تحتفل المملكة المغربية بالذكرى الرابعة عشر لتولي الملك محمد السادس الحكم، ويأتي احتفال هذا العام مميزاً لأكثر من سبب، فقد حققت الدولة الكثير من الإنجازات على مختلف الصعد التنموية التي تستوجب إبرازها والإشادة بها، وأرست بذلك المقومات اللازمة للتوجه نحو مستقبل آمن أكثر إشراقاً وازدهاراً ورخاء، كما وفرت بهذه الإنجازات لأبنائها الكثير من عوامل النهوض والارتقاء.
ولا شك أن المملكة المغربية بموقعها الاستراتيجي وعناصر القوة الاقتصادية والحضارية التي تتوفر لها، تحظى بالعديد من الفرص التي تؤهلها للصعود واحتلال مكانة كبرى في عالم اليوم المليء بالمنافسة والصراع، ولعل أبرز ما يشار إليه في هذا الصدد هو أن المملكة المغربية لا تبعد عن سواحل القارة الأوروبية بأكثر من 14 كيلو متراً، وتمتد واجهتها البحرية لمسافات طويلة شمالاً على البحر المتوسط وغرباً على المحيط الأطلسي، ما جعلها إحدى الدول المشرفة على أبرز المعابر المائية العالمية وملتقى الطرق الكبرى للمبادلات الدولية التي تربط القارات الأفريقية والأوروبية والأمريكية فضلاً عن منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
وقد مكنها هذا الموقع الذي يشرف على أحد أهم المضايق المائية في العالم، وهو مضيق جبل طارق، من الانفتاح على سوق ضخم تضم نحو 1.3 مليار من المستهلكين، والارتباط بالكيانات الاتحادية الكبرى، حيث ترتبط المملكة المغربية بشراكات مع الاتحاد الأوروبي وتحظى بصفة الوضع المتقدم في إطاره، كما ترتبط باتفاقات للتبادل التجاري الحر مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وحقق اقتصادها أداء باهراً خلال العقد الأخير بمعدل ثابت للنمو بلغ نحو 5%.
ويتميز الاقتصاد المغربي بالثراء والتنوع، وفي إطار جهودها لتوظيف هذه الإمكانات والميزات التنافسية لقطاعاتها الإنتاجية، بذلت الحكومة هناك جهوداً جبارة لتحسين مناخ الأعمال وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات، كما اتخذت إجراءات عديدة لدعم التنافسية ولتعزيز قدرة البلاد على النمو وترسيخ مكانتها كوجهة مفضلة للمستثمرين العرب والأجانب.
وفي سبيلها لذلك دشنت الحكومة بالمغرب عدة صناديق استثمارية تعنى بهذا الشأن، منها: صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وصندوق تشجيع الاستثمار والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات وغيرها من المؤسسات، فضلاً عن التدابير والإجراءات التحفيزية المشجعة التي تكفل لرأس المال العمل والتحرك.
ونتيجة لذلك استقطبت المملكة المغربية نحو 18 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي خلال الفترة من 1999 وحتى 2009، وقد مثلت الاستثمارات القادمة من أوروبا التي تعتبر الشريك الاقتصادي الرئيسي للمغرب نحو 70% من مجموع الاستثمارات المذكورة، وهو الأمر ذاته بالنسبة للاستثمارات العربية أيضاً التي تحظى بنصيب لا بأس به من مجموع الاستثمارات الأجنبية بالمغرب.
ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الوضع على حركة وحجم تطور البنى الأساسية التي يعتبرها البعض بمثابة البيئة الجاذبة والحاضنة والميسرة للتدفق الاستثماري إلى المغرب، حيث سعت المملكة خلال الفترة من 2008 وحتى 2012 إلى تعزيز هذه البنيات الاستثمارية، سيما في مجال النقل من طرق وموانئ، وقُدر حجم الاستثمار في هذا القطاع بنحو 11 مليار يورو، مما ساهم في ربط شبكة الطرق الداخلية ببعضها وبالعالم الخارجي، وكذلك الأمر بالنسبة للمطارات والمنافذ الجوية التي بلغت وحدها نحو 15 مطاراً دولياً ساهمت في رفع القدرات الاستيعابية للمطارات الوطنية المغربية إلى 30 مليون مسافر في السنة.
وبالنسبة لبنية شبكات الاتصال من هواتف وإنترنت وبنية تقنية، فإن المملكة المغربية تعد الأولى في القارة الأفريقية في هذا المجال، كما تزخر بثروة هامة من الطاقات المتجددة، خاصة الشمسية والريحية، والتي تمتد على طول 5300 كيلو متر من المناطق الساحلية في شمال وغرب البلاد، فضلاً عن 26 محطة مائية و5 محطات حرارية لتوليد الطاقة الكهربية بقدرة 5292 ميجا واط.
وإضافة لهذه البنى الأساسية المتميزة، هناك أيضاً الخطط التطويرية للفضاءات الصناعية أو ما يعرف بالبيئات المخصصة لاحتضان المشروعات والاستثمارات (المدن الصناعية) والتي تتضمن كافة البيانات والخدمات والمرافق اللازمة للعمل والاستثمار بحرية وسهولة من قبيل المنطقة الحرة لطنجة والنواصر والجرف الأصفر والقنيطرة وغيرها.
وقد حددت الحكومة المغربية ضمن خططها وبرامجها التطويرية ستة مهن تمثل دعامات تنميتها الصناعية في الفترة المقبلة، وقد تم إعداد مقاربة استراتيجية معينة لكل واحدة من هذه المهن الرائدة التي تستند إلى تاريخ المملكة المغربية من جهة وقدرات أبنائها من جهة ثانية فضلاً عن الموارد المتوفرة بها وكيفية تحقيق أعظم استفادة ممكنة منها من جهة أخرى..
واستهدفت المملكة المغربية من وراء تنمية هذه المهن الست إفساح المجال أمام الاستثمارات لتطويرها وتدريب الكوادر الوطنية العاملة فيها، وهذه المهن هي صناعة الطيران والفضاء والسيارات، والمعروف أن المغرب يكتسب شيئاً فشيئاً صفة أفضل منطقة لتصنيع السيارات في المنطقة.
هذا بالإضافة إلى صناعات تقنية المعلومات والإلكترونيات والخدمات، حيث يحتل المغرب المرتبة الخامسة عالمياً فيما يخص أنشطة ترحيل الخدمات الفرنسية، علاوة على صناعة النسيج والجلود والصناعات الغذائية، علماً بأن المغرب من الدول ذات الميزات الإنتاجية في المجال الزراعي ولديها مشروع يعرف بمخطط المغرب الأخضر الرامي لجعل هذا القطاع الحافز الرئيسي للنمو للسنوات العشر أو الخمسة عشرة القادمة.
ونظراً لارتباط النمو الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب بمشروعات الطاقة وفرص توفيرها وتنميتها، حيث يتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة بنحو 36% بحلول عام 2015، وسيزداد بثلاثة أضعاف بحلول 2030، نظراً لذلك فقد وجهت المملكة المغربية جهودها لتنمية هذا القطاع، خاصة الطاقة المتولدة عن الشمس والرياح، ويأمل المغرب أن يصل في استفادته من هذا النوع من الطاقة المتجددة إلى نسبة 42% من القدرة الطاقية المفعلة من الطاقات النظيفة بحلول 2020، كما يُنتظر أن تصنف المملكة في مصاف الدول الرائدة عالمياً في مجال الطاقة الشمسية.
ولا يقتصر التطوير على هذه القطاعات فحسب، سيما أن المغرب يمثل وجهة سياحية واستثمارية مهمة سواء بفضل سواحله الممتدة وانفتاح ثقافته أو غنى طبيعته وتنوعها وتاريخه الحضاري الطويل فضلاً عن مصادره ومقوماته الذاتية.
وفي هذا الشأن أعدت المملكة المغربية العديد من الرؤى والمخططات لتطوير عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى كقطاع السياحة، وذلك حتى يستقبل أكثر من 10 ملايين سائح، وكقطاع الموارد البشرية الذي يحظى بعناية فائقة من الدولة وأجهزتها، تعليماً وتأهيلاً وتدريباً، وذلك لإمداد المرافق والمؤسسات المختلفة بما تحتاجه من عنصر بشري فاعل وكفء.
لقد دخلت المملكة المغربية في غضون السنوات القليلة الماضية عهداً جديداً من الإصلاحات التي شملت كافة الميادين والقطاعات، وهي إصلاحات مكنتها من مواجهة تحديات العولمة والمضي بعزم وطموح لمواكبة متطلبات القرن الحادي والعشرين.
«بنــــــا»