^ الرأي العام يتحدث حالياً عن التنازلات التي تقدمها الدولة تلو الأخرى ضمن إجراءاتها لإنهاء تداعيات الأزمة التي عصفت بالبلاد منذ العام الماضي، ولا أعتقد أن هناك من حاول توضيح أو تعريف التنازلات حتى نتعرف ما إذا كان هذا المفهوم أيضاً خدعة تم تسويقها على الرأي العام وانخدع بها. التنازلات التي يتحدث عنها الرأي العام تشمل معظم الإجراءات التي اتخذتها الدولة في سياق المصالحة الوطنية منذ انتهاء حالة السلامة الوطنية، وتدشين تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، وبعدها اللجنة التي قامت بمتابعة توصياتها. من أمثلة هذه التنازلات إعادة المفصولين إلى وظائفهم، وكذلك الحال بالنسبة لتدشين صندوق التسوية المدنية، أو حتى تشمل إجراءات السلطة القضائية التي تتعلق بإحالة بعض القضايا المرتبطة بالأزمة إلى محاكم أخرى غير تلك المحاكم التي نظرت فيها، أو حتى تأجيل بعض المحاكمات. كل هذه المظاهر تعتبر لدى الرأي العام السني تحديداً الآن تنازلات قدمتها الدولة لصالح من قاد حركة المقاومة المدنية في البلاد بهدف إسقاط النظام. فهل هي فعلاً تنازلات؟ وما هي التنازلات التي نقصدها هنا؟ التنازلات تكون في الصراع السياسي عندما يقوم أحد أطراف الصراع بالتنازل عن ثوابته ومطالباته بشكل أقل من السقف الذي قدمه في المرة الأولى. وفي ضوء هذا التعريف فهل الإجراءات التي اتخذتها الدولة تعتبر تنازلاً؟ لا أعتقد ذلك، لأن كافة هذه الخطوات لا تتجاوز الإجراءات في إطار المصالحة الوطنية، وبالتالي ليست تنازلاً. أي عندما تقرر الدولة إرجاع كافة المفصولين الذين تم فصلهم بشكل غير قانوني، فإنها لم تتنازل عن ثوابتها البتة، وبالتالي لا يمكن بأي شكل من الأشكال إطلاق صفة التنازل عن إجراءات الدولة. بالمقابل إذا قامت الدولة بالتنازل عن أحد ثوابتها الوطنية، كما هو الحال بالنسبة عن دستور مملكة البحرين 2002، فإنه حينها يعتبر ذلك تنازلاً. قضية مهمة ترتبط بالموضوع التنازلات هل هي نوع واحد أم هي عدة أنواع؟ بمعنى هل هناك تنازلات سياسية وتنازلات اجتماعية أو اقتصادية. بالمفهوم الذي طرحناه هنا فإنها بلا شك يمكن أن تكون تنازلات في مختلف المجالات. أما فيما يتعلق بالطرف الذي يفترض أن يقدم التنازلات فإنها ليست الدولة، وإنما أطراف الصراع السياسي الأخرى.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}