كتبت - ياسمين صلاح:
«حياك الله يا رمضان.. يابو القرع والبيديان».. هكذا كان الأطفال يستقبلون شهر رمضان المبارك أيام زمان، وهم يقرعون الطبول ويرددون الأهازيج الرمضانية، وتتحول في تلك الأيام البيوت الشعبية لما يشبه الـ»مصنع صغير أو المشغل»، لتجهيز المواد الغذائية المستخدمة في رمضان، مما يستدعي تجمع أعداد كبيرة من نساء «الفريج» في بيت واحد.
وتأتي متعة ونكهة شهر رمضان الحقيقية خلال ذلك الزمان باحتفالات «دق الحب» و«صفار الجدور»، ويهل هلال رمضان علينا سنوياً حاملاً معه السعادة والأمل، فيستعد الجميع لاستقبال هذا الضيف العزيز من شراء مواد غذائية أو أدوات منزلية. ومع تغير الأزمنة، يبقى أجدادنا قديماً هم مصدر التراث والاحتفال الحقيقي بحلول شهر رمضان المبارك.
العمل الجماعي
عنوان رمضان زمان
قال الباحث في التراث الشعبي إبراهيم سند، لـ»الوطن»، عن العادات والتقاليد الشعبية البحرينية قديماً استعداداً لاستقبال شهر رمضان، «كانوا قديماً يشترون المواد الغذائية «خام» من الأسواق، ثم يعيدون تصنيعها في المنزل، تحضيرات الأمهات والجدات قديماً لرمضان كانت تمتد من شهرين إلى ثلاثة أشهر قبل حلوله. بعكس الوضع الراهن حيث أصبح الأشخاص يشترون المستلزمات كاملة جاهزة من الأسواق مما لا يستدعي أي تحضير أو إعادة تصنيع لها، معتمدين فقط على «قدرتهم الشرائية» لشراء كل مستلزمات رمضان التي باتت معلبة ومستوردة من بلدان أخرى بدلاً من أن تكون محلية ومنزلية الصنع».
وأشار إبراهيم سند إلى أن البيوت الشعبية قديماً كانت تتحول قبل شهر رمضان لما يشبه الـ»مصنع الصغير أو المشغل»، حيث تقوم النساء فيه بتصنيع المواد الغذائية المستخدمة في رمضان، مما يستدعي تجمع أعداد كبيرة من النساء في بيت واحد، فيجتمع الجيران والأصدقاء والأهل سوياً في المنازل لتحضير الأطعمة، وهنا تأتي متعة ونكهة شهر رمضان الحقيقية، الأمر الذي نفتقر إليه في يومنا هذا نظراً لتوفر جميع المنتوجات الغذائية في الأسواق مما ينعكس سلباً أيضا على صحة الأطعمة.
وأضاف «كان العمل الجماعي قديماً هو العنوان الرئيس لحلول رمضان، مما جعل أجدادنا يكتسبون الـ»صبر»وهذه هي الحكمة من شهر رمضان، فكان الشعور بالتعب والمشقة جراء تحضيرات رمضان بوابة للتعاون والتواصل مع الآخرين داخل الـ«فريج»».
«صفار الجدور» و«دق الحب»
وبعيداً عن التحضيرات للمواد الغذائية لشهر رمضان قديماً، يقول إبراهيم سند «كانت هناك أيضاً استعدادات منزلية لاستقباله، حيث يجتهد كل منزل في الحي لتحضير المجالس، وخاصة مجالس تلاوة القرآن الكريم، إلى جانب شراء أواني منزلية جديدة سواء أواني طهي أم تقديم الطعام، وكانوا يقومون بـ«تصفير» أوانيهم القديمة، أي تبييضها وإعادة صقلها، وكانت تتم عملية تصفير الأواني باستدعاء شخص يسمى «صفار الجدور» ينظفها من العوالق والشوائب، كان الـ«صفار» يحفر حفرة في كل «فريج»، يوقد فيها النار، وينفخ في النار باستخدام الـ«كير» أي المنفاخ، مستخدماً مواد التنظيف لتصفيرها، فكانت هذه العملية هي احتفال كبير تشارك فيه كل عائلات الحي بجلب أوانيهم القديمة لتصفيرها استعداداً للشهر الكريم».
وأضاف «كما كانوا قديماً يقيمون احتفالاً آخر يسمى «دق الحب»، أي طحن حبات الهريس، فكانت بعض الأسر المقتدرة تجلب فرقة شعبية كاملة تقوم بعملية دق الحب داخل حوش المنزل، ويقومون برقصة دق الحب باستخدام الـ«منحاز» وهي آلة يدق بداخلها حب الهريس».
وأشار سند إلى جمال الاستبشار بقرب حلول رمضان واحتفال الأطفال به، حيث نجدهم يهرعون لتجهيز الطبول الصغيرة لأداء أغاني استقبال رمضان، فكانوا يعدون هذه الطبول من علب الصفيح المبطنة بالأكياس ومادة النشا، وبعد الانتهاء من تجهيزها يخرج الأطفال من جميع الأحياء مجتمعين على ترديد الأهزوجة الرمضانية «حياك الله يا رمضان.. يابو القرع والبيديان»، وخص الأطفال بالذكر القرع والبيديان في أغانيهم لأنهما من أكثر المواد النباتية استخداماً في إعداد «صالونة الثريد» وهي أكلة تراثية. ففي ظل غياب وسائل الاتصال الحديثة، كان الناس يستبشرون بقدوم شهر رمضان من سماع دوي غناء الأطفال وقرع طبولهم في الأحياء».
أوانٍ للهريس
والـ«سفرية» لـ«عجيلي»
وعن سبب غياب هذه العادات الجميلة في يومنا هذا، يقول الباحث إبراهيم سند إن لكل وقت وعصر عاداته وتقاليده، فالعادات التراثية لا تموت ولكن تجدد من نفسها، ففي السابق كانت عاداتهم القديمة غير المعقدة ناتجة عن حاجتهم لها «الحاجة أم الاختراع»، فحاجتهم هي التي دفعتهم للتفكير في اختراع هذه الوسائل البسيطة والاستفادة منها، فنحن لا ندعي الرجوع للماضي ولكن ندعو للتفاعل مع الماضي رغم كل المتغيرات. شهر رمضان هو دعوة للعمل والنشاط والجد والاجتهاد، وليس للخمول والكسل والإسراف في تناول الأطعمة والحلويات كما هو الحال الآن، لا يجب أن ننسى قيمة رمضان الحقيقية وهي الصبر والتفكير في الآخرين ومشاركتهم الفرحة بحلول هذا الشهر الكريم والتواصل مع العائلة والجيران والأصدقاء.
وتعود بنا أيضاً شيخة محمد إلى الزمن الجميل، لتحكي لنا عن طرق استعدادها قديماً لاستقبال رمضان، فتقول: «كنا نغسل حبات الأرز ونضعها في الشمس لتجفيفها، استعداداً لصنع المحلبية، وكنا نشتري أواني إعداد الهريس والـ«سفرية» لصنع الـ «عجيلي» أي الكيك، والـ«صاجو» أي الحلوى. وكنا نعد حبات الهريس بغسلها وطحنها، كما اعتدنا على طحن حبات القهوة وقليها في المقلاة القديمة.
وتوافقها عفاف حسني الرأي بقولها: «استعدادات رمضان قديماً كانت لها نكهة خاصة، فلقد اعتدنا شراء المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية وتحضيرها قبيل حلول هلال رمضان بفترة طويلة، من تحميص حبات القهوة أو حشو شرائح السمبوسة وغيرها من العادات التي نفتقرها في يومنا الحالي».