قبل 18 سنة أنتجت مصر فيلماً غنياً بالتوقعات السياسية، إلى درجة أنه شرح وتنبأ بتفاصيل ما يحدث الآن في البلاد، ما هو نادر في الدولة الحديثة، حيث انتهت الحال برموز النظام ومعهم رموز المعارضة نزلاء في سجن واحد.
ونقلاً عن العربية نت، كتب كمال قبيسي أنه في «طيور الظلام» الذي يبدأ بعبارة «هذا الفيلم خيال سينمائي بحت.. وأي تشابه بين الخيال والواقع يكون مجرد صدفة» يرينا مخرجه شريف عرفة وكاتب السيناريو وحيد حامد صورة عن «الإخوان» انتهازية بدور الممثل رياض الخولي، مقابل دور عادل إمام كرمز للحزب الوطني الحاكم، حيث ينتقل الاثنان إلى واقع لا يعد يقبلهما فيه أحد، لا فكراً ولا سلوكاً، وهو ما تعيشه مصر الحائرة الآن بينهما كنقيضين كل منهما يريدها على هواه.
ثلاثة أصدقاء
إنها قصة 3 أصدقاء منذ الطفولة، أصبحوا فيما بعد محامين: فتحي نوفل «عادل إمام»، يتحول من صاحب موقف إلى انتهازي قافز على سلالم الفرص المتنوعة، أهمها المالية، ليصبح مدير مكتب أحد الوزراء النافذين بالحزب الوطني الحاكم، فيغنم ويصبح شهيراً بعد أن كان يجهد ليحصل على لقمة العيش، أو «غير ذلك» من المتع.
الثاني هو المحامي علي الزناتي «رياض الخولي»، اللاعب دور محامي الإسلاميين الشهير، منتصر الزيات، وهو في «طيور الظلام» من جماعة دينية متطرفة يجهد لتجنيد عادل إمام وجذبه للجماعة، حتى أنه يشترك معه ويساعده في الكثير من الأعمال. أما الثالث فهو محسن، الذي يقوم بدوره الممثل أحمد راتب، وهو رمز واضح في الفيلم للشعب المصري، أو قسمه الأكبر، أي الصامت المتفرج على الحلبة والبعيد عن الصراع الدائر بين الحكومة والمتطرفين. «يا واش يا واش يا مرجيحة»
إيحاءات مهمة
في الفيلم إيحاءات مهمة ومشاهد ترمز لواقع مصري يعاني من ازدواجية يعيشها، مما يأتيه من الإخوان ومن نقيضهم، ونسمع فيه المحامي الإخواني يعزف لحن أغنية «يا واش يا واش يا مرجيحة» وهما كلمتان تركيتان تعنيان «مهلاً.. مهلاً» والأغنية لحنها سيد درويش وكتب كلماتها صديقه القبطي «شاعر ثورة 1919» الراحل بديع خيري، لكنها ترمز في الفيلم إلى ما هو سوريالي يشعر به كل مشاهد وفق تحليله.
كما في الفيلم لقطة مهمة للزميلين المحاميين، هما يستعرضان في مقر المحكمة تفاصيل دعوى على مومس «الممثلة يسرا» وأمامهما يقف عامل يقدم القهوة لمن يرغب في المبنى وهو يستمع إليهما من دون أن يفقه شيئاً مما يقولانه، إلى أن ينتبه عادل إمام لوجوده فيبعده عن المكان، مطروداً.
وتلعب يسرا دوراً يبدأ بها كمومس ثم عاملة لدى عادل إمام وقافزة لاصطياد الفرص، حتى عمل على «ترقيتها» ليستعملها كواجهة، فجعلها امرأة أعمال ناجحة، ثم عشيقة للوزير رشدي «الممثل جميل راتب»، الذي يقتنع بفكرة يوحيها إليه ليتزوجها عرفياً. وتمضي وقائع الفيلم بالجميع لتصل إلى ما تم معه إلقاء القبض على المحامي فتحي وعلى صديقه وزميله الإخواني علي الزناتي، فيجمعهما سجن واحد من دون أن ينهي نزولهما فيه المواجهة بينهما، كما هو حاصل الآن تماماً.
في مركب واحد
وأروع تمثيل للواقع في «طيور الظلام» الذي أهدته أسرته «إلى الصديق والزميل عاطف الطيب» في إشارة إلى المخرج الذي توفي بعمر 48 سنة بعد عملية جراحية بالقلب خضع لها عام 1995 قبل أشهر من خروج الفيلم إلى الضوء، هي نهايته التي نقلتها «العربية.نت» من الفيلم وجعلتها في فيديو، ففيها نرى الصديق الثالث، المثالي وصاحب المواقف الممثل بالفيلم عن الشعب المصري، كما يجب أن نراه تماما.
نراه وقد انتهت به الحال جالساً في مقهى شعبي يقرأ في إحدى الصحف عما حل بزميليه من دون أن يتفوه بكلمة، لكن تركيز الكاميرا على وجهه مع الضوء والظل على المكان وهو ينفث دخان «الشيشة» بلا توقف، يوحي بما يجول في ذهنه من تساؤلات تنقله بالتأكيد إلى مدرجات المتفرجين على ما يجري.
وتنتقل النهاية إلى السجن، حيث رمز النظام ورمز المعارضة معاً، فنرى عادل إمام يتمشى بباحته كسواه من المساجين، وفيه يلتقي صدفة بزميله الإخواني، فيخبره وهما يقومان بتمرير كرة بقدميهما بأنهما في مركب واحد، وسيخرج قبله مما هو فيه، فيرد بأنه هو من سيخرج أولاً، ثم ينظران إلى الكرة، أداة اللعبة، فيركضان نحوها لقذفها، ويتعثران وهما يشتركان بتسديدها إلى خارج الباحة، فتمضي متطايرة وتصطدم بالبيت المصري، وتحطمه كما الزجاج تماماً. إذاً لم تكن ضربة عصفورين بحجر واحد هذا العام، فإن «طيور الظلام» المتوفر بكامله في «يوتيوب» يحقق لك الضربة بمشاهدة أحد أجمل الأفلام المصرية الحديثة، وبالتعرف في الوقت نفسه إلى ما «تنبأ» به قبل 18 سنة وأصبح واقعاً يألم به وله هذه الأيام قلب «أم الدنيا» الكبير.