افتتح رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة أول أمس جامع عسكر بعد إعادة إعماره وتوسعته من قبل المجلس، تنفيذاً لأمر جلالة الملك المفدى بكلفة فاقت مليوناً و64 ألف دينار.
ورفع سموه تهانيه إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بهذه المناسبة، معرباً عن اعتزازه الكبير بإنجاز المشروع وافتتاحه أمام المصلين قبل شهر رمضان المبارك.
ونوه سموه بالرعاية الملكية السامية لمشروعات إعمار بيوت الله، ومنها مشروعات إعمار الجوامع التي يضطلع بها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ويخصص لها موازنات سنوية.
وأكد سموه في تصريح عقب افتتاحه جامع عسكر، أن الجوامع تضطلع بدور كبير في حفظ الهوية الإسلامية والعربية في البلاد، لافتاً إلى أن البحرين ومن خلال مؤسساتها الرسمية وبتوجيهات من قيادتها الرشيدة ماضية في رعاية دور العبادة بالإعمار والترميم والدعم لتؤدي دورها الرائد والمهم.
وافتتح سموه جامع عسكر بحضور أعضاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ووزير شؤون البلديات والزراعة د.جمعة الكعبي، ومحافظ الجنوبية الشيخ عبدالله بن راشد آل خليفة، ورئيس مجلس الأوقاف السنية الشيخ سلمان بن عيسى آل خليفة، ورئيس مجلس الأوقاف الجعفرية حسين العلوي، والنائب خميس الرميحي، وعضو المجلس البلدي عن المنطقة ناصر المنصوري، وعدد من علماء الدين والمسؤولين في الدولة، ووجهاء المنطقة وأهلها، وكان الحفل بدأ بآيات من الذكر الحكيم تلاها المقرئ ناصر يوسف جناحي.
وبارك رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لأهالي عسكر افتتاح جامعهم، داعياً الله أن يوفق أهالي قرية عسكر.
وأعرب سموه عن شكره وتقديره لجلالة الملك المفدى على أمره بإعادة إعمار جامع عسكر، وشكر جميع من أسهم في نجاح المشروع.
من جهته عبر عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ د.راشد الهاجري عن شكره لجلالة الملك المفدى على أمره السامي بإعادة إعمار جامع عسكر، وشكر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، مباركاً لأهالي عسكر افتتاح جامعهم.
ولفت إلى أن «المساجد بيوت الله، فيها يعبد ويوحد، وفيها يعظم ويمجد، وفيها يركع لله ويسجد»، مؤكداً أن المساجد «أحب البلاد وأطهر البقاع إلى الله».
وأضاف «دأبت هذه البلاد ومنذ القدم على هذا النهج المتوارث في إعمار بيوت الله والعناية بها سيراً على نهج نبيها في مشروعه الأول ببناء مسجده الشريف، حينما بدأ ببناء دولة الإسلام في المدينة».
وأردف «كذا سار قادة هذه البلاد ومنذ القدم على العناية ببيوت الله إعماراً وصيانة ورفعة حتى صارت منارة للعلم والعطاء، وحاضناً للتربية والنماء، يدفعهم طلب الأجر والثواب من الله، وتأسياً برسول الله».
وفي كلمة الأهالي رفع أحمد البوعينين أسمى آيات الشكر والامتنان والعرفان لجلالة الملك المفدى على أمره السامي بإعمار هذا الجامع المبارك، مؤكداً أن «هذه اللفتة الكريمة ليست بغريبة على عاهل البلاد المفدى، إذ أن جلالته والحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وبدعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس الوزراء، طالما عهدنا منهم الاهتمام الكبير والدعم السخي لمشروعات الخير وعمارة بيوت الله تعالى».
ونوه بتنفيذ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لهذا الأمر الملكي السامي، لافتاً إلى أن الجوامع والمساجد منذ القدم كانت ومازالت شاهداً على ثقافة أهل البحرين الطيبين، ومناراً لنشر العلوم والأخلاق والقيم النبيلة، وتأصيل الأخوة والمحبة والألفة بين أبناء المسلمين جميعاً، ما بوأها إلى جانب مكانتها الدينية مكانة اجتماعية وثقافية عظمى.
وتفقد سمو الشيخ عبدالله بن خالد الجامع في ختام الحفل.
دخلت البحرين الإسلام برسالة كتبها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى حاكم البحرين آنذاك، واختار أهلها هذا الدين العظيم طواعية، إيماناً منهم وتصديقاً، ومنذ ذلك الحين والشواهد الإسلامية تتوالى لتصوغ حضارة إسلامية ضاربة الجذور في أعماق التاريخ الإسلامي لهذه الجزيرة الوادعة.
واشتهرت البحرين منذ بزوغ فجر الإسلام فيها بانتشار الشواهد الإسلامية والملتقيات والفعاليات الدينية، وانتشرت العلوم وكثر العلماء.
وبفضل انتشار العلم والعلماء والقيم الإسلامية، اختطت البحرين طريقها في بناء حضارتها وهويتها الإسلامية، فأنشأت المعاهد والحوزات العلمية، وانتشرت الجوامع والمساجد والمآتم، وبرع المهندسون في فنون الزخرفة الإسلامية والخطوط العربية، فلم يعد يخلو أي شارع من شوارع البحرين من شواهد على حضارتها الإسلامية التليدة.
وحرص حكام البحرين وروادها على صون هذه الحضارة وترسيخها في النفوس، فاهتموا منذ القدم بدور العبادة بالإنشاء والترميم والصيانة والدعم، وتولوا رعاية المنارات العلمية، وأنشأوا عدداً من الجهات الرسمية وغير الرسمية لرعاية تلك الثقافة ومؤسساتها، وبرعوا في فنون العمارة الإسلامية الكاشفة عن هويتهم، فانتشرت في أوساطهم المساجد والجوامع لتكون رافداً أصيلاً للقيم السماوية، والثقافة الإسلامية ألقت بظلالها على عاداتهم وتقاليدهم وطباعهم، ما بوأها مكاناً علياً في الخارطة الإسلامية، وأكسب أهلها سمعة ذائعة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وجعلها مقصد الوفاد والطلاب والزائرين.
وفي العهد الزاهر لجلالة الملك المفدى زادت تلك الرعاية والدعم من خلال المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، فاضطلع المجلس بدور حيوي ومهم في صون الواقع الإسلامي وتكريس قيم الإسلام ورعاية دور العبادة، فيما أقر المجلس خطة سنوية لإعمار الجوامع ورعايتها.
وتوالت الجوامع التي اضطلع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإعادة إعمارها وتجهيزها بما يضاعف دورها المهم والحيوي في البلاد، بالتعاون مع إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية، ومنها جامع المغفور له الشيخ علي بن خليفة بن سلمان وجامع مؤمن بالمنامة، وجامع الشيخ حمد بالمحرق، وجامع مدينة عيسى الجنوبي الشرقي، وجامع جدحفص، وجامع مدينة عيسى الجنوبي الغربي، وجامع سترة، وجامع صلاح الدين بالرفاع الشرقي، وجامع رأس رمان، وأسهم في بناء وترميم عدد آخر من الجوامع منها جامع الفاضل بالمنامة، وجامع الخيف بسماهيج.
وانطلاقاً من تلك الرسالة العظيمة، وتنفيذاً للأمر الملكي السامي لجلالة الملك، يأتي افتتاح جامع عسكر بعد إعادة إعماره وتوسعته، ويعد هذا المشروع أحد المشروعات الكبيرة التي نفذها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
ويقع جامع عسكر على مساحة تقدر بـ1746 متراً مربعاً، ويتسع لأكثر من 1300 مصل، واستغرقت مدة تنفيذه 25 شهراً بكلفة قدرها مليون و64 ألف دينار.
ويطل الجامع على البحر في إطلالة فريدة تعكس صورة حية للبحرين من حيث الحضارة والجغرافيا المميزة، وزاوج البناء الجديد للجامع بين الهندسة المعمارية الإسلامية والاحتياجات العصرية، ليكون تحفة معمارية تنضم إلى شواهد الحضارة الإسلامية في البحرين ومعالمها.
ويضم الجامع ثلاث قاعات للصلاة ومصلى للنساء وثلاث ميضآت، إلى جانب دورات مياه للرجال والنساء، ومجلس استقبال للمناسبات مع المرافق التابعة، ومركز لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم مكون من ثلاثة فصول ومكتب للإدارة، وسكن للإمام وآخر للمؤذن، وتعلو الجامع منارة يصل ارتفاعها إلى 36 متراً، وزود بمجموعة من الخدمات كتوصيلات الهاتف وشبكة الإنترنت والتلفزة.
وروعيت في المشروع وسائل السلامة ومكافحة الحريق وترشيد الطاقة والماء، عبر سلسلة من الإجراءات الفنية والهندسية بمراعاة نوعية مواد البناء المستخدمة وتركيب أجهزة الكشف عن الحريق ومكافحته، ووسائل ترشيد الكهرباء والماء.
ويعود تاريخ جامع عسكر إلى نحو 170 سنة حين بناه المؤسس المرحوم شاهين بن طوق بن سالم البوعينين، وأمه عدد من أبرز العلماء أمثال جاسم المهزع وعبدالواحد إسماعيل ومحمد سعيد العازمي وجاسم الزبيري وعبدالله بن إبراهيم بوخماس البوعينين، وعدد من رجال الدين من فارس والإحساء.
وتوالى على رفع الأذان فيه عدد من المؤذنين المعروفين، ومنهم سعيد بن طوق البوعينين، ومحمد بن زايد (أبو زايد)، وأحمد بن إسماعيل البنغدير.
ورمم الجامع باستمرار على يد المؤسس وابنه محمد بن شاهين وعدد من المحسنين من تجار المنامة، حتى جاء أمر جلالة الملك المفدى بإعادة إعماره وتوسعته، واضطلع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتنفيذ هذا الأمر السامي لنراه اليوم أمامنا صرحاً شامخاً يحكي تاريخاً عريقاً للبحرين وأهلها الطيبين، ليضاف إلى منارات إسلامية بحرينية طالما كانت أماناً من الجهل، ورافداً للخير، ومنجى من الفرقة.