كتب - محرر الشؤون السياسية:
قال ريتشارد جونسون في كتابه “مهزلة منظمة هيومن رايتس ووتش في رواندا” الذي يحكي تجربته في رواندا الصادر مؤخراً ازدواجية التعامل مع قضايا الإبادة، إن: “المنظمة تبنت الدفاع عن المشتبه فيهم في الإبادة الجماعية برواندا أمام المجتمع ورفضت تسليم المشتبه بهم إلى رواندا”.
وأضاف أن”هيومان رايتس، اقترحت محاكمتهم في المملكة المتحدة بتهمة القتل أو التعذيب، أو بتهمة جرائم الإبادة الجماعية إذا ارتضت بريطانيا تعديل قوانينها لجعل ذلك ممكنا ورفضت المنظمة الاستباق وعملت جاهدة على أن تستبعد مصطلح الإبادة الجماعية وحرصت على تقديم وتبني ادعاءات غير مدعمة بأدلة أو أدلتها ضعيفة تدعم العناصر الأساسية لاستراتيجية “ الاتهامات المعكوسة”.
وقال إن جهود هيومن رايتس ووتش في الدفاع عن المشتبه فيهم في الإبادة الجماعية حيال المجتمع الدولي داخل وخارج رواندا متفقة تماماً مع وجهة نظرها السلبية للغاية تجاه الحكم والعدالة في رواندا وغير متسقة مع أي التزام حقيقي لرؤية المزيد من المشتبه بهم في اقتراف الإبادة الجماعية في رواندا يحتجزون و يتعرضون للمساءلة.
وأضاف أن “هيومن رايتس ووتش، بدت نشطة للغاية كما بدا ذلك في تقريرها “القانون والواقع” لعام 2008 والإيجازات التي كانت تتلوها أمام المحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحاكم البريطانية، منادية بعدم نقل أو تسليم المجرمين إلى رواندا من قبل المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الوطنية متعللة بعدم حصولهم على محاكمات عادلة هناك”.
قتل الآلاف بالمقاطعات
وقال إن جهود المنظمة كانت ناجحة في البداية، ففي أواخر عام 2008 رفضت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا طلب المدعي العام بنقل المشتبه فيهم المدانين من قبل المحكمة الدولية إلى رواندا و في أوائل 2009 رفضت محكمة في المملكة المتحدة، سيراً على خطى المحكمة الدولية، الموافقة على طلب رواندي بتسليم المشتبه بهم الأربعة المتورطين في الإبادة الجماعية وفي أعمال القتل بالآلاف في المقاطعات الأربع التي كانت تدار من قبلهم واقترحت هيومان رايتس محاكمتهم في المملكة المتحدة على الأقل بتهمة القتل أو التعذيب، أو بتهمة جرائم الإبادة الجماعية إذا ارتضت بريطانيا تعديل قوانينها لجعل ذلك ممكنا وليس من المستغرب ألا يطبق المقترحان وأن ينعم المجرمون الأربعة بملاذ آمن في المملكة المتحدة.
واعتبر أن دعوة هيومن رايتس لعدم نقل أو تسليم المجرمين إلى رواندا عامل مؤثر في تلك القرارات ومن الجدير بالذكر المحكمة الدولية نفسها رفضت في الواقع التهم الثقيلة الموجهة من قبل النظام القضائي الرواندي والتي وردت في إيجازات هيومن رايتس ووتش المدافعة عن المتهمين معللة قرارها بأن المحاكم الرواندية غير مستقلة ولا محايدة ولا تحترم مبدأ افتراض البراءة مع إمكانية تعرض المتهمين لخطر التعذيب أو ظروف الاعتقال غير الإنسانية هناك ونفت أن تكون هناك أسباب أخرى وراء قرارها كوجود غموض بين قانونين روانديين بشأن ما إذا كان تنفيذ حكم السجن مدى الحياة عن جرائم الإبادة الجماعية يشمل عقوبة الحبس ألانفرادي وهو ما تعتبره المحكمة قاسياً وغير عادي أما المشاكل الأخرى هي احتمال عدم تأمين شهادة شهود الدفاع و تعرضهم للاعتقال في رواندا بتهمة الإبادة الجماعية أو إنكار التورط في الإبادة ألجماعية أو الإبادة الجماعية الأيديولوجية، أو فقدانهم لصفة “اللاجئ خارج رواندا” عند السفر إلى هناك.
نقل المتهمين
وقال: طرأ جديد منذ منتصف 2011 حيث وافقت المحكمة الدولية على نقل المتهمين إلى رواندا بعد أن قام النظام القضائي الرواندي بطمأنتها بخصوص معالجة الأمرين اللذين كانا محل قلق المحكمة الدولية في 2008 وتلت ذلك خطوات مماثلة من قبل العديد من المحاكم الوطنية في كندا وأوروبا وكذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي وافقت جميعها على تسليم المجرمين المشتبه بهم في الإبادة الجماعية إلى رواندا وجاء القرار بمثابة انتصار لحقوق الإنسان على الرغم من الاعتراضات الشديدة والمتجددة لهيومن رايتس ووتش عليه.
وأضاف أن “هيومن رايتس ووتش تعتبر إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 1994 بمثابة خطوة عملية على طريق الوفاء بالتزام المجتمع الدولي بمعاقبة المتورطين في الإبادة الجماعية عام 1994 وأنشئت المحكمة “ICTR” لمحاكة عدد قليل جداً من رواد الجريمة وذكرت أسماء 90 شخصاً لم يكن كلهم من الرؤوس الكبيرة ووعدت بمحاكمة سبعين منهم قبل إغلاقها، ونظراً لرأي هيومن رايتس ووتش بأن على المحكمة أن تأخذ زمام المبادرة في مسألة المشتبه بهم في الإبادة الجماعية في رواندا الذين حددت هوياتهم، فكان من المنطقي أن تعمل لهيومان رايتس ووتش على ضمان وضع المحكمة يديها على هؤلاء المشتبه فيهم. وعلى العكس من ذلك، لم تفعل هيومان رايتس ووتش شيئاً منذ 1995 للضغط على الدول المتنكرة لالتزاماتها القانونية بشأن تتبع وجلب المدانين من قبل المحكمة الدولية منهم 10 مازالوا طلقاء مثل رجل المال فيليسيان كابوغا المتورط في أعمال الإبادة الجماعية، الذي يعتقد أنه يختبئ في كينيا ويتمتع بحماية من السياسيين مثله مثل بروتايس مبيرانيا قائد الحرس الرئاسي المختبئ في زمبابوي”.
الضغط على فرنسا
وقال إن هيومان رايتس ووتش لم تفعل أي شيء للضغط على فرنسا لمتابعة التزامات فبراير من عام 2008 الخاصة بمحاكمة المتهمين الأب وينسيسلاس منياشياكه والحاكم السابق لمقاطعة جيكونغورو لوران بيسيبوراتا المدانين من قبل المحكمة الجنائية الدولية عام 2007 والمحالين على القضاء لفرنسي اللذين يقيمان في فرنسا منذ عام 1994 ودخلا وخرجا من الاعتقال في عامي 1995-2000 على التوالي - ولكن لم تحاول المنظمة الضغط على باريس قط على الرغم من التزام الأخيرة أمام المحكمة الدولية واللوم الذي وجهته لها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بسب تباطئها في النظر في قضية من منياشياكه.
وأضاف أن “هيومان رايتس ووتش لم تبخل عن كيل المديح للدول التي قامت باعتقال الأشخاص المطلوبين لدى المحكمة الدولية وفي الوقت الذي لا يمثل عدد المدانين من طرف المحكمة الدولية إلا جزءاً صغيراً جداً من إجمالي عدد الروانديين المتهمين بالإبادة الجماعية الذين مازالوا خارج رواندا وعلى رأسهم شخصيات مشهورة لعبت أدواراً مهمة في الإبادة الجماعية وتوجد الآن على الأراضي الفرنسية والبلجيكية والهولندية ولدى السلطات هناك عناوين إقاماتهم، لاسيما وأن الإنتربول قد أصدر إشعارات قبض ضد الغالبية منهم”.

وتابع أن “هيومن رايتس ووتش أعلنت بوضوح بأنها لا تريد تسليم المشتبه بهم إلى رواندا ولكن هل تريد المنظمة من البلدان المضيفة أن تلبي التزاماتها المنصوص عليها في اتفاقية منع الإبادة الجماعية عام 1948 من قبيل اعتقال ومحاكمة المشتبه بهم أنفسهم؟ إن المحاكمة الوحيدة التي ساعدت فيها هيومن رايتس ووتش وباركتها هي محاكمة وإدانة أربعة من المتورطين في الإبادة الجماعية الهاربين في بلجيكا في عام 2001. ومنذ ذلك الحين، لم تبذل المنظمة جهداً يذكر لا في الضغط باتجاه إجراء المزيد من المحاكمات ولا حتى باركت ما جرى منها بالمحاكم الوطنية”.
وأشار إلى أن “المنظمة لم تقم على الرغم من مواردها الضخمة نسبياً بالانضمام إلى منظمات أخرى أصغر منها لتتبع وتنبيه السلطات الوطنية إلى وجود العديد من المشتبه بهم في أعمال الإبادة الجماعية الذين يعيشون في ساحتها الخلفية في الولايات المتحدة، أو في البلدان التي لها بها مكاتب”.
مسؤولية المتواطئين
وأضاف أن هيومن رايتس أشارت عام 1999 إلى مسؤولية المتواطئين الأجانب مع أعمال الإبادة الجماعية: “على الأرجح، سيواجه قادة الجهات الخارجية الذين تقاعسوا عن العمل أو ساهموا في إطالة أمد ونطاق الكارثة الحكم فقط من التاريخ والرأي العام وفيما عدا الشكاوى الموجهة ضد وزراء سابقين مثل دالكوروا وكلايس في بلجيكا، لم يبذل أي جهد لتحميل صناع القرار المسؤولة الشخصية أو القانونية لرفضها وقف المذبحة. يجب أن يستمر الباحثون في سعيهم لتجاوز الحصول على اعترافات من القادة السياسيين وهو تجاوز غير مؤلم نسبياً والالتفات للقرارات التي اتخذت من قبل بعض الأفراد لحملهم على الاعتراف بمسؤوليتهم أمام الرأي العام الأقل إن لم يكن أمام المحاكم القانونية. فبهذه الطريقة فقط يمكننا أن نأمل في التأثير على صناع القرار حتى لا يتخلوا في المستقبل عن شعب يتعرض للإبادة الجماعية”.
في ما يلي عدة تعليقات حول بيان هيومان رايتس ووتش سنة 1999 والسلوك حسب التسلسل:
ألقت هيومان رايتس ووتش بسهولة جداً بمسألة المسؤولية القانونية للأجانب عن الفشل في حماية ضحايا الإبادة الجماعية في صندوق القمامة.
- فشلت هيومان رايتس في التعرض لقضية هؤلاء المسؤولين الأجانب لاسيما الفرنسيين وأخرجتهم بالتالي من ورطتهم فحين يواجهون تهماً أخطر بكثير من التواطؤ إلى المشاركة النشطة في الإبادة الجماعية.
- ثالثاً، لم تتناول هيومان رايتس ووتش مسألة أن لفيف كبيراً من الباحثين الفرنسيين كانوا يعملون جاهدين منذ عام 1994 لفضح تواطؤ المسؤولين الفرنسيين في الإبادة الجماعية، أي إلى تحقيق بالضبط الهدف الذي ذكرته هيومان رايتس ووتش نفسها ألا وهو عدم التخلي عن ضحايا الإبادة الجماعية. وقد ظهرت هذه الفئة من الباحثين الفرنسيين في السنوات الـ18 الماضية ولاتزال تنشط إلى حد هذا اليوم. في غياب أي مساعدة لهم أو تغطية لنشاطهم من قبل هيومان رايتس ووتش.
- رابعاً، أنتجت لجنتا تحقيق متخصصتان روانديتان في 2007-2011 تقريرين طويلين وموثقين على نطاق واسع عن دور فرنسا في عمليات الإبادة الجماعية وقصف الطائرة الرئاسية التابعة للرئيس هابيارمانا.
الاطلاع على التقارير
واعتبر أن الاطلاع على هذه التقارير ضروري لمن يريد فهم مسألتي العدالة والمسؤولية المتعلقتين بالإبادة في رواندا ولم تعترف هيومان رايتس ووتش بمضمون التقريرين كأن تطالب بتحقيق أعمق مع السؤولين الروانديين والفرنسيين المتورطين.
وأضاف “يمثل دور المسؤولين والجنود الفرنسيين في الإبادة الجماعية لعام 1994 أخطر تحدٍّ أخلاقي وسياسي لمبدأ المساءلة في التاريخ الفرنسي في القرن العشرين، حيث يتهمون بالمساعدة في الخطوات الأولى من الإعداد للإبادة الجماعية “إسقاط طائرة هابياريمانا”، والمشاركة في بعض عمليات القتل والتستر وتسليح ومساعدة مرتكبي الجرائم قبل وأثناء وبعد عمليات الإبادة الجماعية ومساعدتهم في تشكيل “الحكومة المؤقتة” في بداية الأزمة وتمكين بعضهم من الهروب خارج البلاد ومساعدة البعض الآخر على إعادة تجميع صفوفهم في شرق الكونغو، ومساعدة سلطة حركة الهوتو في الحملة الدعائية فيما بعد الإبادة وتوفير ملاذ آمن للكثير من الجماعات الهاربة من ذوي السمعة السيئة. تمثل الاتهامات هذه ضرراً هائلاً لحقوق الإنسان في رواندا ورغم ذلك لم تمارس هيومان رايتس ووتش منذ عام 1995 ضغطاً يذكر على السلطات الفرنسية لمعالجة هذه القضايا من التواطؤ السياسي والقضائي”.
وقال إن: “عمل الباحثين الأجانب والعديد من الروانديين، يوضح أن إبادة 1994 الجماعية تثير قضايا خطيرة عن مساءلة الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية بما في ذلك مشاركة رجال الدين الكاثوليك في الإبادة الجماعية وتوفير طرق الهروب والملاذات الآمنة للمشتبه فيهم ودعم حملة الدعاية لصالح الهوتو ولم تمارس هيومان رايتس ووتش ضغطاً يذكر على الفاتيكان أو الكنيسة الكاثوليكية لمعالجة قضاياهم المتعلقة بالمساءلة عن تورطهم في جرائم رواندا”.
المعادلة الأخلاقية
وأضاف أن التحدي الذي يتمثل في تجنب التبني الخاطئ لمشروع المعادلة الأخلاقية صعب جد خاصة إذا افترضنا كما فعلت هيومان رايتس ووتش أن لجميع الضحايا الحق في المعاملة المتساوية في قولها “على الدول الاعتراف بالإبادة الجماعية والجرائم الجماعية المماثلة بدون انتقائية كالعمل لصالح بعض الضحايا وتجاهل البعض”. لو طبقنا الأمر نفسه بأثر رجعي، سيعني ذلك لهيومن رايتس ووتش أنه ليس من العدل تجريم المسؤولين الألمان واليابانيين فقط بسبب جرائم الحرب العالمية الثانية بل كذلك ترومان وتشرشل ومجموعة من قادة الحلفاء الذين كان من الممكن أن يواجهوا مجموعة من التهم.
انضمت هيومن رايتس ووتش إلى جمعيات حقوقية أخرى في صلب “لجنة دولية حول انتهاكات حقوق الإنسان في رواندا” زارت رواندا في يناير 1993 ونشرت تقريراً يتألف من 102 صفحة في مارس 1993 ولكن في الوقت الذي اعترف فيه أطراف عدة في هذه اللجنة بأن رواندا كانت في مرحلتها الأولى من الإبادة الجماعية رفضت هيومن رايتس ووتش هذا التقييم الاستباقي وعملت جاهدة على أن تستبعد مصطلح الإبادة الجماعية
منذ بداية الإبادة الجماعية، وعوضاً أن تكون حذرة حرصت هيومن رايتس ووتش على تقديم وتبني ادعاءات غير مدعمة بأدلة أو أدلتها ضعيفة تدعم العناصر الأساسية لاستراتيجية “الاتهامات المعكوسة” المتبعة من قبل سلطة هوتو من شاكلة الادعاء بأن الجبهة الوطنية الرواندية هي شريكة في المسؤولية عن أعمال الإبادة الجماعية ضد التوتسي وبأنها تتبع سياسة تقوم على ارتكاب مجازر ممنهجة ضد الهوتو وحتى ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضدهم.