كتب - جهاد الرحيم:
بالرغم من أن منصب رئيس جمهورية إيران منصب شكلي، وغير مجد في القضايا الدولية المفصلية، بسبب أن الكلمة الفصل والنهائية تعود للمرشد الأعلى»الخامنئي»، ومنصب رئيس الجمهورية هو بالنهاية منصب تنفيذي، لأوامر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، إلا أن ثمة فترة مشرقة استقرت فيها العلاقات الخليجية الإيراينة إبان الفترة التي حكم فيها محمد خاتمي، وهذه الفترة أعادت نوعاً ما الهدوء والاستقرار والانفتاح مع دول الجوار في المنطقة، وشكلت منعطفاً مهماً في سيرورة العلاقات الخليجية الإيرانية، التي لم تشهد مثلها منذ ثورة الخميني 1979.
وبعيداً عن الاسم الذي سيتولى رئاسة إيران، الذي سينحصر دوره في تنفيذ القرارات الصادرة عن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، فإن مستقبل العلاقات الخليجية والعربية الإيرانية، مرهون بما سيتوصل له الطرفين العربي والإيراني تجاه المسائل الخلافية والمفصلية، التي تعتبر المحدد الرئيس لمستقبل العلاقات، أبزرها الجزر الإماراتية الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وجزر أبو موسى، والتدخلات المستمرة والتصريحات الاستفزازية التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون تجاه مملكة البحرين والطعن بسيادتها وهويتها العربية، إضافة إلى فك ارتباطها مع بعض الجمعيات والتشكيلات الحزبية الدينية التابعة لها والمزروعة في دول الخليج العربي، والتدخلات في شؤون الدول العربية سواء في مملكة البحرين، عن طريق المعارضة المرتبطة بإيران أيدلوجياً، وفق أحزاب وجمعيات تشكلت وتفرعت عن تنظيمات إيرانية، كحزب الله اللبناني وحزب الدعوة العراقي، أو في تدخلها في الحرب الدائرة في سورية بين النظام والمعارضة، واصطفافها إلى جانب النظام، بناء على تقسيمات أيدلوجية، صدرتها الثورة الخمينية بعد العام1979، إضافة إلى المسائل الخلافية والملفات الإشكالية العديدة التي ستواجه الرئيس الإيراني الجديد وعلى رأسها أزمة البرنامج النووي الإيراني.
هذه الأمور مجتمعة وغيرها من المسائل، إن لم يتم حسمها بحلول جذرية، فإن مستقبل العلاقات الخليجية العربية- الإيرانية، سيبقى بين شد وجذب، وسيواصل مساره في النفق المظلم الذي اختطه الرئيس أحمدي نجاد على مدى ولايتين متتاليتين، وعمق خلالها الخلافات مع جواره من دول مجلس التعاون الخليج العربية.
ولعل من نافل القول إن إيران الدولة التي أرست ثورة الخميني قواعد نظامها، قائمة على الأيدلوجية الدينية، ترغب من وراء ستر الأيدلوجية اللعب بمفهوم البراغماتية النفعية، ويظهر ذلك بوضوح عبر استحضارها لممارسات شاه إيران، عندما كان يلعب في المنطقة دور «شرطي الخليج» يكاد يعود إلى إيران في ظل «دولة الإمام»، بدليل استماتة الجمهورية الإيرانية لتنفيذ وإنشاء برنامجها النووي، على مقربة من دول مجلس التعاون الخليجي، وشكوك المجتمع الدولي، من أن إيران لا تهدف من وراء إنشاء مفاعل «بوشهر النووي» إلى تحقيق أغراض سلمية، وإنما لأغراض عسكرية، ترمي في بعدها الاستراتيجي، إلى تهديد دول المنطقة، سواء من دول الخليج العربي، أو الدول العربية، أو دول الجوار المحيطة بها.
ولا شك أن مغزل اللعب بين الأيدلوجية الدينية تارة، وبين البراغماتية النفعية، تارة أخرى، أدخل مفهوم العلاقات الخليجية العربية- الإيرانية، في نفق مظلم، وأن مستقبل العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليج العربي، وإيران والحال كذلك سيستمر بين غيوم ملبدة تملأ فضاءات الخليج العربي، وبين انفراجات ما تنفك تتعقد، وتتأزم بفعل البراغماتية النفيعة التي يمارسها وينتهجها نظام الولي الفقيه، فإيران من جهة تستجمع جماهيريتها من خلال شحذ همم شيعة العالم كافة، عبر استحضار المظلومية التاريخية للشيعة، وحثهم على اتباع خطى الولي الفقيه، دون الاعتبار إلى الهوية والعرقية التي ينتمون إليها، ومن جهة ثانية تلعب على وتر البراغماتية، في محاولة منها لكسب دور رئيس في منطقة الشرق الأوسط، أقرب إلى دور»شرطي الخليج» الدور ذاته الذي لعبه شاه، قبل أن تخلعه ثورة الخميني العام 1979.
ولا يخفى علينا جميعاً أن كثيراً من «الأوراق» المدخرة في الجعبة الإيرانية مطلوبة بإلحاح في واشنطن خصوصاً ما يتصل بدورها في سورية ولبنان والعراق، وهي بالتالي تستجمع هذه الأوراق، وتخزنها كرصيد يصرف تجاه كل قضية مصلحية ترتبط بها سعياً إلى تحقيق أهدافها وأبعادها التوسعية، وهو ما يجعل العلاقة دائماً متوترة ومتلبدة.
وفي ظل عدم تقدم إيران بأي بادرة من بوادر حسن الجوار، وفي ظل عدم تعاطيها بشكل إيجابي، مع مبادرات دول مجلس التعاون الخليج العربي، ودول العرب كافة، بضرورة أن تنأى بنفسها عن التدخل، وتبرهن على حسن نواياها في المنطقة، فإن من الصعوبة بمكان التفاؤل بمستقبل العلاقات الخليجية العربية- الإيرانية، سواء كان الرئيس الإيراني المنتخب إصلاحي أو محافظ، طالما أن النظام الإيراني قائم على منهجية اللعب بمفهوم البراغماتية بقناع الأيدلوجية الدينية، وبالتالي فإن مسألة تحسين العلاقات الإيرانية - الخليجية، مرهونة بتحديد السياسة التي سينتهجها نظام الولي الفقيه، وتعاطيه بشكل إيجابي مع المعطيات الدولية الراهنة، وبالتأكيد أن مدى تحسن هذه العلاقات، مرتبط ومرهون بمدى تقدم إيران بحل القضايا الخلافية، وإلا فإن العلاقات سوف تتجه نحو مزيد من التوتر بعد الانتخابات الرئاسية وبالتالي فجميع الخيارات لا تزال مطروحة.