رجل سخر حياته لنفع غيره، فقد قضى أكثر من ثلاثين عاماً ينشر الإسلام في القارة السمراء، كان له أن يعيش كطبيب مشهور في بلاده، كفرد من أبناء منطقة حبا الله شعوبها بخير عظيم، يتمتع أبناؤها بكل المميزات التي تجعلهم ينعمون برغد العيش، وهو مع ما يحمله من المؤهلات التي تمكنه من العيش في بلده كأفضل ما يعيش أي إنسان في العالم .ترك رغد العيش، وموئل الأهل والعشيرة، وانطلق إلى رحلة أخرى، لم يكن الثروة والمال هدفها، ولا الشهرة والمنصب غايتها، انطلق إلى بلاد سميت بالقارة المظلمة، بعد أن عرف أن في هذه البلاد الكثير من المسلمين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه، فالحملات الغربية التنصيرية من بلاد شتى تحاول أن تنخر فيه، من خلال تقديمها لفتات الطعام، وقليل العلاج، وبسيط العلم، لتغيير مفاهيم شعوبها، لصدهم عن دينهم، ولإلصاقهم بغيرهم، وتشويه هويتهم وانتمائهم. فكانت النية الحسنة المباركة، والتي سُقيت بعزيمة وإرادة صلبة، وبجهد ومثابرة، وبفضل الله تمكن هذا الطبيب المسلم وزوجته المؤمنة المحتسبة أن يغيروا مجرى الأحداث في هذه القارة، وبمجهود كبير وشاق بارك الله فيه، عمت بركته كل أفريقيا، بدأ هذا الطبيب بالدعوة إلى الله بجهوده المبذولة وإمكانياته البسيطة، فقد عاهد نفسه أن يمضي بقية عمره في الدعوة إلى الله في هذه القارة بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام، فكان توفيق الله له أكبر معين، فقد كان همه الدعوة إلى الله ونشر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة، مقتدياً بخير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ومتمثلاً بقول الله تعالى : (( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ))، فبحسن خلقه وتعامله وبدعوته التي بارك الله بها، جذب بهذه الدعوة المباركة الآلف من الناس للدخول في دين الله.لقد كان أكثر ما يؤثر في الداعية السميط - إلى حد البكاء - حينما يذهب إلى منطقة ويدخل بعض أبنائها في الإسلام ثم يجدهم يصرخون ويبكون على آبائهم وأمهاتهم الذين ماتوا على غير الإسلام، وهم يسألون: أين أنتم يا مسلمون؟ ولماذا تأخرتم عنا كل هذه السنين؟ كانت هذه الكلمات تجعله يبكي بمرارة، ويشعر بجزء من المسؤولية تجاه هؤلاء الذين ماتوا على غير الإسلام .لقد كرس الشيخ حياته وجمعيته جمعية العون المباشر « وهي جمعية خيرية دعوية « للدعوة في القارة الأفريقية، والتي أثمرت بفضل الله نتائج عظيمة، فآلاف الدعاة الذين يعملون في الجمعية هم ممن أسلموا أصلاً على يده، وأصبحوا دعاة للإسلام، ومنهم قساوسة ورجال دين نصارى دخلوا في دين الله، وهنا نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )).ولقد أسلم بفضل الله على يديه مالا يعلم عددهم إلا الله، ملايين من البشر، وعشرات الألوف من القبائل التي دخلت بأكملها في الإسلام، ومشاريعه تنطق بجهوده، فلقد بنى أكثر من 12 ألف مسجد، ورعى عشرة آلاف يتيم، وحفر ثلاثة آلاف بئر ماء، وبنى 125 مستوصفاً ومستشفى، ووزع 50 مليون نسخة من القرآن الكريم، وأنجز بناء وتشغيل أكثر من 200 مركز لتدريب النساء، ودفع رسوم الدراسة عن أكثر من 90 ألف طالب وطالبة من الفقراء، وغيرها من المشاريع الدعوية والتعليمية التي لا يمكن حصرها. ويكفي لأي منا أن يدخل على شبكة الإنترنت ويكتب اسم « عبدالرحمن السميط « ليعرف من هو هذا الرجل الذي هو بحق بألف رجل ، نحسبه والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحداً.ومنذ يناير 2012م دخل الشيخ السميط في غيبوبة، أُدخل على إثرها إلى أحد مستشفيات دولة الكويت، ثم انتقل للعلاج في ألمانيا، وبعدها عاد إلى الكويت واستمر في المستشفى يتلقى العلاج إلى أن وافاه الأجل في يوم الخميس 8 شوال 1434هـ - 15 أغسطس 2013م عن 66 عاماً.نسأل الله العظيم أن يغفر للشيخ عبدالرحمن السميط ويرحمه رحمة واسعة، وأن يجعل ما ألم به كفارة له، ورفعة لدرجاته، إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول، والحمد لله على قضائه وقدره .راشد عبدالرحمن أحمد العسيري