كتب - عبد الله إلهامي:
طالب مهندسو طرق بالتحقيق في مسببات الحادث الذي تكرر على كوبري السيف، مع الجهات المختصة بإنشاء الجسور والكباري وتصميم الطرق، مشترطين وجود محكمين خبراء في التدقيق حول السلامة المرورية يمتازون بالحيادية.
وأوضح المهندسون أن انقلاع الحواجز العمودية من مكانها في الكوبري وعدم وجودها بالكامل بعد الارتطام رغم تدلي الجزء العلوي؛ يثير تساؤلات عدة، ويستدعي تحقيقاً ميدانياً يختبر فيه المادة المستخدمة في الحواجز ومطابقتها للمعايير العالمية.
وقال مدير مركز دراسات المواصلات و الطرق د.عبد الرحمن جناحي: من خلال الملاحظات العمومية للحاجز الحديدي المكسور إثر اصطدام سيارة الفتيات الثلاث به فإن هناك شكوكاً حول نوعية الحاجز، فيفترض بأن تكون الحواجز فوق الجسور ممتصةً للصدمات بناء على المعايير العالمية، ما يعني أن اصطدام السيارة به يؤدي لتضرر الجزء الذي يسبق موقع الاصطدام والجزء الذي يليه، كونهم مشتبكين مع بعضهم بشكل قوي، إلا أن ما تظهره الصور المتداولة خلاف ذلك تماماً، ويظهر أنهم منفصلون.
اختفاء الأعمدة الرأسية
واستغرب جناحي بشدة اختفاء الأعمدة الرأسية التي تثبت الحاجز الحديدي، مردفاً بأن ذلك يثير اللغط حول قوة تثبيتها في الجسر، علاوة على خطورة وضع الحاجز على حافة الجسر وعدم سد الفتحة بين الاتجاهين، إذ يعني ذلك أن نسبة الخطأ فيه تساوي 0%، وأن أي اصطدام بالحاجز سيهوي بالمركبة إلى أسفل، لافتاً إلى أن انقلاع الحواجز العمودية من مكانها وعدم وجودها بالكامل بعد الارتطام رغم تدلي الجزء العلوي يثير تساؤلات عدة، ويستدعي تحقيقاً ميدانياً يختبر فيه المادة المستخدمة في الحواجز ومطابقتها للمعايير العالمية.
وشدد جناحي على وجوب التحقيق في مسببات الحادث الذي تكرر على ذات الكوبري، وذلك للمحافظة على مستخدمي الطرق، ويشمل الجهات المختصة بإنشاء الجسور والكباري وتصميم الطرق، مشترطاً وجود محكمين خبراء في التدقيق حول السلامة المرورية ويمتازون بالحيادية.
وأضاف جناحي: من المعروف أن أكثر الحوادث المميتة في المملكة تتم على شارعي خليفة بن سلمان وعيسى بن سلمان، لكنه في المقابل يحمل أكبر نسبة مرور مركبات بشكل يومي، ما يستدعي تدقيقاً مرورياً، ورفع مستوى السلامة المرورية، حيث توصي السلامة المرورية بعمل دراسات مكثفة على هذا الموقع ومراجعة التصاميم أكثر من مرة، كما ينبئ علم الإحصاء المستخدم بشكل كبير في مجال هندسة الطرق بخطورة الوضع، وذلك يتطلب تكوين لجنة لدراسة المكان بصورة شاملة 100% بغض النظر عن ماهية الأخطاء، ولا جدال حول ذلك بين المختصين في السلامة المرورية.
وأوضح حناحي أن مطابقة الجسر للمواصفات العالمية قد لا يعني بالضرورة مطابقته للمواصفات المحلية، فعلى سبيل المثال الطريق المستخدم بكثرة من قبل المركبات الثقيلة تختلف حواجزه المرورية عن غيره، مبيناً أن الحواجز المرورية نوعان، أحدهما جامد والآخر قابل للصدمات، ومن ناحية السلامة المرورية يستخدم الأخير كونه يمتص الصدمة ويحافظ على أرواح مستخدمي الطرق، ففيها نوع من الحركة تمتص الصدمة بقدر الإمكان وتقلل من طاقة السيارة وسرعتها حال الاصطدام، وتعيدها إلى مسارها بسرعة وطاقة أقل تساهم في إمكانية السيطرة عليها، ولا ينكسر الحاجز بالكامل.
وأضاف جناحي أن الحواجز المسمطة منها الإسمنتي ومنها البلاستيكي تعيد المركبة إلى المسار بالطاقة المتمثلة في قوة الاصطدام نفسها، ويستخدم غالباً في أماكن العمل، إلا أنه لا يوصى به من ناحية السلامة المرورية رغم أنه مستخدم بشكل كبير في أمريكا، لافتاً إلى أن النوع البلاستيكي يملأ بالرمل أو الماء ويمتص جزءًا من قوة الاصطدام ويجعل المركبة ترتد بطاقة أقل، إلا أن وجود الحواجز في بداية مسار المركبات وعدم وجود مسافة كافية ما بين الخط الأصفر والحاجز ليس من السلامة، فإنه لا يساعد على وقوف السيارات على جانب الطريق وفي حال انحرافها عن المسار يعرضها للاصطدام المباشر بالحاجز وتعطل الحركة المرورية، كما هو مشاهد بشكل يومي في الكثير من الطرق.
وبين أن المملكة تستخدم في هندسة الطرق الكود الأوروبي والأمريكي لأنها لم تنته بعد من الكود البحريني، كما إنه لا يوجد هناك كود خليجي موحد، وكل دولة تستخدم ما يناسبها، فمثلاً السعودية تلتزم بالكود الأمريكي بشكل كلي، في حين أن عمان لديها خليط من المعايير التي تناسبها.
السلامة المرورية غائبة
بدورها قالت الباحثة بمركز دراسات المواصلات والطرق والمحاضرة بجامعة البحرين د.ريم أكبري أن الدول المتقدمة في مستوى السلامة المرورية تعتبر الجسور من أخطر المناطق، لذلك تكون معايير السلامة عليها عالية وبأفضل مستوياتها مقارنة بالشوارع، مشيرة إلى أن «تكرار مثل ذلك الحادث في البقعة نفسها يعني عدم وجود فريق في البحرين متخصص في السلامة المرورية، وذلك يعتبر مؤشراً خطيراً، وجريمة متمثلة في حدوث الخطأ أكثر من مرة، ويجب أن يتم عمل دراسة كاملة لتفسير ذلك.
وأضافت أن الإحصاءات العالمية توضح أن أقل نسبة حوادث تكون على الجسور والطرق السريعة، لأنه ليس بها مداخل ومخارج تؤدي لارتباك السائق واصطدامه بمركبة أخرى أو فقدانه السيطرة، لكن الواقع في المملكة بعكس ذلك تماماً، إذ إن تقارير المرور السنوية لنسبة الحوادث تؤكد أن شارع خليفة بن سلمان يحمل أعلى نسبة حوادث في المملكة، ومن الممكن أن تكون الحواجز جزءاً من المشكلة، إلا أن المشكلة ككل أعمق من ذلك.
وتابعت أكبري أن الجسور عبارة عن مبنى يحمل شارع، لذلك فإن لها خصوصية تجعلها مختلفة عن غيرها، فهل لدينا طاقم متكامل للفحص الدوري الذي يفترض ألا ينقطع؟ يجب ألا نسابق الزمن ونبني جسوراً بشكل عشوائي، فمن خصوصيتها أن تكاليفها ومصروفاتها تزيد بشكل كبير عن الشوارع العادية، وذلك لأن أي ثغرة فيها تؤدي إلى كارثة.
وواصلت أكبري: يجب ألا تنكسر الحواجز التي على الجسور أبداً، لكي لا تختل قواعد الجسر حال اصطدام مركبة ثقيلة بها على سبيل المثال. ويلزم ألا تكون السرعة هي «الشماعة» التي تعلق عليها أخطاء الحوادث، مع أنه لا جدال حول كونها عنصراً رئيساً في ذلك، ولكنه لا يشترط أن تنفرد بالمسببات، خصوصاً في هذه المرحلة الخطرة التي تستحق دراسة متكاملة، إذ إنه لا ينبغي الانتظار حتى تذهب أرواح أخرى أو تتحول المشكلة إلى قضية رأي عام ليبدأ في البحث عن حلول لها، إذ ذكر المرور في تقاريره الأولية للحادث الأول الذي راح ضحيته مواطن خليجي، وتكرار المصيبة يعني أنه ليس هناك اهتمام دوري متكامل.
وقالت أكبري: لقد فجعت البحرين كلها بما ألمّ بأولئك الفتيات، وكان الله في عون أهاليهم الذين فقدوا أعز ما يملكون في أحلى لحظات حياتهن، مشددة على وجوب عمل دراسة كاملة على هذا الشارع، والاستعانة بالشركات الاستشارية التي كثيراً ما يصرف عليها المبالغ، حفاظاً على أرواح المواطنين والمقيمين.
يشار إلى أن الإدارة العامة للمرور ذكرت في تقريرها حول الحوادث العام 2011 أن أكثر حوادث الإصابات وقعت على شارع الشيخ خليفة بن سلمان بنسبة 4,73%، وشارع الشيخ عيسى بن سلمان 4%، وشارع البديع 3,78%، في حين بلغت 3,53% على شارع الشيخ جابر الأحمد الصباح، و3,47% على شارع الشيخ سلمان.