أعلن الديوان الأميري في قطر مساء أمس أن «ولي العهد الشيخ تميم سيعين أميراً للبلاد خلفاً لوالده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي قرر تسليمه الحكم»، داعياً المواطنين إلى «مبايعة الأمير الجديد اليوم وغداً». وأوضح البيان أن «الاستقبالات ستبدأ في الساعة التاسعة صباح اليوم بعد ساعة واحدة من الكلمة التي سيوجهها الشيخ حمد إلى الشعب ويعلن فيها تسليم السلطة لنجله». وبحسب البيان، فقد تقرر «اعتبار اليوم عطلة رسمية في الدولة».
وأبلغ الشيخ حمد الأسرة الحاكمة وأهل الحل والعقد وأعيان البلاد قراره «تسليم السلطة إلى نجله ولي العهد»، بحسب ما أعلنت قناة «الجزيرة». وذكرت القناة القطرية في خبر عاجل على شاشتها أن الشيخ حمد أنهى اجتماعاً مع الأسرة الحاكمة و»أهل الحل والعقد» وأحاطهم علماً بـ»قراره تسليم السلطة إلى ولي عهده الشيخ تميم» البالغ من العمر 33 عاماً. وسيكون تخلي الشيخ حمد عن السلطة سابقة في التاريخ السياسي الحديث للعالم العربي، إذ لم يتخل أي حاكم وراثي طوعاً عن الحكم. وأكد دبلوماسيون ومسؤولون في وقت سابق أن الأمير يستعد لنقل السلطة في هذا البلد الذي دعم انتفاضات الربيع العربي. والأمير من مواليد عام 1952، وتولى السلطة عام 1995 ويعتبر صانع نهضة بلاده التي تمارس دوراً حيوياً على الساحة الإقليمية والدولية.
وتحولت قطر في عهده إلى أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم وإلى صاحبة أعلى دخل للفرد بين جميع الدول. وقال مسؤول قطري إن الأمير «سيتخلى عن صلاحياته للشيخ تميم». وذكر مسؤول قطري آخر أن الأمير «مقتنع بضرورة تشجيع الجيل الجديد وينوي تسليم السلطة إلى ولي العهد وإجراء تعديل وزاري يعين خلاله عدداً كبيراً من الشبان في مجلس الوزراء». وذكر مصدر دبلوماسي فرنسي أن أمير قطر «يود من خلال تنظيمه بنفسه انتقال السلطة منه، أن يرد على بعض الانتقادات التي تقول لقطر «أنتم دولة حكم فردي ولا تريدون أن يكون هناك ربيع عربي إلا عند الآخرين»». وأضاف المصدر أن الأمير «يريد أن يقدم نموذجاً ناجحاً لانتقال هادئ».
وبحسب المحلل السياسي المتخصص في شؤون الخليج نيل بارتريك، فإن الشيخ تميم «يمسك بملفات حساسة عدة في السياسة الخارجية» و»ليس من المتوقع أن يتخذ أي قرارات كبرى من دون العودة إلى والده».
وولد الشيخ تميم عام 1980 وهو الابن الرابع للأمير والثاني له من زوجته الثانية الشيخة موزا بنت ناصر المسند. وتم تعيينه ولياً للعهد في 5 أغسطس 2003 بعد تخلي شقيقه الأكبر الشيخ جاسم عن المنصب وهو أحد أبناء الشيخة موزا أيضاً.
ويتولى ولي العهد قيادة القوات المسلحة نيابة عن والده ورئاسة اللجنة الأولمبية كما إنه نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار، إضافة إلى أنه شغوف بالرياضة ويشرف على ملف مونديال عام 2022 الذي تستضيفه قطر، علماً بأنه تلقى علومه في كلية ساندهيرست البريطانية المرموقة على غرار والده. وتمكن تميم الطويل القامة والقوي البنية، خلال السنوات الأخيرة من فرض نفسه بشخصيته القوية مستنداً إلى ثقة والده، بحسب مصادر دبلوماسية وسياسية.
ويعشق الشيخ تميم التراث والإرث الثقافي الخليجي وقد بنى لنفسه قصراً تراثياً ساحراً في الصحراء.
وقال بارتريك إن الشيخ تميم يمسك منذ مدة «بملفات سياسية خارجية حساسة»، وإن والده «جس النبض الداخلي والدولي إزاء إمكان وصول ابنه إلى منصب الأمير أو على الأقل ليتولى منصب رئيس الوزراء النافذ».
من جهته، قال مصدر دبلوماسي غربي أن «الشيخ تميم تسلم تدريجاً الملفات الأمنية والعسكرية والخارجية خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية». وذكر المصدر أن «تميم قوي الشخصية تمكن من فرض نفسه ضمن الأسرة، خصوصاً أنه لم يكن ولي العهد الأول ولا الخيار الأول لولاية العهد». وبحسب المصدر الدبلوماسي، «يتمتع تميم بعلاقات ممتازة مع الغرب، خصوصاً مع واشنطن وباريس»، وهو من محبي فرنسا والثقافة الفرنسية شأنه شأن والده، كما إنه أيضاً مثله يتكلم الفرنسية بطلاقة. وفي السياق الإقليمي، يتمتع الشيخ تميم بعلاقات جيدة مع السعودية.
وأكد المصدر أنه «ليس من المتوقع أن يشكل صعود تميم إلى السلطة أي تغيير في سياسة قطر أو تموضعها الإقليمي». وأوضح بارتريك أنه «ليس من المتوقع أن يتخذ الشيخ تميم قرارات كبيرة بدون العودة إلى والده». كما ذكر أن الشيخ حمد سبق أن أنجز تغييراً أساسياً في تموضع بلاده في المرحلة الأخيرة عبر الابتعاد عن إيران في الملف السوري، «بالرغم من حقول الغاز المشتركة الضخمة بين البلدين».
ومن المتوقع أن يتزامن تسلم الشيخ تميم زمام الأمور في البلد الذي فرض نفسه على الخارطة العالمية وبات أغنى بلد من حيث دخل الفرد، مع انتهاء دور شخص محوري آخر في السياسة القطرية هو رئيس الوزراء البالغ النفوذ الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني، بحسب مصادر متطابقة.
ومن المتوقع أن يشكل الشيخ تميم حكومة لا يرأسها الشيخ حمد بن جاسم الذي يرأس مجلس الوزراء منذ 2007 ويشغل منصب وزير الخارجية منذ 1992. وبحسب المصدر، فإن رئيس الوزراء حمد بن جاسم «يقول منذ مدة للمقربين منه إنه سيغادر منصبه» إلا أنه «من الصعب تخيل انتهاء دور الرجل البالغ التأثير والنفوذ والذي كان الشخص الأساسي في الاستثمارات القطرية في الخارج» وبالتالي «قد يبقي له دوراً في الكواليس».
«فرانس برس»