يعمل أبوعلي، وهو سائق سيارة أجرة في دمشق، حصراً من أجل أن «يأكل ويشرب وينام فحسب»، شأنه شأن الملايين من السوريين الذين تراجع مستوى معيشتهم وانعدمت قدرتهم الشرائية بسبب النزاع المتواصل في بلادهم منذ أكثر من عامين.
ويقول هذا الأب لخمسة أطفال الذي باتت مشترياته تقتصر على الحاجات الضرورية، إن مدخوله يكفي بالكاد «لسد رمق عائلته»، مشيراً إلى انعدام إمكانيته لتخصيص مصاريف إضافية.
ويتحسر أبوعلي قائلاً «نعيش على أقل ما يمكن».
ويواجه السكان الذي ليس بيدهم حيلة الهوة التي تزداد اتساعاً بين المردود والمصاريف.
ويقول المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير النشرة الاقتصادية سيريا ريبورت جهاد يازجي لوكالة فرانس برس «إن الحرب أفقرت الغالبية العظمى من السوريين وادت إلى انخفاض كبير في قدرتهم الشرائية».
ويبدي سليم، وهو موظف في القطاع العام، أسفه لأن الأجر الذي يتقاضاه في نهاية كل شهر، والبالغ 15 ألف ليرة سورية (75 دولاراً) «لم يعد يساوي شيئا»، يكاد يكفي لتوفير حاجاته الغذائية.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية بنحو 200-300% بحسب الإعلام الرسمي، كما بلغ حجم التضخم 55,2% في ديسمبر 2012.
ويشعر السوريون بالإرباك حيال السقوط الكبير لسعر صرف عملتهم المحلية التي خسرت ثلاثة أرباع قيمتها مقارنة مع الفترة التي سبقت اندلاع الاحتجاجات ضد النظام منتصف مارس 2011.
وارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي في الأسواق من 50 ليرة في مارس 2011، إلى أكثر من 200 ليرة حالياً.
ويقول مصطفى الذي أصابه الإحباط ويعمل في أحد محال بيع الألعاب «عملتنا لم يعد لها قيمة».
وأعلنت الحكومة السورية مرات عدة رفع سعر المحروقات، ما «أثر بقوة» على ارتفاع الأسعار التي بلغت حداً غير مسبوق.
وقام مصطفى بشراء الأرز والسكر والزيت تحضيراً لشهر رمضان الذي يبدأ الأسبوع المقبل «قبل أن ترتفع الأسعار من جديد».
ولا تنفك الأسعار عن الارتفاع كل يوم «وفق ارتفاع سعر صرف الدولار»، بحسب إحدى ربات البيوت التي اشترت دجاجة بسعر 1300 ليرة (6,5 دولارات)، بينما كانت تبتاعها قبل أشهر قليلة بسعر 250 ليرة. ويروي عمر «مغامراته» اليومية أمام كشك بيع الخبز وسط دمشق، واضطراره لـ»التوقف في طابور طويل لشراء ربطة من الخبز الرديء».
ويشير جهاد يازجي إلى أن «تردي الوضع الاقتصادي يتم على مراحل منذ عامين».
ويسوء الوضع شهراً بعد شهر حيث فقد العديدون وظائفهم وبخاصة في المناطق التي شهدت أعمال عنف أودت بحياة 100 ألف شخص منذ مارس 2011 بحسب إحدى المنظمات الحقوقية.
كما نالت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والبلاد العربية والاتحاد الأوروبي على سوريا للضغط على النظام السوري، من مستوى معيشة السوريين.
ويعتبر يازجي أن الانهيار المفاجئ لسعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الاسبوع الماضي «أتى نتيجة لتصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتعلقة برغبته بتسليح المعارضة».
ودقت منظمة الأمم المتحدة الثلاثاء ناقوس الخطر بعدما أجرت تقييما في سبع محافظات سورية. وقال برنامج الأغذية العالمي أن السوريين الذين يعانون من النزاع الدائر في بلادهم يضطرون إلى خفض كمية الأطعمة الأساسية التي يتناولونها لتوفير المال، أو انهم يلجؤون إلى التسول
أو دفع أطفالهم للعمل لتجاوز معاناتهم بسبب تقهقر مستوى معيشتهم.
ويشير الاستطلاع الذي شمل قرابة 105 عائلات، أن 9% من الأشخاص لجؤوا إلى التسول في شهري أبريل ومايو، مقارنة مع 5% في مارس.
كما لجأ الناس إلى استراتيجية بديلة تقضي بالتحول إلى الأغذية الأقل جودة، أي بمعنى شراء الأطعمة غير الطازجة وخفض استهلاك اللحوم والبيض ومنتجات الألبان.
ويؤكد الخبراء أن تأثير الأزمة على الاقتصاد كان ضخماً.
كما انعدمت تقريباً الاستثمارات والسياحة وانخفضت عائدات النفط التي كانت تشكل مورداً مهماً للعملة الصعبة بنحو 95%، كما تراجعت التجارة الخارجية في العام 2012 بنحو 100%.
وقدر البنك الدولي تراجع الناتج المحلي السوري في العام 2012 بنحو 30%، متوقعاً انخفاضاً إضافياً بنحو 10% في عام 2013.