من المؤسف جداً أن يقف أي عامل أو موظف وقفة تأمل وتفكير، في لحظة يسترجع فيها تاريخه العملي والمهني بعد سنين من البذل والعطاء ليرى أنه أضاع عمره على سراب، فعادة مطلوب منه كعامل أو موظف في بداية حياته العملية أن يجد ويجتهد ليثبت أنه على قدر المسؤولية والكفاءة المطلوبة، ثم وبعد سنين بسيطة يطلب منه أن يثبت نفسه لينال أول ترقية- إن حصلت- يرفع من خلالها مستوى دخلة ولو كانت ستزيد من راتبه الشيء القليل. ثم يطلب منــه أن يقف ويقيم نفسه وينطلق من جديد ليقع بين الأمرين، الأول أنه يجب أن يثبت بأنه كان كفؤا للترقية التي حصل عليها أما الآخر أنه يجب أن يبدأ بالعمل للحصول علـى الترقيـــة الجديـــدة، وهكـــذا دواليك نرى الموظفين والعمال في سباق مستمر للجري على السلم الوظيفي الطويل المليء بالعقبات والوقفات والتأخيرات التي شأنها أن تحبط من عزمهم وتنال من همتهم.
علـــى المستــــوى العملــــي، فإن الانجازات التي ترتجى من هؤلاء العمال والموظفين لا تكاد تذكر، والسبب واضح للجميع بأن العامل يفني حياته العملية بين الجري وراء الترقية والتحضير لأخرى أو إشغال نفسه في من سيحصل على تلك الترقية ومدى كفاءتة وسمعته أو نسبه من المسؤول أو المدير، و«واسطته»، إن هذا النوع من التفكير قد حرم عديدا من القطاعات من الفكر الإبداعي والتطوير الذاتي، والأفكار العلمية والعملية المميزة والتي من المفترض أن تأتي من الموظف نفسه وتكون هي المحرك الفعلي له والمحفز الحقيقي للحصول أي ترقية أو مكافئة وان لم يحصل عليها، يبقى شعوره بأنه طور من نظام أو غير في طريقة عمل للأفضل، أو أضاف إلى مجال عمله ما سيبقى يذكر له على مر التاريخ. ربما لا استطيع إن ألقي باللوم على الموظف أو العامل نفسه فقط، لأن أسباب الإحباط التي تحيط به لا تعد ولا تحصى، فالظلم والتمييز والواسطة قد قتلت كل فكر إبداعي وأنهت كل تفاؤل موجود ورغبة في أي تطوير أو تحديث قد يفكر فيها الموظف أو يجد في عقله مساحة لها.
لذلــك فـــإن أســـاس كل مكافأة أوترقية أو ترفيع في السلم الوظيفي يجب أن تبنى وتعطى على أساس الإنجاز والتطوير لا على أساس «الفهلوة»، و«الباليس»، على أساس حب العمل والتجديد لا على أساس النسب والشكل واللون، على أساس مقدار العطاء والتفكير لا على أساس الكذب والتزوير.
ولا يمكن الاكتفاء بالترقية أو المكافئة المادية فقط، بل يجب علينا النظر بشكل لا يقل أهمية للمكافئة المعنوية أيضا، فكم من مبدع ومفكر ومطور انتظر تكريما وتقديرا معنويا كان بالنسبة له أهم من أي تكريم مادي قد يأتي بعد ذل و إهانه. فقد تكفي العامل أو الموظف اليوم كلمة شكراً وتكون تأثيرها في نفسيته أكبر وأعمق من وعود بترقية أو مكافئة أو أفضل بكثير من كلمة أو جملة «عاد أثبت نفسك أنت بس وما عليك».
علي إبراهيم الصباغ
نائب رئيس النقابة المستقلة لعمال أسري