كتب ـ وليد صبري:
الإجهاض كلمة تثير قلق كل متزوجة، لأنه يعني فقدان جنين لم تقدر له الحياة، وللإجهاض المتكرر أسبابه منها الهرمونية والتشريحية أو الخلقية أو الوراثية أو المتعلقة بالبيئة أو العدوى أو الإصابة بالسكري أو زيادة تجلط الدم، أو ربما تكون هناك أسباب مناعية وراء حدوثه.
ومن الأسباب الهرمونية الشائعة المؤدية للإجهاض المتكرر، تعدد تكيس المبايض نتيجة تخصيب بويضة غير سليمة، ويلعب هرمون البروجيستيرون دوراً مهماً في هذه العملية، باعتباره المسؤول عن تثبيت الحمل في الأسابيع العشرة الأولى وقبل تكون المشيمة، ونقص الهرمون يعد سبباً مباشراً لحدوث الإجهاض المتكرر.
ويؤدي الخلل بعمل الغدة الدرقية إلى قلة نسبة الهرمون الدرقي في الجسم، مسبباً أيضاً الإجهاض المتكرر، ويعتمد علاج الأسباب الهرمونية أولاً على التشخيص السليم، عبر تحليل الدم ومعرفة نسب الهرمونات المختلفة فيه، وتحديد خطة العلاج لضبط المستويات الهرمونية في الجسم لمنع الإجهاض.
الأسباب وسبل الوقاية
يقول استشاري أمراض النساء والتوليد والعقم أحمد التاجي إن «الإجهاض المتكرر يحدث على الأقل 3 مرات متتالية وتلقائية».
ويضيف «حمل سليم يستلزم وجود تجويف رحمي سليم، والأسباب التشريحية الخلقية المؤدية للإجهاض المتكرر تعني وجود تشوه في تجويف الرحم، ويحدث هذا التشوه نتيجة وجود عيوب خلقية في الرحم، كأن يوجد حاجز يقسم التجويف الرحمي، أو وجود ورم ليفي داخل تجويف الرحم، وفي حالات قليلة ربما تكون الحامل لديها التصاقات داخل تجويف الرحم».
ويرى التاجي أن تشخيص هذه الأسباب يتم عن طريق أشعة الموجات فوق الصوتية، خاصة الأشعة ثلاثية الأبعاد باعتبارها طفرة طبية في وسائل التشخيص، لأنها تتيح للطبيب تصوير الرحم من كل الجهات، لافتاً إلى أن علاج مثل هذه الحالات يتم باستخدام المنظار الجراحي الرحمي، واستئصال الورم الليفي والالتصاقات، وقياس قطر عنق الرحم، فإذا ثبت أنه أوسع يتم إجراء عملية تطويق لعنق الرحم وتكرارها مع كل حمل منعاً للإجهاض وفقد الجنين.
بيئية ووراثية
الإجهاض المتكرر له علاقة وثيقة بالبيئة المحيطة بالحامل، وصحة الجنين في آن واحد، فالتدخين مثلاً يؤثر سلباً على الحمل وحدوث الإجهاض المتكرر، وكذلك استنشاق الحامل المواد الكيميائية كالمبيدات الحشرية يعرضها للإجهاض المتكرر.
وأشار التاجي إلى أن «العامل الوراثي له دور رئيس في إجهاض الحامل، وغالباً ما يكون تأثير هذا العامل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وأحياناً يظهر التأثير خلال الأيام الأولى بعد انقطاع الدورة الشهرية، فلا تستطيع السيدة معرفة ما إذا كانت تعاني من الإجهاض أو تأخر بسيط في الدورة، ويتضح عامل الوراثة عندما يكون هناك عيب في التركيبة الوراثية كأن يحدث خلل في عدد الصبغيات الوراثية أو ما يعرف بالكروموسومات أو في تركيبها، وهذا العيب الوراثي يقضي على الجنين مبكراً».
الصبغة الوراثية
من جهته أوضح استشاري أمراض النساء والعقم د.حسام الشنوفي أن «المقصود بالخلل الوراثي هو الأب أو الأم، فأحدهما أو كلاهما رغم تمتعه بصحة جيدة، إلا أنه قد يحمل صبغة وراثية «كروموسوم» فيها خلل، وعندما ينتقل هذا العيب الوراثي إلى الجنين من خلال البويضة والحيوان المنوي يكون تأثيره مختلفاً في الجنين، حيث يؤدي إلى توقف نموه، وفي حالات قليلة قد يكون العيب غير موجود لدى الأب أو الأم، إلا أنه يحدث بصورة عرضية أثناء تلقيح البويضة وتكون الجنين».
وكإجراء استباقي يستطيع الطبيب إجراء فحص للصبغات الوراثية لدى الأب والأم لمعرفة مدى إمكانية نقلهما لصفة وراثية معيبة، والأهم من ذلك فحص نتائج الإجهاض للتأكد من وجود سبب وراثي في الجنين غير المكتمل لتأكيد التشخيص، ورغم أنه لا يوجد علاج لتغيير الصبغة الوراثية عند أي إنسان، لأننا نولد بصبغات وراثية معينة ولكن أمكن بالتقنيات الحديثة إجراء عملية تلقيح مجهري باستخدام البويضة والحيوانات المنوية الخاصة بالأم والأب وبعد إجراء التلقيح خارج الجسم، يتم أخذ عينة من كل بويضة ملقحة، وفحصها للتأكد من خلوها من أي خلل وراثي، وبهذا تزيد فرصة الحمل الآمن، وتطبق هذه التقنية منذ عدة سنوات، وحققت نجاحات كبيرة حسب د.الشنوفي.
العدوى
وفيما يتعلق بأسباب العدوى ودورها في حدوث الإجهاض المتكرر حدد د.الشنوفي أمثلة «التعرض لعدوى حادة لفيروس الهربس أو الحصبة الألمانية، وفي مثل هذه الحالات يتم البحث عن الأجسام المضادة لهذه الفيروسات، وأخرى مضادة للتوكسوبلازما من خلال فحص الدم معملياً لتحديد العلاج المناسب».
وأثبتت دراسات علمية أن «ثمة ميكروبات مهبلية وراء حدوث الإجهاض ويتم تشخيصها بعمل مسحة مهبلية، وعندما يتأكد الطبيب من وجود الميكروب يجب إعطاء المريض المضاد الحيوي المناسب».
وفي حالات مرضية ليست قليلة قد يكون الجهاز المناعي متهماً في حدوث إجهاض الحمل عن طريق إنتاج أمراض مضادة تهاجم خلايا الأوردة الدموية لدى الأم، حيث تزيد هذه الأجسام تجلط الدم وانسداد أوردة المشيمة فيحدث الإجهاض في الشهور الوسطى من الحمل، وتعالج هذه الحالات بإعطاء المريضة أسبرين كعقار يذيب الجلطات طوال فترة الحمل، كما يمكن إعطاؤها الكورتيزون حتى يقل إنتاج الأجسام المضادة.
ويحدث عندما يكون الأب والأم أقرباء، ولديهما نفس فصيلة الأنسجة، أن يقرر الطبيب استخدام العلاج المناعي، أي حث الجهاز المناعي للأم لتكوين أجسام مضادة تمنع مهاجمة جهازها المناعي لجنينها عن طريق حقن كرات دم بيضاء من زوجها في جسدها على فترات متتالية أو إعطاء المريضة جرعات متتالية من الأجسام المناعية.
وينصح أطباء ومختصون بوجوب إجراء فحوصات قبل الزواج لمعرفة مشكلات يمكن أن تظهر فيما بعد، فبعض الحالات يكون لديها استعداد للإصابة بالتهابات أثناء الحمل، أو تكون مصابة بالسكري، ما يستدعي خضوعها للعلاج لضبط نسبة السكري في الدم قبل الزواج، وقبل وأثناء الحمل، حتى لا تتعرض المريضة للإجهاض المتكرر.