراتيجياً قوياً في المنطقة منذ الثورة، وتعززت العلاقات بعد استلام نجاد والأسد الحكم في بلديهما، ولا تخفي إيران ومعها «حزب الله» اللبناني، الدعم الكامل لنظام الأسد ضد الثوار المعارضين.
ومع مصر، كانت العلاقات مقطوعة بشكل كامل منذ ثورة الخميني بسبب استضافة مصر لشاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، وتسمية شارع في إيران باسم خالد الإسلامبولي الذي قتل الرئيس أنور السادات، لكن مع سقوط نظام الرئيس حسني مبارك في ثورة 25 يناير 2011 وتولي الرئيس الإسلامي محمد مرسي مقاليد الحكم، فهناك محاولات لإعادة العلاقات بين البلدين، وسط معارضة من قوى سياسية، خاصة التيار السلفي. ومع الأردن، هناك علاقات شبه مستقرة، بالرغم من تحذير العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من خطر إيران في المنطقة عبر تحذيره من خطر ما وصفه بـ «الهلال الشيعي». وتوجد علاقة ودية بين إيران ولبنان، بيد أن التوجه الإيراني ينحصر في الدعم الكبير لـ «حزب الله» الشيعي على المستويين العسكري والاقتصادي.
وبالنسبة للمغرب، شكل التأثير الديني الإيراني مصدر قلق للمغرب منذ ثورة الخميني، كما شكل فرار الشاه إلى المغرب تدهور العلاقات المغربية الإيرانية. وظلت العلاقات مقطوعة إلى أن عادت بداية التسعينات. وبعد تصريحات رئيس البرلمان الإيراني السابق ناطق نوري حول البحرين، تضامنت الرباط مع المنامة. وفي 2009 قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران.
وفي اليمن، تستنكر السلطات تدخل طهران النافذ في الشأن الداخلي، ومحاولات طهران زعزعة الاستقرار عبر تسليح المتمردين الحوثيين في الشمال في حربهم ضد الدولة، فضلاً عن دعم إيران للحركات الانفصالية في الجنوب.
ولا ينظر العرب بعين الرضا إلى المساعي الإيرانية بشأن القضية الفلسطينية خاصة مع استقطاب وحشد المواقف لصالح حركة «حماس» ضد «فتح» والسلطة الفلسطينية.