رأى تقرير نشرته وكالة أنباء البحرين (بنا) أن تركيز الدولة مؤخراً على مواجهة ممارسات شكلت أمراً مقلقاً للاقتصاد، انعكس نجاح كبير على المستوى الاقتصادي، مشيراً إلى أن المملكة باتت مثالاً يحتذى في مقاربة العلاقة الطردية بين الاستقرار الأمني والسياسي وصعود مؤشرات الأوضاع الاقتصادية.
وقال التقرير إنه «لم يعد هناك شك في تلك العلاقة التي تربط استقرار الوضع السياسي والأمني لدولة ما وتحسن مؤشرات وضعها الاقتصادي، ولعل الأمثلة المؤكدة على ذلك كثيرة ومتداولة سواء على صفحات الجرائد أو فوق شاشات وسائل الإعلام المرئية التي تبرز يومياً انهيار أسواق وسقوط بورصات نتيجة العنف وإشاعة الفوضى وتجاوز القانون الذي يضرب أطناب بعض الدول المجاورة في المنطقة». في المقابل، وعلى خلفية ما تشهده المملكة من أجواء آمنة مستقرة ينعم بها المواطنون والمقيمون، أثبتت البحرين، خاصة في السنتين الأخيرتين مدى ما يمثله الاستقرار الأمني والسياسي على صعود مؤشرات أوضاعها الاقتصادية واستعادة موقعها كمنطقة جاذبة للاستثمارات، الخليجية والعربية والدولية، وذلك بعد اجتيازها وبنجاح عدة هزات لم يكن لها يد فيها سواء بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية أو بسبب أحداث عام 2011.
وأكد التقرير أن «واقع الأمر، أن البحرين قدمت في العامين الماضيين الكثير من الرؤى وبذلت العديد من الجهود لمعالجة ما أفرزته هذه الهزات السابق ذكرها من انعكاسات، وشهدت البلاد خلال الفترة الأخيرة عدة قفزات هائلة عكست تعافيها الاقتصادي ونجاحها في التعاطي مع متطلبات مسار النمو ومشروعات التنمية، ولعل من أبرز الدلائل على ذلك تلك التي تم تداولها خلال الفترة الأخيرة، وهي:
1- ما تضمنه الكتاب السنوي لمجلس التنمية الاقتصادية الصادر مؤخراً من مؤشرات، والذي أبرز العديد من النجاحات المحققة، وخلص فيه بعد مراجعة وتحليل عميقين للقطاعات الإنتاجية المختلفة بالمملكة إلى أن الاقتصاد الوطني يمر بمرحلة من النمو قد تصل إلى 5.6% في العام الحالي 2013، مشيراً إلى أن الناتج الحقيقي للبحرين قد نما في الفترة ما بين 2000 و2012 بمتوسط يبلغ 5% سنوياً، هذا بالرغم من التحديات التي خلفتها الأزمة العالمية والأحداث السابقة.
وقد ذهب إلى ذلك أيضاً التقييم الأخير لوكالة فيتش للوضع الائتماني للبحرين وتثبيته عند درجة BBB مع استمرار النظرة المستقبلية المستقرة للأوضاع، الأمر الذي أكده كذلك التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي الذي اعتبر أن الاقتصاد الوطني شهد تحسناً واضحاً عام 2012 مشيداً بمتانة قطاعها المالي.
2- نمو إصدار السجلات التجارية عام 2012 بمختلف القطاعات الاقتصادية بنسبة تراوحت بين 6.5% إلى 48% وفقاً للقطاع، هذا بالرغم من قرار وزارة الصناعة والتجارة برفع رسوم الإصدار منتصف العام الماضي، الأمر الذي يؤكد قدرة القطاعات الإنتاجية المختلفة على التحسن في الأداء رغم الأحداث التي مرت بالبلاد والمنطقة ككل، ونجاح السياسات المالية والنقدية في استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وبحسب التقرير السنوي الأخير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) عن الاستثمار العالمي عام 2013، فإن دول مجلس التعاون، ومنها البحرين، تمكنت بعد فترة من التراجعات امتدت إلى ثلاث سنوات متتالية من تسجيل ارتفاع طفيف في استقبال تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول المنطقة.
3- توقعات خبراء بقدرة الاقتصاد البحريني على العودة إلى مساره الطبيعي، ومنهم الخبير في بنك «ستاندرد تشارترد» «ماريوس ماراثافتس» الذي توقع نمواً بنسبة 5% خلال عام 2014، معزياً ذلك إلى زيادة إنتاج حقل أبو سعفة النفطي عام 2013 بنسبة 4.5% وانفتاح البحرين على الاقتصاديات العالمية مما يعزز من الثقة في أدائها، وهو ما أكدت عليه أيضاً رئيس مجلس إدارة شركة ميدبوينت الشيخة نورة بنت خليفة آل خليفة في تصريح لها أشارت فيه إلى حدوث تطورات نوعية في الاقتصاد الوطني في النصف الأول من العام 2013.
4- تأكيد الخبير الاقتصادي عضو الجمعية البحرينية لتنمية الصادرات الدكتور يوسف حامد المشعل تعافي الاقتصاد البحريني من جميع الآثار التي عصفت بقطاعها المالي والتجاري في السنتين الأخيرتين، وذلك في إشارة إلى ارتفاع فوائضها التجارية بواقع 7.5 مليار دولار ونمو الناتج المحلي الإجمالي بواقع 4.2% بالأسعار الثابتة و6.3% بالأسعار الجارية خلال النصف الأول من 2013 مقارنة بالفترة نفسها من 2012، إضافة إلى تدني معدل البطالة عند مستوى 3.6% لتكون من أدنى المعدلات العالمية وكبح جماح التضخم عند 2.5% فقط.
ولاشك أن هذه الشهادات والتقديرات المبشرة ترجع إلى برامج وجهود حكومية متواصلة، أمنية وسياسية واقتصادية، استهدفت ومازالت تحقق أكثر من هدف يقع في مقدمتها تحريك عجلة الإنتاج ومن ثم تنشيط الاقتصاد الوطني وتوفير احتياجات المواطنين، المعنوية قبل المادية، فضلاً بالطبع عن تثبيت حالة الطمأنينة التي بات يشعر بها الجميع بعد فترة من التوتر تعمد المؤزمون بثها في نفوس الآمنين، وإطلاق حزمة من المشروعات التنموية التي تسهم في الانتعاش الاقتصادي
المطلوب، ولعل من بين أبرز هذه الجهود التي تبدت خلال الفترة الأخيرة:
1- حزمة الإجراءات التحفيزية الأخيرة والتي لا يتسع المجال هنا لذكرها جميعاً، وإن كان على رأسها قرار مجلس الوزراء الأخير العمل وفق نظام جديد لرسوم هيئة تنظيم سوق العمل، وهو القرار الذي كان قد تم تمديد العمل به لأكثر من مرة بهدف إزالة وقع وتأثير الأحداث على المشروعات المتضررة ومن ثم خلق حالة من الطمأنينة في أوساط القطاعات الاقتصادية، وقد جاء هذا الإجراء في سياق تخفيف العبء عن رجال الأعمال والمشروعات المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص، خاصة الصغيرة منها، ورفع كفاءتها على تجاوز الصعوبات التي تواجهها، مثلما أشار إلى ذلك رئيس الغرفة التجارية في تصريح أخير له.
2- تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد الوطني، واستقطاب صناعات أساسية عديدة لا تعتمد النفط والصناعات التقليدية المعروفة مورداً له، من قبيل صناعة الألمنيوم وبناء وإصلاح السفن والحديد والبتروكيماويات وغيرها، وهي الصناعات التي سجلت تطوراً في مؤشراتها نقلتها التقارير في الفترة الأخيرة، ويشار هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى الارتفاع المتواصل في الصادرات البحرينية غير النفطية، والتي باتت تشكل 43% من إجمالي الصادرات.
والمعروف أن تنويع مصادر الدخل الوطني مكن البحرين من النجاح في جذب الاستثمارات الخارجية وخلق فرص عمل وإنتاج جديدة أشار إليها رئيس المنظمة العالمية للتنمية المستدامة في تصريح صدر مؤخراً وأثنى فيه على ما حققته المملكة من خطوات ملموسة في هذا الشأن، وهو الأمر ذاته الذي أكده بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) الذي اعتبر أن الاقتصاد البحريني شهد عام 2012 نمواً سريعاً في القطاع غير النفطي الذي ارتفع إجمالي ناتجه المحلي بحسب بيانات الجهاز المركزي للمعلومات إلى 6.7% عام 2012، مقارنةً بـ1.4% عام 2011.
3 ـ توصيات المجلس الوطني الأخيرة، سيما المتعلقة منها بالشق الاقتصادي، أو التي لها آثار اقتصادية معينة، وحقيقة الأمر أن تشديد العقوبات الرادعة ضد الأعمال الإرهابية كان مطلباً أساسياً ليس فقط للمواطنين والمقيمين سواء بسواء، وإنما لمجتمع الأعمال تحديداً، وكان هدفه النهائي زيادة أداء الاقتصاد الوطني بعد الشكاوى التي أطلقها تجار وصناعيون ورأسماليون بعد تهديدات الغلق والحرق التي كانت تأتيهم بسبب الممارسات غير القانونية التي مازالت بعض بقاياها قائمة إلى الآن، وكان ضحيتها مؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن العاملين فيها، وخاصة في العاصمة المنامة وغيرها.
ورأى التقرير أنه «نظراً للبديهية التي تؤكد أن رأس المال بطبيعته يتسم بالجبن والخوف، فقد أولت الدولة على نفسها اتخاذ ما يلزم لمواجهة الممارسات التي كانت تشكل أمراً مقلقاً للاقتصاد، وهو ما كان له عظيم الأثر في النجاحات المحققة على المستوى الاقتصادي والتي ظهرت في الآونة الأخيرة وتم التعرض لها في الجزء الأول من هذا التقرير».
ويشار إلى أن التفاؤل بوضع وأداء القطاعات التجارية والمالية وغيرها في ظل المعطيات الأمنية والسياسية القائمة يسهم في الثقة في الاقتصاد الوطني وقدرته على الأداء، وكذلك طمأنة رجال الأعمال ودفعهم لضخ رؤوس أموال جديدة في استثماراتهم ومن ثم توفير المزيد من فرص العمل والحد من التضخم وغير ذلك من آثار إيجابية يجدها ويتلمسها الشارع الآن في كل مظاهر حياته اليومية.
ولعل أبرز الدلائل على ذلك انتعاش رحلات السفر من قبل المواطنين بنسب تصل إلى 100% مقارنة مع العام الماضي، حسب تصريحات مختصين، ووصول نسبة إشغال القطاع الفندقي إلى أكثر من 90%، وبلغت 100% خلال إجازة عيد الفطر، وزيادة حركة المجمعات التجارية بالمقارنة بالعام الماضي(256 ألف زائر للسيتي سنتر ونحو 160 ألفاً لمجمع السيف).
وهو ما يضاف بالتأكيد إلى استعادة المملكة لعافيتها في تنظيم المؤتمرات والمعارض التي تطمح لتكون الخيار الأول في المنطقة في تقديم هذا النوع من الخدمات ذي القيمة المضافة، حيث ينتظر أن تستضيف البحرين منتدى تأمين المسؤوليات المهنية الذي تنظمه جمعية التأمين البحرينية في أكتوبر المقبل، كما يقام في المركز الدولي للمعارض والمؤتمرات معرض البحرين الدولي للتصاميم في ديسمبر المقبل، ناهيك عما تم تنظيمه خلال الفترة الأخيرة كالاجتماع التنسيقي لمنتدى الأعمال الخليجي التركي الثاني والمنتظر تنظيمه في البحرين نهاية أكتوبر 2013.