حوار: مقبل الصيعري
قال رئيس تحرير «الوطن» يوسف البنخليل إن السمة الأهم اليوم في المشهد الإعلامي البحريني بعد أزمة 2011 تراجع قدرة الصحافة المحلية على إدارة اتجاهات الرأي العام والتأثير فيه، مؤكداً أن ما مرّت به البحرين معركة إعلامية بامتياز.
ودعا يوسف البنخليل، في حوار مع صحيفة «الاقتصادية» السعودية، إلى أهمية الاستفادة من الدرس لإعادة التوازن الإعلامي بما ينعكس إيجاباً على الاستقرار والتعايش بين مختلف أطياف وفئات المجتمع.
ودخلت البحرين في معترك إعلامي على خلفية أحداث شباط (فبراير) 2011، وهو ما أسهم في تأجيج الانقسامات التي شهدها المجتمع في الفترة الأخيرة، ومازالت تلقي بظلالها على الأوضاع في البلاد.
وكانت انقسامات الآراء والأطروحات الصحافية جزءاً من هذا الانقسام، كونها خرجت عن خط المهنية الإعلامية المتعارف عليه، وأصبحت التوجهات هي سيدة الموقف فيما ينشر خلال هذه المرحلة.
يوسف البنخليل الكاتب والناقد المعروف، سلّط الضوء على كثير من الجوانب التي تتعلق بالشأن الإعلامي في البحرين، منذ إشعال فتيل الأزمة إلى الواقع الذي تقف عليه الصحافة البحرينية اليوم.
وكان له الكثير من الأطروحات والمقالات التي جسدت الواقع البحريني وانعكاسات الأزمة على المجتمع ومفاصل الاقتصاد البحريني، قبل أن يتولى رئاسة تحرير «الوطن» في منتصف العام الماضي، وهي الصحيفة التي يصفها أقطاب المعارضة بأنها صحيفة الحكومة، على اعتبار أنها تتبنى وجهات النظر الرسمية خلال المعركة الإعلامية التي يشكل فيها إعلام المعارضة الطرف الآخر أو الضد في ميدان المعركة الإعلامية.
يوسف البنخليل أحد أقطاب الإعلام البحريني، منذ فترة ليست بالقصيرة، وهو يحمل شهادات متعددة في السياسة والإعلام، ومؤسس وعضو مجلس إدارة شركة زاجل برس، كما عمل باحثاً في عدد من مراكز الأبحاث في منطقة الخليج، وكاتب رأي في مجموعة من الصحف البحرينية والخليجية، وأصدر خمسة كتب في قضايا التحول الديمقراطي، والتغيير السياسي، وأمن الخليج، والعلاقات الخليجية ـ الأمريكية.
وتطرق إلى كثير من الأمور التي تتعلق بالإعلام وتوجه صحيفة «الوطن» في هذا الحوار:
كيف تقرأ الوضع الإعلامي في البحرين حالياً على خلفية أحداث شباط (فبراير) 2011؟
بعد أزمة 2011 اختلف المشهد الإعلامي عما كان عليه قبل الأزمة، فتداعيات الأزمة وأبرزها الانقسام انتقلت من المجتمع إلى وسائل الإعلام المختلفة في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يقود الإعلام الرأي العام لمرحلة ما بعد الأزمة. لكن السمة الأهم اليوم في المشهد الإعلامي البحريني تراجع قدرة الصحافة المحلية على إدارة اتجاهات الرأي العام والتأثير فيه.
لماذا؟
يعود ذلك لوجود إعلام غير تقليدي منافس مثل شبكات التواصل الاجتماعي التي صار البحرينيون يعتمدون عليها كثيراً في استقاء المعلومات أو حتى لإبداء الرأي، أو حتى القيام بحملات لتغيير الاتجاهات. وهذه السمة تمثل بلا شك تحدياً كبيراً للصحافة البحرينية التي تدفعها الظروف لمواكبة سريعة للمتغيرات الإعلامية الجديدة. ومواكبة الاتجاهات الغربية الحديثة في الصحافة عموماً بالتركيز على التغطيات التفسيرية والصحافة الاستقصائية، استجابة لنظرية ماكلوهان التي صارت أمراً واقعاً لا يمكن التغاضي عنه.
هل استطاع الإعلام البحريني أن يعيد التوازن أمام الإعلام المعارض الذي وضح أنه كسب المعركة في البداية؟
ما مرّت به البحرين معركة إعلامية بامتياز، من المهم تقييمها والاستفادة من دروسها للحاضر والمستقبل. وإعادة التوازن إعلامياً مهمة أساسية يجب أن تضطلع بها وسائل الإعلام البحرينية بقدر كبير من المسؤولية.
كيف؟
عادة عندما تمر الدول بأزمة سياسية حادة تعقبها موجة تطرف شديدة ينبغي العمل على تجاوزها سريعاً حتى لا تتفاقم وتسبب أزمة أخرى، وهذا ما يمكن أن نسميه بترشيد الخطاب الإعلامي الذي نحتاج إليه اليوم في البحرين. إذ لا يعقل أن يستمر الخطاب الإعلامي بالشكل الذي كان عليه في شباط (فبراير) وآذار (مارس) 2011 أو حتى الشهور التي أعقبت الأزمة الأخيرة.
ويمكننا الاعتراف اليوم بأن الإعلام البحريني أسهم في حفظ الدولة ككيان من تلك الأزمة، ولكنه الآن يمر بمرحلة إعادة التوازن التي تتطلب تخفيف الجرعة السياسية المتطرفة في هذا الخطاب، وتخفيف حدة الشحن الطائفي بشكل أكبر.
ربما كان هناك خلل .. أليس كذلك؟
بدراسة مسارات الإعلام البحريني خلال الأزمة، ورغم كل النواقص التي يمكن الحديث عنها بأن هناك خللاً في هذا الإعلام، إلا أنه استطاع في النهاية تحقيق قدر كبير من التوازن ويحقق تفوقاً على ما تسميه بـ «الإعلام المعارض» في جذب الجمهور، وإقناعه بحقيقة المشهد بعد سلسلة من التزوير والتزييف اشتركت فيها عشرات القنوات الإعلامية في الداخل والخارج رصدت لها موازنات ضخمة من قبل إيران وبعض الأطراف الإقليمية والدولية التي لديها أجندة في البحرين والخليج العربي.
كيف تصنف الإعلام البحريني في هذه المرحلة؟
إذا أخذنا معيار طبيعة الخطاب الإعلامي فإننا سنجد أن هناك إعلاماً منضبطاً وآخر غير منضبط، الأول يسعى لتناول معظم القضايا بعقلانية أكثر ومسؤولية أكبر، والآخر مازال يحاول تغيير اتجاهات الرأي العام نحو أجندة لا تخدم المجتمع، وهي وسائل إعلامية باتت منبوذة. وبين هذين النوعين نجد أن شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها وسيلة إعلامية فعّالة تعاني الفوضى، وخطاباً يقوم على التحريض ونشر الكراهية.
لايزال الإعلام البحريني منقسماً بين معارض ومؤيد للحكومة .. ألا ترى أن ذلك انعكس سلباً على المهنية، ولا سيما في الصحافة البحرينية؟
ليس مطلوباً من الإعلام أن ينقسم بين مؤيد ومعارض للحكومة، بل دور الإعلام أن يبيّن مواطن الخلل في العمل الحكومي في أي مجتمع فهذه هي الرسالة الإعلامية المطلوبة، ولكن في الوقت نفسه عليه أن يدعم جميع السياسات والمشاريع إذا كانت تخدم المجتمع نفسه.
وتنوع الخطاب الإعلامي ظاهرة صحية، لأنه يعكس وجود حراك في المجتمع. وإذا كنا نتحدث عن المهنية بمفهوم الموضوعية والنضج الإعلامي والمهارات المتقدمة لكتابة المواد الإعلامية، فإننا بلا شك في حاجة إلى تطوير قدرات جميع وسائل الإعلام، خاصة أن العمر الوظيفي للإعلامي البحريني محدود.
لماذا العمر الوظيفي محدود؟ وكيف تنظر للتغييرات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة والمتعلقة بالشأن الإعلامي خلال الأحداث؟
الحكومة واجهت تحديات إعلامية كبيرة خلال الأحداث، وحان الوقت لأن تستوعب الدرس وتستفيد من الأحداث لتطور قدراتها الإعلامية.
لماذا العمر الوظيفي للصحافي البحريني قصير؟
هناك عدة عوامل تتحكم في استمرارية الصحافي من عدمها، ولكن البنية الصحافية في البحرين بطبيعتها طاردة لمحدودية الرواتب والحوافز مقارنة بالقطاعين الخاص والعام، حتى إن أغلبية الصحافيين لم يستمروا في العمل الصحافي سوى لمدة ثلاث أو أربع سنوات، والكثير منهم يبني له علاقات خلال هذه الفترة مما يسهل انتقاله إلى وظيفة في قطاع آخر نتيجة للعرض الأفضل والضمان الوظيفي.
أليست هناك حلول؟
في الواقع هناك توجه حكومي لإيجاد كادر إعلامي مؤهل وبدعم حكومي ومازلنا ننتظر تفاصيل مثل هذا المشروع أو ملامح المشروع.
إعادة وزارة الإعلام بعد أن تم تحويلها إلى هيئة وتعيين وزيرة للإعلام .. كيف ترى انعكاس ذلك؟ وهل تعتقد أن الوزارة أدت دورها؟ وما المطلوب حالياً؟
هناك تقصير كبير من الإعلام الرسمي في التعامل مع الأحداث، ولكن أعتقد أن التطورات الأخيرة من تعيين وزيرة إعلامية من شأنها أن تحدث نقلة مطلوبة جداً في الإعلام البحريني، ومن أهمها قانون جديد للإعلام بمختلف أشكاله. ليست المشكلة في الإعلام الرسمي بشكل أساسي، ولكن الإشكالية الأهم في البنية القانونية المنظمة للإعلام المحلي التي يجب أن تواكب التطورات في هذا المجال وتفتح المجال أمام الاستثمار الإعلامي وهو اتجاه ليس بجديد ومعمول به في عدد من الدول الخليجية.
يؤخذ على الصحافة البحرينية أنها لم تعالج الوضع إعلامياً كما يجب.. بل انساقت لمجاراة إعلام المعارضة .. كيف ترى ذلك؟
مثل هذا الطرح صحيح إلى درجة كبيرة، وأعتقد أنه مبرر، فمتى ما كان هناك ضعف في الإعلام الرسمي، والدولة تمر بأزمة كبيرة مثلما مرّت به البحرين، فمن حق وسائل الإعلام أن تتولى هذه المهمة، وهي مسؤولية وطنية جماعية لا تقتصر على الإعلام الرسمي فحسب، وإنما على جميع وسائل الإعلام التي يجب أن تضطلع بمسؤولية الدفاع عن الدولة في أوقات الأزمات.
يؤخذ على «الوطن» أنها أصبحت حكومية أكثر من الحكومة في أطروحاتها واتخذت دور المهاجم على المعارضة .. ما تعليقك؟
لا أتفق مع هذه الرؤية تماماً، وأعتقد أن المتابع للصحيفة يمكن أن يتعرف على انتقاداتها للأداء الحكومي، وهذا جزء من مهمتنا، فنحن نقيّم أداء الحكومة بشكل مسؤول وموضوعي، ونبدي آراءنا فيه بكل صراحة ودون مجاملة. ونقدر كثيراً تفاعل المسؤولين الحكوميين، وكذلك مختلف مؤسسات الحكومة لنقدنا، وأعتقد أن مثل هذا التفاعل هو الذي يبني علاقة صحية مع الحكومة، خاصة إذا ساهم في معالجة العديد من المشكلات أو الظواهر السائدة في المجتمع.
وهنا ينبغي توضيح الفرق بين نقد الحكومة ونقد الدولة، فنقد الحكومة بيّنت رأيي فيه، وهو نقد مقبول دوماً وإن اختلفت الآراء بشأنه. أما نقد الدولة والوقوف ضد استقرارها فهي مسألة لا يمكن المساومة عليها، وموقفنا منها صريح وواضح.
لكن واضح من أطروحاتكم أنكم لا تنظرون للوضع إلا من جانب واحد .. إذا لم تكن معي فأنت ضدي .. ما رأيك؟
نحن نمارس دوراً إعلامياً ولا يمكننا تغييب مختلف الآراء، ونحرص عليها دوماً وفقاً لمعايير الدقة والموضوعية، ويمكن لأي متابع لما تنشره الصحيفة أن يتعرف على ذلك. أما إذا كنت تقصد أن بعض الآراء الموجودة في المجتمع غائبة، فإن غيابها يتعلق بأصحابها، وهي ليست مشكلتنا، بل مشكلة أصحابها.
ألا ترى أنه كان من المفترض أن تركز الصحافة على معالجة الفجوة بين المعارضة والحكومة بدلاً من تأجيج الأوضاع؟
الفجوة بين الحكومة وجميع مكونات المجتمع فجوة مفتعلة، ولا أعتقد أن الحكومة كانت في قطيعة مع ما تسميه بـ «المعارضة»، ودليل ذلك ما كان موجوداً قبل الأزمة، فالحكومة تعاملت مع جميع القوى السياسية من خلال البرلمان، والعلاقة اتسمت بالجدية قبل أن تتطور إلى أحداث دراماتيكية لاحقاً سببها بعض القوى الراديكالية.
توليتَ رئاسة تحرير «الوطن» في ظل ظروف دقيقة تمر بها البحرين والمنطقة.. فما أهم التحديات التي واجهتك في البداية؟
أنا من الفريق المؤسس للصحيفة في عام 2005، وكاتب عمود يومي فيها، ولم أكن يوماً بعيداً عنها. وأبرز التحديات التي واجهتها كيفية الحفاظ على المصداقية والموضوعية الإعلامية في ظل انقسام حاد يعاني منه المجتمع. ومن التحديات كذلك ظروف الأزمة المالية العالمية التي تعانيها جميع الصحف البحرينية.
هل تعتقد أن قرار تعيينك قوبل بارتياح من العاملين في الجريدة أو الأوساط البحرينية؟ وهل كنت متوقعاً مثل هذا القرار؟
كما ذكرت لست غريباً على الصحيفة، فأنا ابن «الوطن». وأعتقد أن قرار التعيين قوبل بارتياح في الأوساط الإعلامية البحرينية التي أنتمي إليها. ولم أكن أتوقع هذا القرار أو أسعى إليه.
ما أهم الخطوات التي اتخذتها عند تعيينك؟
الخطوة الأولى كانت إعادة تقييم الصحيفة من حيث دراسة الإمكانات والمحتوى الإعلامي، وتقييم اتجاهات الجمهور، وهو ما تم من خلال مسح شامل للجمهور القارئ وغير القارئ. والخطوة الأخرى كانت إعادة بناء العلاقات مع جميع الشركاء ومؤسسات المجتمع في القطاعين العام والخاص، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني. وكانت الخطوة الثالثة إعادة رسم السياسة التحريرية للصحيفة لمرحلة جديدة وفقاً لمعطيات مختلفة.
ما الذي يمكن لك أن تقوله إنك قدمت للصحيفة بعد نحو عام من توليك رئاسة التحرير؟ وهل انعكس ذلك على توزيع الصحيفة؟
أعتقد أنني بدأت بالكثير، ومازال لدي الكثير لإنجازه. فهناك إعادة تنظيم للهيكل الداخلي، وتغيير الخطاب الإعلامي والعمل وفق أجندة واضحة تقوم على التخطيط الإعلامي. كما حرصت على تبني مبادئ جديدة من أهمها التفاعلية التي أؤمن بها كثيراً، حيث يكون هناك تفاعل بين الصحيفة والقراء، بسبب الثورة الجديدة التي أحدثها الإعلام الإلكتروني اليوم. كما تم تصميم الصحيفة بشكل حديث ومختلف عما هو سائد في الصحافة البحرينية، وتمت إضافة أقسام جديدة وصفحات نوعية. وبدأنا باستقطاب كتاب جدد ليكونوا إضافة أخرى للكتاب المميّزين الذين تفتخر بهم «الوطن» جميعاً.
مثل هذه الخطوات انعكست على توزيع الصحيفة بشكل إيجابي، وزادت نسبة القراء، وأسهم مبدأ التفاعلية الذي بدأناه بمضاعفة حجم جمهورنا الإلكتروني ثلاثة أضعاف. هذه كلها بداية، ونطمح للمزيد.
ألا ترى أنكم بالغتم كثيراً في أن تتخذ الصحيفة نهجاً وخطاً واضحاً أصبح مكشوفاً للمتلقي؟
الجمهور في البحرين صار أكثر وعياً للخطاب الإعلامي السائد، وكذلك مدركاً للمشهد الإعلامي. ولا يمكننا أن نجامل الجمهور، بل يجب أن نحدد خطنا الإعلامي، وليس لدينا ما يمكن أن نخفيه عن الجمهور، بل نقدم خطابنا بكل موضوعية ودقة، خاصة وأنا خطابنا واضح ومعروف داعم لاستقرار البلد ونسيجها الاجتماعي ووحدتها الوطنية وحفظ ثوابتها الوطنية، ومن ينزعج من هذا الخطاب لا يتمنى الاستقرار والأمن لهذا البلد. كما إننا لا نمارس الخداع في تقديم خطنا السياسي، بل نطرح رأينا بصراحة، ونسوق مبرراته ونترك للقارئ حرية الاقتناع به، فالموضوعية لا تعني عدم اتخاذ موقف في أحداث كبيرة كالتي تمر بها البحرين. وهنا ينبغي التأكيد أنه لا توجد وسيلة إعلامية في العالم تبقى على الحياد حين يتعرض «الوطن» لهزة كما تعرضت لها البحرين.
أيضا نحن نؤمن بأنه متى ما أخطأنا فإنه يجب الاعتراف بالخطأ بشجاعة وتصحيحه فوراً.
كنتَ كاتباً معروفاً قبل توليك رئاسة التحرير.. هل غيّرت موقع مقالك بعد توليك المنصب؟
اقترح عليّ بعض الزملاء في هيئة التحرير، وكذلك من القراء تغيير موقع مقالي بعد أن توليت رئاسة التحرير، وجربت ذلك يوماً واحداً، ولكنني في النهاية استقريت على رأيي بأن يبقى مكان مقالي بين الكتاب في صفحات الرأي، لأنني هنا أمارس دوري ككاتب رأي وهو دور أعتز به كثيراً، وعندما أكتب بصفتي رئيس تحرير فإنني أكتب افتتاحية الصحيفة التي تعبر عن موقفها في بعض القضايا المهمة.
أنت كنت كاتباً في صحيفة «الوسط» لماذا انتقلت؟
حقيقة كنت كاتباً في صحيفة «الأيام» ثم «الوسط»، واستمررت لنحو سنة ونصف السنة، ولكنني انتقلت ضمن فريق العمل المؤسس لصحيفة «الوطن».
هل اختلف خطك أو رأيك بين «الوسط» و»الوطن»؟
لا، أبداً وهو الخط نفسه الذي عرفت به منذ بداياتي في «الأيام».
هل كانت تتم إجازة كل مقالاتك في «الوسط» أم
تتعرض لمقص الرقيب أحياناً؟
لا، لم يتم تغيير مقالاتي، وللأمانة كانوا يعاملونني بمهنية عالية وقتها، ولكن خطها اختلف خلال الأزمة وما بعدها عما كانت عليه عند صدورها.
هل لو طلب منك العودة لكتابة المقال في «الوسط» ستوافق؟
لا، لن أكتب ولا يشرفني، لرفضي الكامل للخط الراديكالي الذي تنتهجه حالياً وأطروحاتها الواضحة والجلية ضد الدولة.
هناك من يرى أنه يتم استقطاب الكتاب في «الوطن» بناءً على من يقدم الولاء وليس على المهنية.. تعليقك؟
إذا كان المقصود بالولاء هو الولاء للبحرين كوطن، فهو شرط لازم غير كاف للكتابة في «الوطن»، تضاف إليه شروط أخرى مثل قدرة الكاتب وثقافته وجمهوره والقضايا التي يمكن أن يطرحها. أما إذا كان المقصود هو الخط السياسي للكاتب فنظرة واحدة على صفحات الرأي في الجريدة كفيلة للتدليل على أن كتاب «الوطن» من اتجاهات سياسية متنوعة وأحياناً متناقضة. كما إن نظرة واحدة على موقع الصحيفة الإلكتروني كفيلة بمعرفة مدى انقرائية كتاب «الوطن» وتأثيرهم في الرأي العام.
عام 2004 تقريباً كتبت مقالاً واستعرت في عنوانه عنوان كتاب الراوي الإيراني علي شريعتي «النباهة والاستحمار» .. مثل هذه الإسقاطات تفسر بمعان مختلفة.. كيف كان ردود فعل ذلك؟
أشكر نباهتك على استحضار هذا المقال الذي كتب آنذاك لتوصيف حالة المقاطعة والمشاركة في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة البحرين. وبالفعل هذا المقال عندما كتب وجه إسقاطات حادة للوضع السياسي القائم آنذاك الذي كان منقسماً بين مقاطع ومشارك للعملية السياسية.
وبالنسبة لردود الأفعال، فأعتقد أنها كانت مؤلمة لمن استهدفهم المقال، ويمكننا توصيف جانب من المشهد السياسي البحريني اليوم بمبدأي النباهة والاستحمار وفقاً للطرح الساخر الذي قدمه شريعتي في كتابه.
أيضاً في مقال لك بعنوان «الصراع الطائفي انتهى أم بدأ» في إشارة إلى أحداث سورية.. كيف ترى الصراع الطائفي في البحرين؟ وكيف للإعلام أن يسهم في معالجة مثل هذه الصراعات؟
يمكن الرجوع لكتابي الأول حول البنى الطائفية وتنظيماتها في البحرين لمعرفة طبيعة الصراع الذي تعد البلاد مهيأة له في أي وقت، فالصراع السياسي لدينا بدأ عندما سرقت جماعة راديكالية تؤمن بولاية الفقيه طائفة رئيسة من طوائف البحرين وصارت تتاجر بها باسم الحقوق تارة وباسم المطالب تارة أخرى. ومثل هذا الصراع موجود، ولكن وحدة البحرينيين ووعيهم أقوى من الانسياق لهذا الصراع. فمعطيات التاريخ علمتنا أن كل صراع طائفي شهدته البحرين انتهى بتعايش سلمي بين مختلف المكونات.
ما أسباب مثل هذا الصراع؟
الصراع الطائفي ألبس منذ البداية ثوباً طائفياً لأهداف سياسية لا علاقة لها بمصالح الطوائف المتعايشة في البحرين منذ قرون، بل بالغزو الإيراني للمنطقة الذي صرنا نلمس آثاره مباشرة في سورية.
محاولة الإعلام دفن الرؤوس في الرمال بأنه لا توجد مشكلات طائفية أو صراع طائفي لم تعد مجدية، ويجب توضيح الحقائق للرأي العام كما هي وكشف محاولات اختطاف طائفة من الطوائف من قبل فئة راديكالية بتوضيح الأهداف السياسية طويلة المدى من محاولات سيطرة جماعة على الحكم.
كيف يمكن للإعلام أن يلعب دوراً في تخفيف التوتر أو التصعيد الطائفي؟
التأكيد الدائم على أن مقاومة هذا النهج وكشفه لا تعني نصب العداء أو توجيه السهام لأي طائفة أو دين أو مذهب، فنحن في «الوطن» مثلاً نحترم جميع الطوائف ومكونات المجتمع ولا يمكن أن تجد كلمة واحدة تهاجم أي طائفة أو مذهب أو دين. لكن المشكلة أن بعض الأشخاص يختزلون الطائفة في أنفسهم، وحين توجه نقداً لمواقفهم ونهجهم السياسي يروجون في الدوائر المغلقة لطائفتهم أنك تستهدف الطائفة. في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماماً، ويمكن معرفتها من تحليل مضمون بسيط لمحتوى صحيفة «الوطن».
التعايش بين مختلف مكونات المجتمع وطوائفه ليس شعاراً يرفعه الإعلام كلغة خشبية، بل ممارسة يومية يمكن أن تلمسها حتى في التنظيم الداخلي للصحيفة وعلى صفحاتها وفي اتجاهات كتاب رأيها.