كتب - إسماعيل الحجي:
لا يمكن الحديث عن مستقبل العلاقات العربية الإيرانية بمعزل عن ماضي هذه العلاقة وجذورها التاريخية، والأسس والمرتكزات التي قامت عليها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام 1979.
بعد نجاح ثورة الخميني وإعلان إيران الصريح تصدير ثورتهم لدول الجوار، انقسمت الدول العربية في علاقاتها مع طهران لثلاث فئات، علاقة ندية أو تبعية أو عدائية.
الفئة الأولى مثلها العراق إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين، ومصر منذ ما قبل الثورة الإسلامية في زمن عبد الناصر ثم السادات وحتى أيام حسني مبارك، ومثلت مجموعة التبعية سوريا ولبنان، بينما كانت العدائية مع إيران من نصيب دول الخليج العربية دون استثناء.
الرغبة الإيرانية في إخضاع الدول العربية وتطويعها لصالح مخطط الهيمنة والتوسيع، إلى جانب غياب التحصين العربي الوقائي حيال هذه الرغبة، نقل دولة مثل العراق من خانة الندية مع إيران إلى التبعية المطلقة لحكامها، وهي تسعى ـ أي طهران ـ لفتح الأبواب الموصدة مع القاهرة منذ عام 1979 عندما استضاف السادات ـ دوناً عن العالم بأسره ـ شاه إيران رضا بهلوي، رغم تطمينات كبار الساسة المصريين اليوم أن علاقات البلدين لا تؤثر على العلاقة الاستراتيجية القائمة مع دول الخليج العربي.
وعند مقاربة العلاقة المتوترة بين شطري الخليج العربي، تقفز للذاكرة سنوات الحرب العراقية الإيرانية، عندما احتمى الخليج ولأعوام طويلة بالحراب العراقية، وخاض حرباً مدفوعة الثمن وبالوكالة، ولكن ثمنها الحقيقي والباهظ دفع إبان الغزو العراقي للكويت 2 آب 1990 وما تبعها من تداعيات حرب الخليج الثانية.
في السنوات التي تلت حرب عام 1991، ورغم أن دول الخليج العربية تنبهت لمخاطر البعبع الإيراني أكثر من أي وقت مضى، وأبرمت صفقات أسلحة بمليارات الدولارات، إلا أن عداءها لم يكن موجهاً لطهران بالمقام الأول، لأسباب تتعلق بخطر إيران المؤجل، بينما عراق (صدام حسين) خطر قائم حتى بعد تقليم الأظافر بعد الحرب، وكانت السياسات الخليجية قائمة على ضرورات الإطاحة بدكتاتور بغداد، وهنا وقع الخليجيون في خطأ ترتيب أولويات المخاطر والعداء.
اليوم وبعد مضي 10 سنوات على الإطاحة بحكم صدام حسين، وبعد أن جعل المالكي من العراق دولة مسلوبة الإرادة تابعة بالمطلق لطهران سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، يبدو الخليج أمام مفترق طريقين لا ثالث لهما، الأول الاستمرار في إبداء الليونة حيال الجار الشرقي، رغم أن هذه السياسة أثبتت فشلها وباعتراف كبار قادة الخليج، مع دولة لا تحفظ للجيرة حقوقاً، ولا تعترف بالمواثيق الدولية الناظمة للعلاقات بين الدول، وسياساتها في هذا الجانب أكثر وضوحاً في البحرين وفي الكويت بدرجة أقل، وثاني هذه الطرق الاعتراف بإيران عدواً أول طامع بثروات الخليج، وإزاحة كل أشكال السياسة الخارجية الناعمة لصالح استراتيجية جديدة قوامها الندية، ولكن هل تمتلك دول الخليج مقومات هذه الندية؟
عند هذه النقطة لا يقول أحد بفتح جبهة قتال طبعاً، فهي أصلاً مفتوحة في سوريا والصراع هناك على أشده، وبات واضحاً أن معركة سوريا بين فريقين أولهما الشعب السوري، والثاني محتل إيراني دخل باسم الدفاع عن دولة المقاومة والممانعة، فالفرصة أمام الخليج مؤاتية لمقارعة إيران بعيداً عن أراضيها، مع إبقاء قنوات السياسة الناعمة وحسن النية مفتوحة.
ولأن السياسة الإيرانية حيال العالم العربي عامة قائمة على محاولات القضم والهيمنة، وهي تتمدد يوماً بعد يوم وتمد أصابعها الطويلة حتى السودان وتونس وموريتانيا، فالرهان على تغير هذه السياسة بعد الانتخابات، وإمكانية وصول الإصلاحيين إلى سدة الحكم، وبالتالي تغير هذه السياسة لصالح علاقات الصداقة وتوثيقها، رهان على حصان خاسر، ليس لأن سياسة الإصلاحيين حيال الخليج هي ذاتها مع المحافظين، بل لأن هذه السياسات ـ ورغم اختلافها ـ تبقى مستندة على ثوابت لا تتزحزح.
والمتتبع لمسار العلاقات الإيرانية العربية والإيرانية الخليجية تحديداً، يدرك أن محددات السياسة الخارجية الإيرانية واحدة، ولا تختلف ـ في جوهرها ـ بين رئيس محافظ وآخر إصلاحي، رغم أن هذه العلاقات شهدت انفراجاً إبان حكم الإصلاحي محمد خاتمي وحتى المحافظ المعتدل هاشمي رفسنجاني، ولكنها عادت إلى نقطة التفجير بعد استلام المحافظين المتشددين.
والتعويل اليوم على سياسة خارجية تقوم على حسن النية مع الخليج أمنيات لا تجد أساساً لها على أرض الواقع لثلاثة أسباب، الأول أن معظم الإصلاحيين المرشحين للرئاسة ابتعدوا عن المنافسة طوعاً أو كرهاً، وما تبقى منهم توزعوا بين محافظ متشدد وآخر معتدل بأحسن الأحوال، والثاني أن حاكم طهران الفعلي هو شخص المرشد وليس الرئيس، وهذا محدد بنص الدستور بالنظر لمحدودية صلاحيات الرئيس مقابل صلاحيات المرشد الواسعة الفضفاضة، والثالث محكوم بمنطق المؤسسة الإيرانية الحاكمة والقائمة على ثوابت، فالملف النووي ثابت وكذا النظرة لدول الخليج، ولكن الاختلاف في وسائل الوصول إلى الهدف وآلياته بالليونة والنعومة أم بمنطق المليشيات والجماعات الإرهابية ونشر التشيع.