كتب - أمين صالح:
الأفلام المنتجة في دول الخليج لاتزال -تاريخياً- في طور النشوء والتكون، ولا يمكن القول إن هناك سينما خليجية ملتحمة عضوياً، لها ملامح فكرية وفنية وجمالية واضحة وملموسة، أو توحدها سمات معينة أو ملامح خاصة أو شخصية متفردة تميزها عن السينما في أقطار عربية أخرى.. لا من حيث الأشكال والأساليب، ولا المضامين المطروحة، حتى البيئة، أو جغرافية المكان، لا تبدو مميزة وفريدة.
لهذا السبب أكرر تحفظي على مصطلح «السينما الخليجية» الشائع الاستخدام، فالمصطلح غير دقيق لا فنياً ولا جغرافياً، لدينا فحسب محاولات وتجارب فردية، متباينة المستوى والقيمة، طرحت نفسها في فترة قصيرة زمنياً.
من خلال متابعتي المتواضعة لمختلف التجارب السينمائية الخليجية، لا أستطيع أن أحدد سمات معينة تميز هذه السينما، عن بقية المناطق الأخرى، وربما يدفعني هذا الاستنتاج للتساؤل عن مدى أهمية أو ضرورة توفر سمات معينة لسينما محلية؟ هل معرفة السمات مفيدة نقدياً؟ وهل يمكن أن توجد سمات خاصة توحد تجارب هي في جوهرها متنوعة ومتباينة بالضرورة؟ وهل يعنينا فعلاً أن نجد التمايز بين تجربة وأخرى؟ ما الجدوى؟ ما المعنى؟ ما الذي نكسبه من هذا التحديد؟
أميل شخصياً إلى مشاهدة أي فيلم، بصرف النظر عن مصدره، كنتاج إبداعي إنساني كوني، وأرى إلى أي حد أتفاعل معه، وأتحاور معه، ويؤثر في عاطفياً وفكرياً، ويعمق أفكاري ورؤاي، من غير التفات إلى جنسيته ولغته ومنبعه، كل فيلم له كينونته الخاصة، طرائقه الخاصة، تأويلاته الخاصة، وله حياته المستقلة، ولا نقدر أن نجمع الأفلام تحت بطاقة تعريفية واحدة.
أنتجت دول الخليج منذ السبعينيات وحتى الآن عدداً قليلاً جداً من الأفلام الدرامية الطويلة، أما الأفلام القصيرة فكانت تنتج بناءً على توفر الميزانية، التي هي ضئيلة بطبيعة الحال، وفي بعض الحالات، حسب الأمزجة والأهواء الشخصية، وفي فترات متباعدة وبوسائل متواضعة إن لم نقل فقيرة، وهذه التجارب لم تتزايد وتنتعش إلا منذ سنوات قليلة.
فنياً الأفلام المنتجة في دول الخليج -في معظمها- لا ترق إلى مستوى الأفلام الفنية التي نحلم بها أو نطمح إليها، في تناغم الرؤية العميقة مع الواقع والحياة، مع الأبعاد الجمالية التي تحققها عناصر فنية بارعة وواعية.
لدينا محاولات فردية، بجهود ذاتية طموحة وتكاليف بسيطة، هنا وهناك، استطاعت أن تجد لها موقعاً في مهرجانات عربية ودولية، لكنها لم تستطع أن تؤسس لحركة سينمائية قادرة أن تفرض نفسها على الواقع، وأن تخلق كوادر فنية مؤهلة بامتياز لتحقيق الأفلام بجودة فنية عالية، وأن تستقطب التمويل اللازم سواء من الحكومات أو القطاع الخاص لدعم هذه الفعالية أو حتى الاستثمار في هذا المجال.
هذا لا يعني أن تلك المحاولات ساذجة وبدائية ولا قيمة لها، بالنظر إلى كل محاولة كحالة مستقلة، كفيلم قائم بالعناصر الفنية المتاحة والإمكانات المادية المتواضعة، يتحتم علينا القول إنها محاولات شجاعة، جريئة، جديرة بالثناء والإعجاب، وفنياً هي لا تخلو من ومضات والتماعات ملفتة، قدمها سينمائيون شغوفون بالفعل السينمائي ويستحقون التقدير والاحترام.
من هنا أرى أن من الخطأ التكلم، حتى هذه اللحظة، عن «صناعة سينمائية» بالمعنى الحقيقي، فالصناعة تقتضي توفر رأس المال والتمويل والاستثمار، وتتطلب توفر آليات وخطط سليمة للإنتاج المنتظم، الثابت والوافر، إلى جانب وجود ستوديوهات بكل ما تحتويه من أجهزة وفنيين وتقنيين، إضافة إلى المعامل والكوادر الفنية المحترفة في مختلف المجالات العاملة في إنجاز الأفلام، وكذلك وجود شبكات توزيع وما شابه.
إذاً لنكن أكثر تواضعاً ونتحدث عن محاولات أو تجارب سينمائية يخوض غمارها أفراد طموحون، بجهود فردية وبتكاليف بسيطة، وأحياناً بدعم معقول من جهات معينة، كما في الإمارات، تهمها -حضارياً وثقافياً وإبداعياً- أن تكون هناك سينما، مثلما لدينا مسرح وفن تشكيلي وأدب.
منذ عشر سنوات تقريباً، شهدت بعض أقطار الخليج طفرة في إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية، وهذا ما لاحظناه بجلاء من خلال مشاركات المخرجين الشباب في المسابقات والمهرجانات، حيث شاهدنا العشرات من الأفلام القصيرة ذات المستويات المتباينة فنياً وتقنياً، المتنوعة في موضوعاتها، والمتفاوتة بين الجودة والضعف، العمق والسطحية، الجدة والاستسهال.
لكن بوسعنا رؤية أن هناك توجهاً جاداً، نشطاً، ومكثفاً، لدى مجموعات سينمائية في دول الخليج لتحقيق أفلام قصيرة، وطويلة أيضاً، قابلة لأن تفرض حضورها عربياً.. وربما في أوساط المهرجانات الدولية. من المؤكد أن الطفرات التي نشهدها في إنتاج الأفلام هي نتاج المسابقات المحلية والخليجية، حيث إن هذه المسابقات، بجوائزها المتواضعة واستقطابها للأقلام النقدية العربية الرصينة، تخلق مناخاً حيوياً للتفاعل والحوار، وتشكل دوافع وحوافز تشجع السينمائيين على الإنتاج والمشاركة بحماسة في الفعاليات المختلفة.
في البحرين، تكفل مسرح الصواري، بإمكاناته المتواضعة، ومن غير دعم من المؤسسات العامة والخاصة، بتنظيم عدد من المسابقات «المتعثرة»، التي لم تستمر بانتظام، لكنها مع ذلك نجحت في اجتذاب عدد لا بأس به من الشباب الذين قدموا أفلامهم الطموحة، غير أن العديد من هؤلاء أصابهم اليأس وكفوا عن الإنتاج نتيجة تعثر المسابقة ثم توقفها، رغم دخول نادي السينما كمشارك في تنظيم الفعالية.