عواصم - (وكالات): أحرز الجيش اللبناني خلال الساعات الماضية تقدماً كبيراً نحو المجمع الذي يتحصن فيه رجل الدين السني المتشدد أحمد الأسير مع أنصاره جنوب لبنان، وتراجعت حدة الاشتباكات بين الطرفين التي قتل فيها حتى الآن 16 جندياً، في أخطر حوادث أمنية في لبنان منذ بدء النزاع في سوريا المجاورة قبل أكثر من سنتين.
كما إنها الحوادث الأكبر التي يتورط فيها الجيش منذ عام 2007، تاريخ المعركة بين الجيش وحركة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في الشمال التي استمرت 3 أشهر. والأسير معروف بعدائه الشديد لحزب الله الشيعي، حليف دمشق، ويتهم الجيش اللبناني بغض الطرف عن كل أنشطة الحزب المسلحة. وإن كان الأسير لا يعد ذا شعبية واسعة في صفوف الطائفة السنية، لكنه قام خلال السنتين الماضيتين بسلسلة أحداث مع الجيش ومع مسلحين موالين للحزب، وتميز بخطاباته النارية ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وارتفع عدد القتلى الذين سقطوا في صفوف الجيش اللبناني إلى 16، بحسب بيانات صادرة عن قيادة الجيش، بالإضافة إلى عدد من الجرحى. في المقابل، ذكر مصدر عسكري في منطقة صيدا أن الجيش عثر على «عشرات الجثث لمسلحين باللباس العسكري مع سلاحهم» في الأبنية والمواقع التي يقوم «بتنظيفها» في محيط المجمع التي يتحصن فيه الأسير وأنصاره والذي يتألف من مسجد وأبنية عدة.
ولم يعرف مصير أحمد الأسير. وقالت تقارير إن الجيش «ألقى القبض على عشرات من المشتبه بانتمائهم إلى مجموعة الأسير». وذكر مدير العمليات في الصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة أن سيارات الصليب الأحمر نقلت خلال 24 ساعة 94 جريحاً إلى المستشفيات. وأشارت التقارير إلى آثار معارك عنيفة في الأبنية والشقق والشوارع، مع ثقوب في الجدران وآثار حرائق وركام في الشوارع وتحطيم في المحال التجارية التي بدا بعضها مفتوحاً مع بضائع مكدسة داخلها.
وذكرت أن الجنود إجمالاً في حالة استنفار وقد أخرجوا مجموعة من المدنيين من المباني بينها نساء وأطفال يحملون أكياساً كانوا احتجزوا في منازلهم منذ أمس الأول. بينما رفعت السيارات التي كانت تخرج من المنطقة مناديل وأقمشة بيضاء. ومعظم السيارات تحمل آثار رصاص أو قذائف، فيما بدا الرعب واضحاً على الوجوه. وكان التوتر امتد إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين حيث اشتبك الجيش منذ مساء أمس الأول وحتى ظهر أمس مع عناصر من مجموعات إسلامية عند أطراف المخيم. وكان الجيش اللبناني اتهم جماعة الأسير بالهجوم على الجيش «من دون سبب». وأكد اجتماع وزاري وأمني عقد برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن قوى الجيش ستواصل تنفيذ إجراءاتها في منطقة صيدا حتى «الانتهاء من المظاهر المسلحة وإزالة المربع الأمني» للشيخ أحمد الأسير وتوقيف المعتدين والمحرضين على الجيش».
وأصدرت السلطات القضائية «بلاغات بحث وتحر» في حق 123 شخصاً متورطين في الاشتباكات، بينهم الأسير، بحسب ما أفاد مصدر قضائي.
وأوضح أن أبرز المطلوبين هم «الأسير وشقيقه ونجله، والفنان فضل شاكر» وهو مطرب لبناني معروف اعتزل الغناء قبل فترة وبات من المقربين من رجل الدين المتشدد. وطلب سياسيون سنة من الجيش القيام بمهامه الأمنية «بشكل عادل وشامل» وبالتساوي بين اللبنانيين، في إشارة إلى الدعوات التي تطالب بإزالة كل السلاح في لبنان بما فيها ذلك العائد إلى حزب الله.
وأعلنت كل القيادات السياسية من كل الأطراف دعمها للجيش مستنكرة التعرض له من جانب جماعة الأسير.
وطلب 5 رؤساء حكومة لبنانيين حاليين وسابقين إثر اجتماع عقدوه «من الجيش والقوى الأمنية القيام بمهماتها الأمنية بشكل شامل وكامل وعادل»، معربين عن تضامنهم «مع أهلنا في كل المناطق الذين يشعرون بأن القانون يطبق على فريق من اللبنانيين دون سواهم»، وذلك في بيان تلاه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
وتعهد ميقاتي باسم المجتمعين، وهم من السنة، «الدفع باتجاه أن يتم تطبيق القانون على جميع اللبنانيين بالتساوي، فمؤسسات الدولة مسؤولة عن الجميع وأمام الجميع دون تمييز أو انتقائية». وشارك في الاجتماع، إلى ميقاتي، الرئيس المكلف تمام سلام والرؤساء السابقون سليم الحص وعمر كرامي وفؤاد السنيورة بصفته الشخصية وممثلا الرئيس سعد الحريري، أبرز قادة «قوى 14 آذار» المعارضة والمناهضة لدمشق. وتأتي الحوادث في إطار سلسلة من التوترات الأمنية المتنقلة بين المناطق اللبنانية على خلفية النزاع السوري. وامتد التوتر إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا حيث اشتبك الجيش مع عناصر من مجموعات إسلامية عند أطراف المخيم. كما تشهد مدينة طرابلس ذات الغالبية السنية في الشمال تشنجاً وإطلاق نار وقطع طرق. وذكر مصدر أمني أن مسلحين أقدموا على إحراق حاجز للجيش اللبناني في المدينة. وفي الرياض، دعت السعودية «جميع الأطراف» في لبنان إلى «وقف الاشتباكات وعدم التصعيد حفاظاً على أمن واستقرار لبنان». وفي دمشق، اعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن أحداث العنف في صيدا «خطيرة جداً». وأعربت باريس عن «قلقها الكبير» لأعمال العنف الدامية المستمرة جنوب لبنان ودانت «الهجمات على قوات الجيش اللبناني».