كعادتها في كل عام تستقطب المجالس الرمضانية في مملكة البحرين خلال شهر رمضان الكريم شرائح عديدة من أبناء الوطن والمقيمين حيث تكتظ هذه المجالس بهم وعلى اختلاف طبقاتهم ومشاربهم. وهذه المجلس التي سن عادتها الأجداد لازالت تحظى باهتمام كبير من الآباء والأبناء لأنها تجمع بين قلوب أبناء الوطن وتعزز اللحمة الوطنية. من هذا المنطلق يؤكد أصحاب المجالس البحرينية أن هذه المجالس أصبحت اليوم متنفس للديمقراطية لما يطرح فيها من قضايا تهم الوطن والموطن، مشيرين إلى أن التعاطي مع الأحداث التي تشهدها الساحات المحلية والخليجية والعربية خصوصاً السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية والأمور المعيشية هي من أبرز القضايا التي تطرح في هذه المجالس كل عام، مؤكدين على دورها في تعزيز اللحمة الوطنية وتوثيق الصلات بين أفراد المجتمع وتجسيد قيم التواصل والتآلف بين أبناء الوطن.
يقول إبراهيم كمال من (مجلس أبناء المرحوم إبراهيم حسن كمال) إن المجالس تعتبر حضارة بحرينية اجتماعية قائمة منذ القدم، ووسيلة من وسائل الحوار المفتوح المباشر بين مختلف أفراد المجتمع، فينعكس هذا الحوار على الأداء العام للمجتمع، وبالتالي يصبح هناك رضاء عن أداء النفس حيث تخلق هذه المجالس حالة نفسية رائعة لأنها تعتبر مخرج من مخارج التخلص من المشاكل والهموم اليومية، فنفرج عن همومنا في هذه المجالس التي نقوم خلالها كذلك بشد أزر الآخرين ونصبح عضداء لبعضنا البعض فنتجاوب مع هموم الآخرين إلى أن نجد لها الحلول المناسبة.
ويضيف: تعتبر المجالس إثراء للحياة الاجتماعية في البحرين على جميع المستويات كالسياسية والاقتصادية والأدبية والاجتماعية وهكذا تتواصل الأجيال مع بعضها البعض. ونحرص جميعاً كبحرينيين خلال هذا الشهر الفضيل على فعل الخير وتقديم الدعم والمساندة للمحتاجين فالدال على الخير كفاعله، ونعكف حالياً على دراسة إنشاء بنك للإطعام لتفطير الصائمين وتوفير المواد الغذائية للأسر المحتاجة، مستعينين بذلك بالتجربة المصرية في هذا المجال.
ويتابع كمال: في المجالس أيضاً الفرصة بالالتقاء بفئات عديده من الناس ككبار السن وأصحاب الخبرات والمختصين في مختلف المجالات، فيثرون الحضور بالمعلومات وأهم الأحداث ويعقبون على اهم الملاحظات والاحتياجات، وهو ما نحرص عليه بأن يكون المجلس ذا أهمية وفائدة يستفيد منه الجميع ، فهو مكان للم الشمل وتقوية الروابط واللحمة الوطنية ، هذا بالإضافة إلى مزاولة بعض الأنشطة التجارية والاجتماعية والتثقيفية، داعياً الشباب إلى المشاركة في المجالس للتعرف على الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وهمومهم وكل ما يسهم في رفعة مملكتنا الغالية، اقتداء بعاهل البلاد المفدى ورئيس الوزراء وولي العهد.
موروث تمسك به الأجداد
من جانبه يؤكد عثمان شريف من (مجلس عثمان شريف) أن هذه المجالس موروث قديم توارثناها من آبائنا وأجدادنا فهي تخلق نوع من الترابط المجتمعي فيما بين الأفراد في مختلف المناطق، وقد أصبحت تلعب دورا رئيسيا ومهما في تجسيد روح الوحدة الوطنية من خلال التعبير عن المحبة والولاء إلى عاهل البلاد المفدى ورئيس الوزراء وولي العهد، حيث يتم تبادل وجهات النظر في كل ما يتعلق بالمصلحة الوطنية ، ويشير إلى أن هذه المجالس لها العديد من الجوانب الإيجابية وهي من الأسباب الرئيسة في خلق الترابط والألفة بين كافة أطياف المجتمع البحريني.
ويضيف شريف أن المجالس الرمضانية تتفاوت من منطقة لأخرى فمنها الأسبوعية ومنها اليومية، أما في رمضان فإنها تزداد وتصبح شبه يومياً، فهي مجالس خير وبركة، فيتواصل المواطنين والمقيمين في هذا الشهر الفضيل لتبادل التهاني بمناسبة حلوله، فنترقب بفارغ الصبر الالتقاء بإخواننا وزملائنا وأصدقائنا لكي نتحاور ونتطرق إلى كل ما يهمنا.
ويؤكد أن هذه المجالس تمثل قيمة إضافية عندما تحضرها شخصيات من أصحاب القرار كالمسؤولين سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، حيث يعتبر وجودهم أمراً إيجابياً في إيصال صوت المواطن للمسؤول مباشرة حتى يقوم هو بدوره باتخاذ ما يلزم حيال ذلك معتبراً المجلس قناة من قنوات التواصل بين كافة أطياف المجتمع، وهو ما يحرص عليه
عاهل البلاد المفدى ورئيس الوزراء وولي العهد من تقوية الروابط الأخوية بين المواطنين وتشجيع فتح المجالس توطيداً للروح الوطنية.
إعادة اللحمة الاجتماعية
ومن جهته يقول علي المسلم من (مجلس المسلم) إن هذه المجالس تشكل أهمية بالغة في إعادة اللحمة الاجتماعية فيما بين أفراد المجتمع الذين شغلتهم الدنيا بأعمالهم، وهي فرصة للالتقاء بالأصحاب والأهل والجيران في مكان واحد لتبادل الأحاديث وأهم الأخبار والفعاليات سواء كانت المحلية أو العالمية، كما إنها فرصة لا تعوض عندما تفتح المجالس في شهر رمضان المبارك الذي يحضن الجميع تحت سقف واحد فيتم خلالها القيام بأعمال الخير ومزاولة وتداول الأحاديث والمواضيع التي تخص العباد والبلاد.
ونوه المسلم بمناقب الأمير الراحل صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه الذي كان يجمع المواطنين في مجلسه كل أسبوع ليطمئن على أحوالهم واحتياجاتهم ويتبادل معهم وجهات النظر في كل ما يتعلق بمصالح الوطن والمواطن.
ويعتبر المسلم المجلس كالبوتقة التي تصب فيها مصالح الحياة الاجتماعية البحرينية فتسهم في زيادة التلاحم الأخوي بين أفراد المجتمع، وتقوم بدورها
في حل المشاكل التي قد يتعرض لها المواطنين من خلال تبادل الآراء والنصائح، مؤكداً أن هذه المجالس سواء في القرية أو المدينة لها تاريخ عريق، فهناك كبير العائلة يتجمع عنده الناس لتشكو حالها وتتباحث في أمور دينها ودنياها فأصبحت بمثابة المدرسة التي تنقل الثقافة والعادات والتقاليد إلى أبنائنا لكي يستلموا الراية من بعدنا.
ويقول عبدالكريم السكران من مجلس (بيت السكران): توارثنا نحن البحرينيون من آبائنا وأجدادنا أهمية التواصل والتلاحم والتعاون لأن ذلك جزء أصيل من ديننا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، فنجتمع في مجالسنا لتقوية هذا التلاحم، ومناقشة أمور الدين والدنيا وكل ما هو مستجد على الساحة، فنقرأ القرآن في شهر رمضان المبارك، ونجتمع لمساعدة الفقراء والمحتاجين حتى يعم الخير على الجميع، ويأتينا في مجالسنا العديد من الزوار سواء من المنطقة أو من المحافظات الأخرى وحتى من الدول الشقيقة والصديقة، متمنياً استمرار المجالس لتستقطب أبناءنا وأصدقاءنا.
بدوره يعتبر عبدالعزيز بوزبون من (مجلس بوزبون) المجالس البحرينية من أهم وسائل التواصل وتقوية الروابط فيما بين مختلف فئات المجتمع فمن خلالها نتواصل ونتحاور وتتبادل الآراء والأفكار التي تصب في المصلحة الوطنية مما يسهم في زيادة التماسك الاجتماعي وكل ما فيه خير وصالح الوطن والمواطن والمقيم ، ونقوم خلال الشهر الفضيل بأحياء العادات والتقاليد الرمضانية كطبخ الأكلات الرمضانية المعروفة. وخلال رمضان نحتفل بأهم مظاهره كالقرقاعون والوداع والغبقات، كما نتباحث مع أهالي المنطقة ممن لديهم أية ملاحظات أو مشاكل لنساعده سواء معنوياً أو مادياً، هذا بالإضافة إلى إصلاح بين الأشخاص في حال وجود أية خلافات فيما بينهم.
مدارس تزخر بالمعرفة
ومن ناحيته يقول أحمد عقاب من مجلس (عقاب) إن المجالس الرمضانية تعتبر مدارس تزخر بكثرة انتشارها في كافة المناطق وفي محافظة المحرق خاصة، نظراً لما لها من خصوصية وترابط بين أهلها وتمسكها بعاداتها وتقاليدها الأصيلة. وهي موجودة على مدار طول السنة، إلا أنها تنشط بشهر رمضان الفضيل لتقارب الناس وتلاحمهم وترابطهم فيما بينهم.
ويضيف أن هذه المجالس كانت في السابق تعلم وتربي المجتمع، وهي التي اليوم تؤدي دورها في المجتمع، فتقوم بتعليم الأبناء من المهد إلى اللحد «المعرفة»، وتثقفهم من الناحية التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والنفسية والفكرية والعلمية والطبية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخلاق والوسيلة والفضيلة والكرم والنبل والشهامة، وغرس حب المبادرة والتعاون والإنجاز والتفاني لأجل مجتمع طيب. وقد أصبحت المجالس عادة لأفراد المجتمع إلا أنها أصبحت من ضمن برامجها اليومية أو الأسبوعية, وهو ما شجع كل فرد فيهم أن يجعل من بيته أو بيت أبيه مقر لهذه المجالس، وتكون أوقات هذه المجالس عادة إما صباحاً أو مساءً وخاصة لأنها مرتبطة في أوقات أصحاب المجلس أو من يلازمها لطبيعة عملهم.
ويوضح عقاب أن المجالس تقوم بتأدية دورها المطلوب من صقل الفرد وخدمة المجتمع في شتى مجالاتها، وتقوم على تأصير الترابط والمودة بين أفرادها، الرجال في مجالس السابق لم يكونوا ينظرون إلى العرق أو الانتماء الطائفي، فهي قائمة على الطيبة، لكنها في وقتنا الحالي لم تعد هي نفسها مجالس الأمس، فلم تعد تؤدي ما كان مطلوباً منها بالأمس من تأديب وتربية وثقيف وتعليم، بل أصبحت مغرمة بلعب ألعاب الكمبيوتر ومشاهدة التلفاز ولعب الورق .. وغيرها من أمور، فلم تعد تنفع الجيل الحالي بل ضيعته وحجمته، وكسرت مبادئ المجالس السابقة. وأيضاً لم تعد تهتم بالجانب التربوي والأخلاقي وهذه مشكلة كبيرة ومؤلمة ، تصل في أعلى درجاتها إلى خطر التقلب السريع، والتقلب السريع يعني تغير قيم المجتمع بشكل سريع وكبير.
ويؤكد عقاب على أهمية مجالسة كبار السن لأنهم خبرة علمية وعملية للأبناء، لكن المشكلة هنا وفى وقتنا الحاضر لم يعد هناك مجالسه للكبار وحتى للآباء أيضا وأصبحت الأجهزة الذكية والإنترنت والتقنية الحديثة هي مجالسة كل فئات المجتمع، حتى إنك تصادف أحدهم وقد بلغ العقد الثالث من العمر وهو يجهل الكثير من الأعراف والأسلاف حتى وإذا اجتمع الكبار والصغار بوقت محدود جداً فإن الصغار لا يتقبلون معلومات آبائهم وأجدادهم.
وشدد عقاب على أهمية دعم هذه المجالس التي لا تزال تؤدي دورها إلى اليوم في تعلم كل شيء ابتداءً من التربية وانتهاءً بالمعرفة بعلوم المجتمع وما يسود فيه وما احتواه وطواه التاريخ بما يتناسب والمجتمع نفسه، حكاياته وبطولات أفراده، وغرس الخير والفضيلة في النفوس.