^ كانت أحد أهم مقادير طبخة «الانقلاب» ناقصة منذ البداية، وذلك حينما كانوا يريدون بيان ما يحصل في البحرين على أنه حراك شعبي يضم مختلف مكونات المجتمع، في حين أن مشكلتهم كانت بأن سنة البحرين لم يكونوا أبداً مع هذا المخطط. كان استغلالهم لعناصر محسوبة على جمعيات تابعة لهم باعتبارها سنية المذهب عملية مبتذلة فقط للقول بأن هناك من السنة من يريد إسقاط النظام، من يقف معهم، ما يعني -لو تمعّنا في المسألة بصورة أدق- أن هناك من الشارع السني من يريد «ولاية الفقيه». حتى لو خرج أحدهم اليوم من جمعية مثل «وعد» ليقول إنه من الاستحالة قبولهم بحكم ولاية الفقيه، أو التخندق المذهبي لطائفة معينة، أو نظام تتحكم فيه أوامر طهران، إلا أن ذلك لن يكون سوى صراخ في الفراغ، فحين تكتمل الطبخة ويتحقق حلم اختطاف البحرين لن يكون هناك وزن أو اعتبار لصوت معتدل هنا، أو صوت غير طائفي هناك، بل الليبراليون هم سيكونون القربان الذي سيضحى به في بداية الأمر. هل تساءلتم لماذا كان أمين عام حزب الله البحريني دائماً يوجه خطاباته العاطفية للشارع السني؟! لماذا كان دائماً يقول لهم «أحبتي السنة»؟! لماذا كان يمد يده ويقول لهم «نحن نمد أيدينا لكم فمدوها لنا»؟! الفكرة ليست في الاستعطاف فقط، بل الفكرة أكبر من ذلك، إذ ما حصل في البحرين بات واضحاً بأنه لا يمت للربيع العربي بأي صلة، إذ هو حراك طائفي عنصري لم تشترك فيه جميع مكونات المجتمع، بل حشدت له قوى سياسية قائمة على الطائفية والتخندق المذهبي، هي لا تعترف أصلاً بشارع آخر وبمكونات أخرى. لكن حينما نتحدث إلى الخارج هنا تختلف اللغة، هنا يكون التمسك بمحاولات إقحام الشارع السني في القضية بمثابة الدليل على أن ما ادعوه بـ«الثورة» هي بمثابة ثورة شعب بأكمله بمختلف طوائفه، ما يعني أن التغيير المطلوب هو «إرادة جامعة للشعب». عندما برز تجمع الفاتح كتكتل يضم الوطنيين المخلصين للبحرين الرافضين لإسقاط نظامها، وتمثلت غالبية مكوناته من الشارع السني، كان ذلك بمثابة المشكلة التي واجهت من كان يحسب خمسة أو عشرة أو حتى مائة (إن وجد أصلاً هذا العدد الأخير) من الأفراد موالين له من المذهب السني كممثلين للشارع السني برمته. وعليه، الفكرة الحالية تقوم على عملية استعطاف الشارع السني، عبر اللعب على جراحاته المشتركة مع بقية المواطنين، إذ حتى في المكونات غير الانقلابية هناك معاناة من مشاكل معيشية عديدة، هناك تذمر من الفساد المستشري في قطاعات بالدولة، هناك استياء من أزمة الإسكان والغلاء وغيرها. بالتالي التعويل اليوم على دفع الشارع السني لينفلت في خطابه الموجه للدولة، وليصل إلى مرحلة تقوده لـ«الكفر» بالإجراءات المتخذة لحماية البحرين وفق نظرة أشمل وأعم لا تقف عند جزئيات بإمكانها أن تكلف كثيراً لو لم يتم التعامل مع المسألة بطريقة صحيحة وذكية تبين للمجتمع الدولي الحقيقة الصرفة لما يحصل بداخل البحرين. هذه مسألة مهمة على المخلصين أن ينتبهوا لها، الانقلابيون بعد فشل محاولتهم، تغيرت استراتيجيتهم، فبدلاً من الاستمرار في تركيز المواجهات والمصادمات بينهم وبين الدولة وتحديداً أجهزتها المناط بها الحفاظ على الأمن، التعويل الآن على إدخال طرف جديد في مواجهة الدولة. استغلال المشاعر والمزاج العاطفي للشارع السني اليوم هي الثغرة التي يسعون للدخول منها، لا من خلال الخطاب المباشر، لكن عبر اللعب على معطيات الأمور اليوم على الأرض، بإبراز أي تحرك من النظام وأي مبادرة من الدولة على أنها انتقاص في حق المخلصين وقفز على مطالبهم. الحذر اليوم من السقوط في مستنقع تحفره العواطف والانفعالات، فالخسارة ستكون أكثر من الربح، الخسارة ستكون خسارة نظام قادر على تأمين دعائم دولة مدنية تضمن جميع الأطياف والمكونات لصالح كيان «مسخ» تتحكم فيه فئة واحدة حراكها يتضرر منه المختلفون معها مذهبياً وحتى المتفقون معها مذهبياً سيتضررون لو خالفوها سياسياً، ولكم في جارات الشمال مثال. خلاصة القول، من قال أحبتي السنة، لا يريد حبكم، بل يريد استغلالكم إعلامياً، مثلما استغل المنساقين وراءه ليقول كاذباً بأن جميع السنة والشيعة في البحرين هم من يطالبون بإسقاط النظام.