بقلم - سارة مسيفر:
إن المتتبع لتطور وسائل الإعلام وتشعب أهدافه عبر العصور والأزمنة السابقة وصولاً إلى ما يعرف بعصر المعلوماتية وما تبعها من ثورة رقمية، يدرك إدراكاً يقيناً ما تمتلكه شتى هذه الوسائل من قدرة على التأثير والإقناع وتوجيه الرأي العام، إذ أصبح الإعلام بوجهيه التقليدي والإلكتروني اليوم عموداً أساسياً للعملية التنموية عموماً، وعنصراً متزايد الأهمية في التطوير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي على حد سواء، متجاوزاً كافة الحدود والحواجز المادية بين الأفراد والدول والقارات.
فقد عززت الوسائل الجديدة للإعلام من دورها في المجال السياسي، نظراً لكونها قد أتاحت أمام اللاعبين السياسيين وسيلة فائقة السرعة ومنخفضة التكاليف لنقل الخبر والمعلومة إلى أكبر شريحة ممكنة من الأفراد والجماعات. وقد تزامن مع هذا التطور البارز في الإعلام تطورات مشابهة في المجال السياسي وتحركات سياسية جماهيرية دفعت الدول والحكومات والأحزاب السياسية وغيرهم من المشتغلين في المعترك السياسي للجوء إلى مختلف الأساليب والأدوات الإعلامية والاتصالية من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها السياسية وتعميق مبادئها والترويج لأيديولوجياتها المتعددة.
وقد تمخض عن هذا التزاوج بين السياسة والإعلام نمط جديد من أنماط الإعلام وهو ما يعرف بمفهوم الإعلام السياسي، الذي تباينت تعريفاته بتعدد اجتهادات علماء السياسة والإعلام. فقد جاء تعريف سكدسون له بأنه «عملية نقل للرسالة بهدف التأثير على استخدام السلطة أو الترويج لها في المجتمع»، في حين اعتبره د.محمد البشر أنه «نشاط سياسي موجه يقوم به السياسيون أو الإعلاميون أو عامة الناس يعكس أهدافاً سياسية محددة تتعلق بقضايا البيئة السياسية، والتأثير في الحكومة أو الرأي العام أو الحياة الخاصة للأفراد والشعوب من خلال وسائل الاتصال». أما د.عدنان بومطيع فقد عرف الإعلام السياسي بأنه «عملية اتصالية بين طرفين القائم بالاتصال ومتلقي الاتصال، من أجل تحقيق هدف سياسي». ويضيف د.بومطيع إلى ذلك: «وتتداخل 3 أذرع أساسية في العملية الاتصالية السياسية، هي السلطة بأشكالها أولاً، والتنظيمات والقوى السياسية ثانياً، وأخيراً وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية»، لتكوّن بذلك ثالوث الإعلام السياسي. ويمكن إجمالاً تعريف الإعلام السياسي بأنه عبارة عن وسائل الاتصال التي تملكها، أو تحكمها، أو تديرها أو تؤثر عليها كيانات سياسية، تهدف بوجه أساسي إلى نشر مواقف ووجهات نظر الكيان السياسي المعني.
ونظراً لأهمية موضوع الإعلام السياسي الجمة، فقد تزايدت الدراسات في الآونة الأخيرة التي تناولت مختلف مواضيعه. ولعل أكثرها إثارة هو مدى تأثير الإعلام على الأداء التصويتي للناخبين. ففي دراسة ميدانية نشرها معمل عبداللطيف جميل للتطبيقات العملية لمكافحة الفقر بجامعة ماساشوستس للتكنولوجيا «MIT» في الولايات المتحدة الأمريكية حول تأثير الإعلام في الأداء التصويتي والرأي السياسي للناخبين، وجد الباحثون أن زيادة نسبة الأفراد المطلعين على الصحف والجرائد المحلية بصفة خاصة -بغض النظر عن طول فترة التعرض للصحف أو قصرها- أدت إلى زيادة واضحة في نسبة المشاركة الانتخابية للناخبين في الانتخابات المحلية التي أجريت في الفترة ذاتها في ولاية فرجينيا. إلا أن هذه الزيادة لم تعطِ أبداً أية دلالة على تحسن نوعية المعرفة الواقعية السياسية لدى هؤلاء الناخبين.
وتبعاً لذلك، تتضاعف أهمية الإعلام السياسي وتأثيره على السلوك الانتخابي للناخبين وخاصة الشباب منهم، فقد أشارت باحثة في مركز البحوث الاجتماعية «ISF» النرويجي إلى أن الحملات الانتخابية الإعلامية، لاسيما تلك الموجهة للشباب -على غرار حملة «صوتي» التي أطلقتها مؤخراً مجموعة من الصحف المحلية والشركات الإعلامية النرويجية والتي اشتملت على أدوات إعلامية تقليدية ورقمية وتطبيقات للهواتف الذكية- قد تكون فعالة للغاية في التأثير على الناخبين الشباب وتحريكهم. وفي هذا السياق، أوضحت الباحثة أن الحملات الانتخابية من هذا الطراز يمكنها كذلك أن تدفع بالقضايا الشبابية المهمة إلى مقدمة البرامج الانتخابية للمرشحين وتجعلها نصب أعينهم، إن تمكن الإعلاميون من خلق أجندات سياسية جذابة للناخبين الشباب.
إن الدراسات العلمية والخبرات العملية الحديثة تؤكد أن للإعلام السياسي تأثيراً لا يمكن الاستهانة به أو التقاضي عن دوره الجوهري في تعزيز عملية التنمية السياسية وتحريك الرأي العام وتمكين الفئات الأقل حظاً في التمثيل السياسي، وتحديداً في ما يتعلق بالمشاركة الانتخابية. ولربما كان من الأحرى بالمبادرات التنموية السياسية أو الحملات الانتخابية الالتفات إلى مثل هذه التجارب المشار إليها أعلاه وأخذها بعين الاعتبار لدى محاولتهم الوصول للناخبين لتوجيه سلوكهم التصويتي والدفع بهم للمشاركة الانتخابية الإيجابية.
باحث- قائم بأعمال رئيس وحدة المنظمات الدولية وحقوق الإنسان معهد البحرين للتنمية السياسية