كتب - محرر الشؤون السياسية:
أكد الكاتب ريتشارد جونسون أن منظمة هيومن رايتس ووتش لعبت دوراً قيادياً في التضليل ليصعب محاسبة الأطراف المتورّطة في الإبادة الجماعية براوندا، والسماح لأطراف الإبادة الجماعية بالرجوع مرة أخرى للحياة السياسية بعدم حظر أيديولوجيتهم، بمحاسبة بعض المتورطين في جرائم الإبادة الجماعية.
ودعا جونسون، في كتابه «مهزلة منظمة هيومن رايتس ووتش في رواندا» الذي يحكي فيه تجربته في رواندا الصادر مؤخراً، المنظمة التي فقدت الأخلاقيات والتحليل المنطقي لتحكيم الضمير، معتبراً أن كذب وتحيز المنظمة في رواندا يقوض المصداقية الغربية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وشدد على أن على وسائل الإعلام الغربية التثبت من تقارير هيومن رايتس ووتش قبل نشرها.
الإبادة الجماعية
أورد ريتشارد جونسون مثال حي يدل على مساندة ضمنية لمرتكبي الإبادة الجماعية عام 1994 فقد أكّد المدير التنفيذي في منظمة هيومن رايتس ووتش كينيث روث في بيانه «قوة الرعب في رواندا « في أبريل 2009 القول إن الرئيس الرواندي كاغامي كان يستغلّ الإبادة الجماعية عام 1994 غطاء للقمع الذي نفذ من خلال محاكم «الغاكاكا»، وتجريم إيديولوجية الإبادة الجماعية. واختتم كينيث روث بيانه بما يلي:
«ولكن استراتيجية كاجامي قصيرة النظر وخطيرة. فهو يدعى بناء مجتمع يكون فيه جميع المواطنين روانديين، لا من التوتسي ولا من الهوتو، لكن قمعه للمجتمع المدني يعني أن السبل لتوطيد أواصر التعامل والتشارك بين الناس محدودة. وهذا يجعل الروانديين يلتجئون في لحظات التوتر إلى هويتهم العرقيّة، كما يحدث في المجتمعات القمعية في كثير من الأحيان .إن التحدي الذي يواجه قادة العالم بعد الإبادة الجماعية هو التغلب على الشعور بالذنب، وننظر إلى ما بعد السلام القسري لإقناع كاجامي وحكومته لبناء الأساس لاستقرار دائم وأنّ أفضل طريقة لمنع إبادة جماعية أخرى هو الإصرار على أن يوقف كاجامي التلاعب بمفهوم الإبادة الجماعية».
ويقول هناك عدّة جوانب تستحقّ التوضيح في فكر روث. الأوّل هو الخلط بين أولئك الذين يعتبرهم أهدافاً لمحاكم «الغاكاكا»، وقانون مكافحة أيديولوجية الإبادة الجماعية والمفهوم الشّامل «للمجتمع المدني». الثاني هو أن النقاش مع ناكري الإبادة الجماعية يمكن أن يكون تجربة توطّد العلاقة بينهم وبين منظمة هيومان رايتس ووتش. الثالث هو قوله إن الناس يلتجئون عفوياً في لحظات التوتر إلى هويتهم العرقيّة كما لو أّنّ الاستقطاب الأيديولوجي والقيادة السياسية لم يكونا ضروريين بالنسبة إليه. ولكن الأكثر إثارة للجميع هي الجملة الأخيرة، حيث يعبر روث بطريقة مبهمة أنه إذا صادف إن وقعت إبادة جماعية أخرى ضد «التوتسي الروانديين»، فسوف تكون بالتأكيد خطأ كاجامي. إن تحميل أي إبادة جماعية في المستقبل لكاجامي لا يغّير شيئاً في أيدولوجيا الإبادة الجماعية ولكنه يغّير كثيراً في فكر المنظّمات الإنسانية الدولية.
كلما تعلمت أكثر عن رواندا قلّت ثقتي بـ«هيومن رايتس»
ويقول المؤلف «فكرت جيداً في هيومن رايتس ووتش عندما كانت تسمي في الماضي «هلسنكي ووتش» وركّزت آنذاك على أوروبا الشرقية، وكنت موظفاً بالخارجية أقوم بنفس الدّور. ولم أزل أفعل ذلك حين قرأت أول مرة «لا تترك أحداً يروي القصّة» قبل أن أتحوّل إلى رواندا في عام 2008. ولكن كلما تعلمت أكثر عن رواندا، قلّت ثقتي أكثر في هيومن رايتس ووتش.
والمفاجأة الفاصلة بالنسبة إلي كانت حين قرّرت منظمة هيومان رايتس ووتش القيام بحملة لمساندة «القوي الديمقراطية الموحّدة» و»التجمع من أجل عودة اللاجئين والديمقراطية في رواند» من أجل إشراكهم في الانتخابات في رواندا في عام 2010. فهناك شيء خاطئ جداً في تصوّر مؤسسة تشرّع لحزب سياسي تأسس على يد زعماء حرب إبادة جماعية العودة إلى ساحة جريمتهم تحت غطاء مقنّن. وأنه من الخطورة بمكان عندما تتمتع هذه المؤسسة بسلطة التأثير على السياسة الغربية. ولذلك انغمست عن قرب في خطاب منظمة هيومان رايتس ووتش حول رواندا سنوات وسنوات ووجدت أن موجز عملها وفكرها مختزل في هذا المقال الذي تقرؤونه الآن : المطلوب بالنسبة من منظمة هيومان رايتس ووتش السماح لأطراف الإبادة الجماعية بالرجوع مرة أخرى للحياة السياسية، بعدم حظر أيديولوجيتهم، بمحاسبة بعض المورطين من بينهم في جرائم الإبادة الجماعية وأنّ جميع الناس مخطئون. وآمل أن يفتح مقالي هذا بصائر أناس آخرين للتّعمّق في الموضوع. القراء الذين لا يصدقون ما تقوم به منظمة هيومان رايتس ووتش يمكنهم أن يراجعوا أدلة أخرى معاصرة توضح كيف أن هيومن رايتس ووتش وجماعات أخرى مثلها يمكن أن تتصرف بطريقة غريبة تماماً، فضلاً عن السجل الحافل من الاعتذارات التي يدين بها المثقفون الغربيون لأفريقيا.
يمكن أيضاً أن يسأل بعض القراء الآخرين عن الآثام الحقيقية لنظام كاغامي. إن الحكومة الرواندية ما بعد فترة الإبادة الجماعية قامت بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان سواء في الوطن الأم رواندا أو وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومما يؤسف له أنها لم تقدم المزيد من المعلومات المفصلة حول سلوك قواتها في رواندا ولاحقاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية في أعقاب الإبادة الجماعية وكذلك عن الجهود التي تبذلها لمحاسبة المخالفين.
ومع ذلك، فإن أيديها ملوثة بشأن الانتهاكات الهائلة والتضليل المقصود الذي لعبت فيه منظمة هيومان رايتس ووتش دوراً قيادياً حتى يصعب بعدها محاسبة الأطراف المتورّطة. إن الاعتراف بأن منظمة هيومان رايتس ووتش قد فقدت براءتها الأخلاقية والتحليل المنطقي فيما يخصّ المسألة الرواندية لا تتطلب جهداً وبحثاً كبيرين ومن الخطأ اعتبار الحكومة الرواندية ما بعد فترة الإبادة الجماعية بريئة وغير ملامة. ولا بد من تحقيق خطوة ضرورية لتحديد درجة اللّوم.
حملة غير نزيهة
إن معظم القراء يبحثون بالتأكيد عن تفسير معقول حول الأسباب التي دفعت منظمة حقوق الإنسان الغربية المرموقة والمؤثرة أن تفكّر وتتصرّف بهذه الطريقة مع رواندا. هناك فرضيات عدة تتبادر إلى الذهن. ومع ذلك، لم أكن في موقع يخوّل إليّ إجراء حوارات مع المسؤولين وخيّرت لذلك عدم التكهن في هذه النّقطة بالذّات. ولغاية الشفافية استندت إلى السجلّ العام لخطابات منظمة هيومن رايتس ووتش على مدى السنوات العشرين الماضية. وعلى كلّ حال، صحيح أننا في حاجة ملحة إلى فهم الدوافع والتمشّيات التي دفعت لهذا السلوك من قبل منظمة هيومان رايتس ووتش في رواندا، ولكنّ الأكثر إلحاحاً هو وضع حدّ لذلك.
إن الكذب والتحيز في حملة هيومن رايتس ووتش السياسية ضد الحكومة الرواندية ما بعد فترة الإبادة الجماعية تقوض المصداقية العامة للمقولة الغربية للدفاع عن حقوق الإنسان. إن هذا الفعل يحدث أضراراً جسيمة فيما يتعلق بالحوار بين الغرب ورواندا حول مسألة الحكم الديمقراطي، الوحدة الوطنية، المصالحة، السلام الإقليمي والأمن. كما إن ذلك يجعل من منظمة هيومن رايتس ووتش الهيئة القائمة الحليف الفعلي لشريحة صغيرة من الرجعيين الروانديين الذين يرغبون في استعادة الحكم على أساس الفكر العنصري ويرسخ سياسات الإبادة الجماعية التي أنتجها هذا الحكم في عام 1994.
كيف يمكن لهذه المهزلة أن تعالج وتصحح وتمنع في المستقبل؟ بعض الحلول تبدو صعبة في عالمنا المعاصر ولكن الأمل يبقى قائماً. فمثلاً هل ستكون هيومن رايتس ووتش ملزمة بالرد في المحاكم فيما يخص حملتها الرامية إلى مساعدة حزب تم إنشاؤه من قبل قادة الإبادة الجماعية لعام 1994، ومرتبط بالمنظمة الإرهابية «الجبهة الديمقراطية لتحرير رواند» وتساعده أن تدخل عالم السياسة في رواندا مجدّداً؟ هل يمكن للجهات المانحة الرئيسة لمنظمة هيومان رايتس ووتش وقف دعمها؟
هل يمكن لستيف هوج رئيس هيومن رايتس أن يعقد اجتماعاً مع «مجلس إدارة» منظمة هيومان رايتس ووتش للتحقيق في التجاوزات واتخاذ الإجراءات المناسبة؟ هل يمكن لكينيث روث المدير التنفيذي أن يعتبر نفسه مسؤولاً أو يعلن على الأقل الاعتراف بمسؤوليته عن الحملة غير النزيهة الذي ألحقت الضرر بكل من رواندا وكذلك بمصداقية منظمة هيومان رايتس ووتش وبالمنح التي تقدمها؟
الحلول الأخرى واقعية بالتأكيد. فصنّاع القرار السياسي في الغرب يمكن لهم أن يتحلوا بالشجاعة للوقوف في وجه هيومن رايتس ووتش، عند الاقتضاء، ومعارضة سياستها في رواندا. وسائل الإعلام الغربية يمكن لها التخلي عن نشر تقارير منظمة هيومان رايتس ووتش قبل التثبت من مدى مصداقية ما كتب كما يحدث مع منظمات أخرى مماثلة ، ثم إن المنظمات والجماعات الملتزمة بإحياء ذكرى الإبادة الجماعية ومنع حصول ذلك مستقبلاً ينبغي أن نلقي نظرة فاحصة على الطريقة التي تعالج بها جماعات حقوق الإنسان الغربية القضية الرواندية، ثم إن على المنتمين السابقين والحاليين لمنظمة هيومن رايتس ووتش– ولا نتخيل أنهم غير موجدين - وعلى الذين يشعرون بانزعاج من هذه المهزلة أن يحّكموا ضمائرهم وبالطبع علىّ أي شخص يشاركني نفس الشواغل التي أعربت عنها أعلاه أن يصدح برأيه للعموم.