لاتزال صناعة الصيرفة الإسلامية في مستهل الطريق بالسوق الأفريقية مقارنةً بالنمو المتسارع للقطاع على الساحة العالمية، ما يحتم على أن تلعب خبرة الأسواق الشرق أوسطية دوراً كبيراً في تحويل السوق الأفريقية إلى سوق واعدة للمعاملات المالية الإسلامية.
فخلال مشاركتي في مؤتمر عقد مؤخراً في نيروبي حول واقع القطاع المصرفي الإسلامي، توافقت الآراء على أن السوق المالية الإسلامية في دول جنوب الصحراء الأفريقية في صدد الخروج من عنق الزجاجة بعد أن شهدت نمواً متباطئاً خلال السنوات الماضية، حيث لن يعود ذلك بالفائدة الكبيرة على المجتمع الإسلامي في المنطقة فحسب، بل أيضاً على كل من يسعى إلى تطوير السوق المالية في أفريقيا بما يواكب متطلبات المستهلكين.
ويبدو أن القطاع لايزال في مستهل الطريق في أفريقيا، في وقت حققت الأصول المالية الإسلامية حول العالم ارتفاعاً ملحوظاً لتصل إلى 1.3 تريليون دولار في نهاية العام الماضي. ولكن بالنظر إلى المعطيات الراهنة، من المتوقع أن ترتفع الأصول المالية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وغير القائمة على نظام الفائدة، بنسبة 10% في 5-6 دول من جنوب الصحراء الأفريقية، بما في ذلك كينيا ونيجيريا بحلول نهاية العقد الحالي.
وتم منح أول تراخيص للمصارف الإسلامية في كينيا منذ 5-6 أعوام، ما شكل انطلاقةً قوية من شأنها تسريع تحوّل السوق الأفريقية نحو صناعة الصيرفة الإسلامية بشكل يتفوّق على الأسواق الأخرى الأكثر مراساً في هذا المضمار، مثل باكستان وإندونيسيا.
وتعزى هذه التوقعات في المقام الأول إلى تزايد الطلب بين أوساط المستهلكين المحليين في القارة الأفريقية على اختيار الخدمات المصرفية التي تتوافق مع انتماءاتهم الدينية، على غرار المجتمعات المسلمة في معظم أنحاء آسيا ومنطقة الشرق الأوسط. وإن الحكومات والجهات التنظيمية في أفريقيا لم تعد تنظر لقطاع الصيرفة الإسلامية على أنه قطاع متخصص، بل تعكف اليوم على تطويره والارتقاء به إلى أعلى المستويات.
وتعتبر السندات الإسلامية أو ما يعرَف بـ»الصكوك» في نظر الجهات المختصة كالمصارف المركزية، بمثابة خيار محتمل للتمويل الحكومي. وقد دأبت هيئة الأوراق المالية والبورصة في نيجيريا إلى الموافقة على إصدار الصكوك الإسلامية في البلاد للمرة الأولى، على أن يتم الإصدار الأول في المستقبل القريب.
وتعتزم العديد من الدول الأفريقية الأخرى أن تحذو حذو كينيا التي أصدرت أولى تراخيص المصارف الإسلامية لديها منذ 5-6 سنوات وقامت في العام 2010 بتعديل القوانين المصرفية ذات العلاقة لتعزيز الانفتاح على الخدمات المصرفية الإسلامية. وتمكنت هذه الخدمات في غضون سنوات قليلة أن تحقق نمواً يقارب 2% في السوق الكينية حيث تبلغ نسبة السكان المسلمين نحو 10% من إجمالي التعداد السكاني.
من وجهة نظري، وإذا ما تم الاستفادة من الخبرات الواسعة لمنطقة الشرق الأوسط وبعض الدول الآسيوية في هذا المجال، فإن دول جنوب الصحراء الأفريقية ستحظى بفرصة كبيرة لتطوير بيئة صحية لقطاع الخدمات المصرفية الإسلامية بشكل يتجاوز ممارسات الأسواق العالمية الأخرى.
ومن بين أهم الدروس التي نستخلصها من هذه الخبرات الإقليمية هي ضرورة تأسيس هيكلية تنظيمية متوازنة منذ البداية. ولتحفيز الازدهار في هذا القطاع، ينصح ذوو الخبرات في الأسواق المصرفية المالية بدعم الانفتاح على المشاركين الجدد في الصيرفة الإسلامية.
فعلى سبيل المثال، لعبت المصارف الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط دوراً فاعلاً في تطوير حركة الصيرفة الإسلامية في الأسواق الآسيوية، بما في ذلك الأسواق الباكستانية والماليزية التي سمحت لهذا النوع من المصارف بالعمل جنباً إلى جنب مع نظيراتها المحلية.
أما النقطة الثانية، فتتمثل بأن قطاع الصيرفة الإسلامية سيحقق نمواً أسرع إذا تم ترويجه لجميع الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين على حد سواء على أنه الخيار البديل للمصارف التقليدية مع التركيز على خدماته القائمة على مبدأ تقاسم الأرباح وعدم التعامل بنظام الفائدة.
والأهم من ذلك، يتعين على الحكومات الأفريقية تشجيع تنمية الكفاءات المحلية في مجال الصيرفة الإسلامية، من خلال توفير الفرص الكافية لهم للتدريب وصقل مهاراتهم في الأسواق الأكثر خبرةً في المجال مثل البحرين ودولة الإمارات وماليزيا. ومما لا ريب فيه أن ذلك سيعزّز قدرة السوق المصرفية الإسلامية على الازدهار والتقدّم في أفريقيا.
ونحن، في «ستاندرد تشارترد»، ننظر بتفاؤل إلى أفريقيا ونتوقع أن تحتل الطليعة في هذا الميدان. ومن هنا نعلن عن إطلاق علامتنا التجارية «صادق» للخدمات المصرفية الإسلامية في السوق الكينية في المستقبل القريب، وذلك في إطار خططنا المستقبلية للتوسع إلى دول شرق وغرب أفريقيا.

الرئيس العالمي للخدمات المصرفية الإسلامية للأفراد في بنك «ستاندرد تشارترد صادق»