كل المحاولات المستميتة للادعاء بأن مرافق الدولة أصابها الشلل لم تجدها لها دليلاً واحداً يدعمها، فالبحرين كانت آمنة في 14 أغسطس وما بعدها، وكل محاولات التأزيم والتظاهر والاحتجاج لم تلقَ قبولاً أو آذاناً صاغية.
وقالت وكالة أنباء البحرين في تقرير لها أمس، إن الشعب البحريني بكل طوائفه وشرائحه أعلن رفضه لأية دعوات أو مطالبات تثنيه عن التزامه الوطني بحماية مقدرات الوطن، أو تعفيه من مسؤولياته بحفظ مكتسبات حققها طوال العقود السابقة.
خلال أسبوعين تقريباً وحتى مساء أمس الأول، شهدت المملكة الكثير من الجهود المبذولة للتصدي لتهديدات ضمنية ومباشرة استمرت لفترة ووصلت إلى درجة التهديد بالحرق والغلق، وتعرض لها البعض من الأبرياء بالفعل، ومنها حادثة العامل الذي نال ما لا يستحق من الحرق لمجرد أنه حاول فتح الطريق وأزال متاريس تعيق الحركة فيه.
وكانت الأجهزة المعنية والمواطنون والمقيمون على السواء على قدر المسؤولية المنوطة بهم، خاصة بعد أن عاشوا يومهم بشكل طبيعي، ولم يستجيبوا لأبواق صناعة وبث الخوف التي حاولت أن تقنعهم بما لا يمكن الاقتناع به في بلد نعم وسينعم دائماً بالأمن والاستقرار والطمأنينة طالما بعد عنه المخربون والإرهابيون ورفع المحرضون ومن على شاكلتهم أيديهم عنه.
لم يكن أمس الأول في الحقيقة إلا تعبيراً واضحاً عن إفلاس من يحاولون جر البلاد ومنذ أكثر من سنتين إلى مستنقع من التوترات التي عانت ومازالت تعاني منها الكثير من البلدان المجاورة، وكشف سريان الحياة الطبيعي -وأروقة العمل العام والخاص وغيرها شاهدة على ذلك- للرأي العام بكل فئاته عن حقيقة هؤلاء الموتورين، ممن لن يتورعوا عن الإتيان بأي شيء مادام يضمن لهم نفوذاً وامتيازات يحصلونها من وراء جهل وتعصب مريديهم.
نجحت الدولة بكل مكوناتها نجاحاً منقطع النظير، واستطاعت التعامل بحنكة وروية مع دعوات ومطالبات وتهديدات تم تداولها في الفترة الأخيرة بعد أن انفض عنها أنصارها، وتمكنت بأجهزتها وبفضل حكمة سياساتها ورؤاها من أن تنزع عن ثلة الخارجين عن القانون المرتبطين بأطراف أجنبية ورقة التوت التي يدارون بها سوءاتهم، لاسيما منذ أن تتابعت الجهود للضرب بيد من حديد على الموتورين وتشديد العقوبات الرادعة إزاءهم.
لكن أكثر ما يشد الانتباه الوعي العام وإدراك المواطنين والمقيمين بعدم وجود ما يدعو إلى الخشية تمنعهم من ممارسة طقوس حياتهم اليومية، ويبدو هذا الوعي والحساسية العالية مهماً بالنظر إلى أن الدعوات التحريضية للتظاهر والاعتصام يوم 14 أغسطس، استغلت أجواء الراحة التي تلت الخروج من شهر رمضان المبارك وإجازة عيد الفطر والاستعداد لاستكمال الإجازات الصيفية قبل بدء العام الدراسي، لتحقيق كسب سياسي لن تناله مطلقاً، وساعد هذا الوعي في نزع أية ادعاءات حاول الإرهابيون توظيفها لصالح دعوتهم الخبيثة.
وتبدى هذا الوعي العام بالأمن في مناشط الحياة الإنسانية المختلفة، ما ساهم في دعم الطمأنينة في النفوس وبث الشعور بالأمان، وساعد بدوره في زيادة وتيرة تحريك الشارع والمشاركة إيجابياً وبشكل أكبر في الفعاليات المختلفة والاقتناع بأن البلاد لا تمر بأي طارئ يمنعهم من مواصلة حياتهم اليومية.
وكان من الطبيعي نتيجة هذا الوعي والأجواء السائدة بعده من أمن واستقرار، أن تسهم الأجهزة المعنية، لاسيما منها الإعلامية وغيرها، في نقل الفعاليات المختلفة المصرفية والتجارية والصناعية والدينية والرياضية فضلاً عن السياسية بالطبع والتي تم فيها استضافة فاعليها واستعراض رؤاهم وأفكارهم وتصوراتهم ومبادراتهم تجاه أمس الأول الذي بدا للجميع أنه يوم عادي مر كغيره من الأيام بعيداً عن الشائعات المغرضة.
وهنا يبدو من المهم النظر إلى أن هذا الوعي العام الذي اتسم به رد فعل الشارع إزاء يوم 14 أغسطس، ووفر للبلاد هذه الأجواء الآمنة التي عاشتها بعيداً عن أي منغصات، وأفشل الدعوات المغرضة بالتظاهر والاعتصام، جاء ضمن عدة إجراءات قانونية وتنظيمية صدرت في الآونة الأخيرة، وفي مقدمتها بالطبع سحب الجنسية عن المحرضين وتشديد العقوبات على المنخرطين في أعمال إرهابية تمس السيادة الوطنية أو تقوض أمن المجتمع.
ولا يخفى أن هذه الإجراءات وغيرها استهدفت سد الثغرات التي كان ينفذ منها المخربون والمحرضون بعد أن عاثوا في الأرض فساداً، حيث كفلت -أي هذه الإجراءات- الحد الأدنى من العقاب الرادع الذي حد من تمادي الإرهابيين في جرائمهم وغيهم الذي يهددون به المجتمع، كما عكست قدرة البنية التشريعية الجديدة في المملكة على ملاحقة الإرهابيين، فضلاً عن قوة أجهزة الدولة وتكاتف مواطنيها معها إزاء أي تهديد تتعرض له منجزاتها.
وإذا أضيف إلى هذه الدلالات المستخلصة من الإجراءات القانونية والتنظيمية الرادعة الأخيرة، تلك الرسالة القوية التي على ما يبدو اقتنع بها الكثير من الموتورين، وفحواها أن الدولة لن تترك نهباً لأي عابث يحاول النيل من استقرارها وأمن مواطنيها، وأن بالمملكة -كما وعدت قيادتها الرشيدة دوماً- رجالاً لن يتوانوا عن بذل دمائهم فداء في سبيل الدفاع عن حياض هذا الوطن واستتباب أمنه.
إذا ما أخذنا هذه الرسالة الشديدة والحاسمة في الاعتبار لتأكد لنا جدوى وأهمية الوقوف بحزم ضد المخربين ومحرضيهم، حيث نجح الأمر في توفير البنية القانونية اللازمة للتعامل الحازم مع الجريمة وأعمال الإرهاب التي ارتكبت أو قد ترتكب تحت دعاوى مختلفة.
كما يجدر الذكر هنا إلى التحركات المتواصلة والكثيفة للحكومة برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وذلك لإقرار الأمن وحفظ السلم الأهلي، ولعل أكثر هذه التحركات أهمية ما حدث خلال الأسبوعين الأخيرين وكشفت عن توجه الدولة الثابت إزاء عدم المساومة بشأن الأمن أو مهادنة الإرهابيين، حيث ضيقت هذه التحركات كثيراً من حركة الخارجين بعد أن وفرت للقائمين على أعمال تنفيذ القانون من أجهزة الشرطة وحفظ النظام الدعم والنصرة اللازمة لكي يمارسوا مهامهم التي أقسموا اليمين على أدائها، وهي بذل أرواحهم فداء للدفاع عن وطنهم وحياة مواطنيهم.