يروت - (وكالات): تحولت مدينة صيدا الساحلية جنوب لبنان إلى ساحة حرب عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش وأتباع الشيخ السني السلفي أحمد الأسير المناهض لحزب الله الشيعي اللبناني، أسفرت عن مقتل 8 أشخاص بينهم 6 من أفراد الجيش وهزت المدينة التي تختمر فيها الانقسامات منذ شهور. وقال مصدر أمني إن الاشتباكات اندلعت بين الجيش وأنصار الأسير المعروف بمعاداته لحزب الله واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية. وأضاف أن 6 من أفراد الجيش اللبناني قتلوا بينهم ضابطان وأصيب 19 آخرون في حين قتل مسلحان من أنصار الأسير أحدهما مرافق الفنان المعتزل فضل شاكر وأصيب 13 في الاشتباكات.
واتهم الجيش في بيان «مجموعة مسلحة تابعة للشيخ أحمد الأسير ومن دون أي سبب بمهاجمة حاجز تابع للجيش اللبناني في بلدة عبرا بصيدا، ما أدى إلى استشهاد ضابطين و4 عسكريين وإصابة عدد آخر إضافةً إلى تضرر عدد من الآليات العسكرية».
وأشار البيان إلى أن «قوى الجيش اتخذت التدابير اللازمة لضبط الوضع وتوقيف المسلحين». وأوضح مصدر أمني محلي جنوب لبنان أن اشتباكات اندلعت بعد إشكال بين الجيش ومسلحين من جماعة الأسير نتيجة توقيف حاجز للجيش سيارة تقل أشخاصاً من جماعة الأسير. وذكرت تقارير أن الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية تستخدم في الاشتباكات، وأن التوتر امتد إلى عدد من أحياء صيدا حيث يلاحق الجيش المسلحين.
وأشار إلى أن مسلحين عملوا على سكب مادتي المازوت والزيت في بعض شوارع صيدا لإعاقة تحرك آليات الجيش. ونزح العديد من الأهالي من المنطقة، بينما اختبأ آخرون في الطبقات السفلية من الأبنية. وأقفلت المحال التجارية في عبرا وفي صيدا، وشلت الحركة في الشوارع.
ووقع الحادث في محيط مسجد بلال بن رباح الذي يؤم فيه الأسير الصلاة، والمحاط منذ أشهر بتدابير أمنية مشددة على خلفية حوادث عدة تورط فيها الأسير وأنصاره مع الجيش اللبناني، وخصوصاً مع أنصار حزب الله الشيعي. وقال أحد المقربين من الأسير «نحن مطوقون داخل المسجد وفي محيطه من الجيش». وأكد الجيش أنه لن يسكت عن «التعرض له سياسياً وعسكرياً»، وأنه «سيضرب بيد من حديد من تسول له نفسه سفك دم الجيش».
وقالت قيادة الجيش إنها حاولت «منذ أشهر إبعاد لبنان عن الحوادث السورية»، و»عدم قمع المجموعة التابعة للشيخ أحمد الأسير في صيدا، حرصاً على احتواء الفتنة والرغبة بالسماح لأي طرف سياسي بالتحرك والعمل تحت سقف القانون»، لكن «ما حصل في صيدا فاق كل التوقعات»، معتبرة أن «الجيش استهدف بدم بارد وبنية مقصودة لإشعال فتيل التفجير في صيدا».
وطلبت القيادة من «قيادات صيدا السياسية والروحية ومرجعياتها ونوابها» التعبير «عن موقفها علناً بصراحة تامة، فإما أن تكون إلى جانب الجيش اللبناني لحماية المدينة وأهلها وسحب فتيل التفجير، وإما أن تكون إلى جانب مروجي الفتنة وقاتلي العسكريين». ولم يكن الأسير معروفاً قبل نحو سنتين، لكنه برز إلى الواجهة نتيجة مواقفه المعارضة للنظام السوري ولحزب الله الشيعي المتحالف معه. وقد أثار الأسير الأسبوع الماضي ضجة عندما بادر أنصاره إلى إطلاق نار على شقق قريبة من المسجد يقول الأسير إن سكانها هم مسلحون من حزب الله يقومون بمراقبته. وحصل تبادل إطلاق نار مع مسلحين من أنصار حزب الله تسبب بمقتل رجل وإصابة آخرين. ويتهم الأسير الجيش اللبناني بالتساهل مع حزب الله والتشدد مع أنصاره.
وتتألف صيدا من غالبية سنية. وإن كانت الشريحة الأكبر من سكانها مؤيدة إجمالاً للزعيم السني سعد الحريري، فإن سنة آخرين فيها يؤيدون حزب الله، ويتهمون تيار المستقبل برئاسة الحريري بالتعاطف مع الأسير. إلا أن النائبة بهية الحريري من تيار المستقبل أعلنت تنديدها بالاعتداء الذي تعرض له الجيش، مؤكدة أن «ما حصل في صيدا تدمير للمدينة وأهلها».
ودعت الحريري سكان صيدا إلى «رفع الصوت عالياً بوجه لعبة السلاح كل السلاح»، في إشارة إلى سلاح الأسير أسوة بسلاح حزب الله الذي يطالب تيار المستقبل منذ سنوات بوضعه في تصرف الدولة. وقالت إن صيدا اختارت أن «تكون حرة ومساحة تلاق»، كما إنها اختارت «الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية، وفي مقدمتها الجيش الوطني اللبناني». وبدا هذا التصريح إشارة واضحة إلى التبرؤ من الأسير.
ومساء أمس، ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن مواقع الجيش تعرضت لإطلاق نار في منطقة تعمير المتاخمة لمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا. ويضم المخيم مجموعات متطرفة متعاطفة مع الأسير. وقال مسؤول فلسطيني إن القوى الفلسطينية تقوم بتدابير مشددة لمنع تورط المجموعات داخل المخيم في المواجهة مع الجيش. وفي طرابلس، أشعل مسلحون إطارات في عدد من الطرق وقطعوها تضامناً مع الأسير، في حين يجوب غيرهم الطرق بالسيارات مطلقين النار. وأعلن وزير التربية اللبناني حسان دياب أن الامتحانات الرسمية التي كان يفترض أن تبدأ اليوم في الجنوب للمرحلة المتوسطة، «ستؤجل في منطقة صيدا بسبب الأحداث الأمنية».