بقلم - نزار الطحاوي:
نتناول في هذا المقال قضية مهمة بالنسبة للباحثين في مجال الدراسات الحقوقية والناشطين في منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، وهي منهجية إعداد التقارير الحقوقية، ويقصد بها التقارير التي تقدمها الدولة للهيئات الدولية المختصة والتي تقوم فيها باستعراض دوري وشامل لحقوق الإنسان في تلك الدولة، ويطلق عليها تقارير المراجعة الشاملة في إطار حقوق الإنسان. وهذه التقارير هي واحدة من الأساليب المتبعة في القانون الدولي لرقابة مدى احترام الدول لالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، وتهدف لإقامة تواصل وحوار بناء بين الدولة المعنية والجهة الدولية التي يقدم إليها التقرير، وتعد مؤشراً على مدى تقدم الدولة في مجال احترام حقوق الإنسان. ومنظمة العمل الدولية هي أول جهة دولية استخدمت أسلوب التقارير التي تقدمها الدول المعنية حول أداء تلك الدول في مجال حقوق العمال، ثم جرى تطبيقه في مجال حقوق الإنسان.
وتنقسم تقارير المراجعة الشاملة في إطار حقوق الإنسان إلى ثلاثة أنواع: أولية، ودورية، وإضافية. والتقارير الأولية هي تقارير تقوم باستعراض شامل للأوضاع القانونية والإدارية للدولة الطرف في اتفاقيات حقوق الإنسان وتنقل صورة عن حالة حقوق الإنسان فيها، ومدى توافقها مع التزاماتها الواردة في هذه الاتفاقيات. أما التقارير الدورية فتهدف إلى تحقيق رقابة منتظمة على مدى تنفيذ الدول الأطراف لالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، وفي قياس مدى التقدم الذي حققته هذه الدول في هذا المجال. أما التقارير الإضافية فهي لا تطلبها اللجان الدولية إلا في ظروف خاصة، كأن يكون التقرير الذي قدمته الدولة غير كافٍ، أو إذا عجز ممثلو الدولة أثناء مناقشة التقرير عن تقديم إجابات عن الأسئلة التي توجهها اللجنة إليهم، أو إذا تعرضت الدولة لظرف طارئ يستدعي تقديم تقرير إضافي يشرح هذا الوضع.
الاستعراض والمناقشة
تقوم بمراجعة التقارير الدورية لجنة ثلاثية تدعى (TRIOKA) تتشكل لدى كل عملية مراجعة ويتم اختيارها بالقرعة من بين الدول أعضاء مجلس حقوق الإنسان ومن مختلف المجموعات الإقليمية. وبعد مناقشة تقارير أية دولة واعتماد نتيجة المراجعة ينظر المجلس إذا كان من الضروري القيام بأية متابعة لها. وتناقش التقارير في جلسات مفتوحة يتم خلالها مناقشة وطرح العديد من الأسئلة والملاحظات والتوصيات في إطار الحوار التفاعلي والبناء. والهدف الرئيس من جلسة المناقشة هو إفادة الدول من خبرة اللجان المعنية بالمناقشة وإقامة حوار بين هذه اللجان والدول بخصوص تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان. ويبدأ ممثل الدولة بعرض التقرير ثم يتوجب عليه أن يجيب على أسئلة اللجنة وتقديم أية معلومات إضافية تطلبها اللجنة.
وتصدر اللجان بعد الانتهاء من مناقشة التقارير وفحصها ثلاثة أنواع من الملاحظات وهي: ملاحظات ختامية للجنة مجتمعة وتتضمن النقاط الإيجابية في التقرير ومخالفات حقوق الإنسان وصعوبات تنفيذ التزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان، وملاحظات ختامية فردية لأعضاء اللجنة ويصدرها أعضاء اللجنة الذين تكون لديهم رؤى غير متوافق عليها في اللجنة، وتعليقات عامة للجنة تتمثل في المبادئ التوجيهية أو تفسيرات لنصوص اتفاقيات حقوق الإنسان.
الخبرة البحرينية
تقدمت مملكة البحرين بتقريرين للمراجعة الدورية الشاملة في عامي 2008 و2012، وتعهدت فيهما بتعزيز حقوق الإنسان في الداخل وبالتعاون الإقليمي في مجال حقوق الإنسان في الخارج. وقد عملت وزارة الخارجية البحرينية على تطبيق المعايير الحقوقية الدولية المعتمدة في إعداد هذين التقريرين، حيث حرصت على مشاركة الجهات المختصة في مجال حقوق الإنسان في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والمؤسسات الوطنية، وغير الحكومية، والشخصيات الدينية والحقوقية والمؤسسات الإعلامية، إضافة إلى الجمعيات المعنية بالدفاع وتعزيز حقوق العمالة الأجنبية في المملكة، كما نظمت ورش عمل للجهات ذات المصلحة كافة لغرض إتاحة الفرصة لهم لإبداء مرئياتهم، وقامت بتأسيس موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، وبتركيب خط هاتف ساخن يعمل على مدى 24 ساعة. وأيضاً، قام الفريق المكلف بإعداد التقرير بعدد من الزيارات الميدانية لمختلف المؤسسات ذات الصلة بالموضوعات التي يتناولها التقرير مثل الجهات الحكومية أو المجتمع المدني والجهات النقابية والإعلاميين والأكاديميين وغيرهم. وقد كانت استجابة المجتمع الدولي، متمثلاً في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، للتقرير الحقوقي البحريني في عامي 2008، و2012 طيبة وتعبر عن ارتياح اللجنة لأوضاع حقوق الإنسان في مملكة البحرين والجهود التي تبذلها الحكومة البحرينية في سبيل الحفاظ على حقوق الإنسان والتأكيد على احترامها.
وقد تم اعتماد التقرير بإجماع الدول المشاركة، وهو ما اعتبر إنجازاً حقوقياً مشرفاً يضاف لإنجازات الحكومة في هذا المجال منذ بدء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، كما يعد رداً دولياً صريحاً على محاولات تشويه سجل البحرين الحقوقي، ودليلاً على ثقة المجتمع الدولي واحترامه للبحرين وإجراءاتها وتعهداتها في مجال صيانة حقوق الإنسان وكرامته، وهو ما تمثل في نيل مملكة البحرين عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لدورتين متتاليتين، أولها في مايو 2006 و2008، على التوالي.
واستعرض التقرير الثاني (2012م) الإنجازات البارزة والإصلاحات غير المسبوقة التي تحققت في البحرين، بما يتوافق مع توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وهي الإنجازات التي توجها سعي مملكة البحرين، في إطار تفعيل التعاون الإقليمي في مجال حقوق الإنسان، إلى تنفيذ مقترح عاهل البلاد المفدى، بإنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان على غرار المحاكم الكبرى في أوروبا وأفريقيا والأمريكيتين.