^ حينما قلنا إن على قوى ما تعرف (بالمعارضة)، وهي الوفاق ومن هم في ركبها، أن تعي أن الشارع لم يعد بيدها وحدها، كنا نقصد أن عليها أن تنتبه لضرورة العودة للعمل السياسي من خلال أطره الرسمية المعروفة، سواء المتمثلة في المبادرات العديدة التي تقدمها الدولة (الحوار الوطني - اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق - لجنة تنفيذ التوصيات وغيرها) أو من خلال تقديمها لمبادرات حقيقية تلامس واقع البلاد وتكون قابلة للتنفيذ، لكن أياً من ذلك لم يحدث، لا الوفاق تعاملت بمسؤولية وإيجابية مع ما يطرح من مبادرات ولا هي قدمت بدائل واقعية ولا تركت الشارع!! ولابد أن نؤكد أننا لسنا ضد أي شكل من أشكال حرية التعبير، لكن بعد عام من المسيرات والتظاهرات وحتى التخريب والمواجهات اليومية (للعلم يا وفاق هذه لا تندرج في إطار حرية التعبير) أصبح لا بديل من التوجه للعمل السياسي لحل هذه الأزمة بدلاً من استخدام الشارع فقط لتأكيد وجودها. كنا ننتظر تحركاً كهذا بعدما استلم جلالة الملك تقرير اللجنة الوطنية المعنية بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، وما اتضح خلاله من مساعي حثيثة توجت بنقاط واضحة لخطوات عمل اللجنة، ما تحقق منها وما هو في طور التنفيذ إضافة إلى تلك التوصيات التي تحتاج مراحل زمنية ومتابعة بعيدة المدى، انتظرنا وتوقعنا -بتحفظ- أن نرى ردة فعل من الوفاق باتجاه تحليل واقعي إيجابي لما ورد في التقرير، لا نقول من باب التضخيم ولا تهويل النتائج، لكن من باب الإنصاف وتقدير ما تحقق ووضع الملاحظات على مواطن البطء أو التقصير في التنفيذ، خصوصاً أن النقاط كثيرة وتشمل نواحي عديدة بعضها ولا شك أكثر تعقيداً وحساسية من الآخر، وقد يكون لديها ملاحظات على تنفيذ بعض النقاط وهذا حقها، أما أن تعمد الوفاق من خلال بياناتها وأعضائها على تصغير مجمل ما تحقق فهذا ببساطة يدل على غرور سياسي وعناد وإصرار على استمرار الأزمة. الواضح أن الوفاق أرادت إيصال رسالة مفادها أنها مازالت غير متجاوبة مع كل تلك الخطوات، وإلا فبماذا نفسر خروجها في عشر مسيرات يوم الجمعة الماضية، ومهما كان عددها صغيراً كما اتضح لاحقاً (بعضها لم يتجاوز عشرات الصبية) إلا أنها في بلد بحجم البحرين ومع معرفة الناس أن كثيراً منها سيتحول في نهاية الأمر إلى ممارسات غير قانونية وتخريب ومواجهات، فإنها تتحول لعملية حصار للمواطنين وتضييق عليهم ومنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية بشكل سلس في نهاية الأسبوع، التي يحتاج الإنسان بعدها لفسحة تعيد له التوازن والصحة النفسية، لكن الوفاق تريد ذلك وهي تعتقد أنها تلعب على هذا الوتر الحساس وعلى عامل الوقت (استمرار الأزمة وبقاء الحال على ما هو عليه من الانفلات والاستقرار وبالتالي التوجس والقلق الدائم من شيء قادم) يجعل البلاد -كما تسعى- رهينة بعمليات المد والجزر التي تتلاعب هي بتوقيتاتها وأماكنها، فنجدها مثلاً تزيد وتيرة (التخريب - والمسيرات) في المناسبات الوطنية أو السياحية أو عند استضافة أي حدث عالمي. لكن الوفاق إن كانت مازالت تراهن على هذه الاستراتيجية في انتظار اللحظة التي قد يتعب فيها الجميع (الدولة وباقي مكونات الشعب) فإنها تراهن على حصان يبدو مريضاً ومسناً، فقد قلنا سابقاً إن الشارع لم يعد بيدها هي وحدها، وبالتالي فإن لعبة التحشيد والتحشيد المضاد قد تستمر طويلاً، ولأنه طريق في الاتجاه غير الصحيح فلن يصل إلى أي وجهة!! كما إن من الحكمة السياسية أن تعي أن استعداءها لباقي مكونات المجتمع الذي ينظر إليها اليوم بكثير من الحنق والريبة لن يصب في مصلحتها أبداً حتى فيما تحاول أن تقوم به من ضغوطات أو مفاوضات مع الدولة، فكما تعمد هي للتقليل من أي خطوة تقوم بها الدولة باتجاه الحل فإن الشارع الآخر يرى في المقابل أن الدولة تقدم كثيراً من التنازلات غير المستحقة للوفاق وأتباعها، وموقفه هذا بناء على ما يراه من رفضها لأي من خطوات الحل، واستمرار عدد من الممارسات المرفوضة وعلى رأسها التخريب والمواجهات مع قوى الأمن وتشويه صورة البحرين في الخارج، وعليه فإن هذا الشارع (باقي مكونات المجتمع) لن يسكت على أي تنازلات تقدمها الدولة، ولن تستطيع الدولة من جهتها أن تتجاوز موقفه ورأيه الذي أصبح رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه. كما إن على الوفاق أن تعد العدة لليوم الذي ستضطر فيه للتفاوض والجلوس على طاولة الحوار طال أمد ذلك أو قصر، فكيف ستقنع شارعها الذي تملأ رأسه كل يوم بالخطابات والبيانات التي تجعله يعتقد ألا تنازل وصموووود ولا تراجع ولا حوار ولا نقاش ولا نفس!! أم أنها تعلم أن هذا الشارع تستطيع أن تضغط على زره في خطبة جمعة واحدة مجلجلة فينسى كل شيء ويصدق أي شيء!!