حاورها- براء ملحم:
وصفت الدكتور التونسية آمال القرامي «تاء الشباب» بالمبادرة التي قلبت الأدوار وجعلت المثقف مستهلكاً للمعلومة، مشيدة بمواكبة البحرين للتغيير الثقافي الشبابي. واعتبرت أن مطالبة المرأة بنفسها بحقوقها هوالمعول عليه لكسر نمطية المجتمع الذكوري، مطالبة بتغيير العقليات لتتعاطى مع الدساتير المتقدمة التي تقدمها بعض الدول العربية.
جاء ذلك في مقابلة لها مع الفريق الصحفي لتاء الشباب على هامش فعالية «غزل بنات» التي أقيمت يوم الخميس الماضي ضمن المبادرة الجديدة «جدليات».

في زيارتك الثالثة للبحرين؟ كيف ترى آمال القرامي المملكة؟
في الحقيقة أنا لا أرى من البحرين إلا الوجه الثقافي، لأن زياراتي الثلاث كانت ضمن نطاق ندوات ثقافية، وهذا يعكس عمق الثقافة في المجتمع البحريني.

ما رأيك في مبادرة الشباب البحريني في «تاء الشباب»؟
أنـــا سعيـــدة بلقائــي بالشبـــاب الذي يعطي فكراً ثانياً معبراً عن طموح واستفســـارات ومخــــاوف وأحــــــلام أجيال جديدة، وطريقة تفاعلها مع الأحداث، وما لفت انتباهي أن الشباب في دول «الربيع العربي» وجدوا أنفسهم مهمشين ونسبة الإحباط ترتفع لديهم يومياً بسبب إبعادهم وعزلهم، إلا أن الشباب في البحرين يعملون بشكل مغاير تماماً، فهم يبادرون ويصنعون ثقافات الغد، وبذلك انقلب الدور في هذه التجربة، فبدل أن يقدم المثقف المعرفة، أصبح هوالمستهلك والمتفاعل مع أصوات الآخرين.
تجربة «تاء الشباب» فريدة من نوعها، والبحرين قادرة على التعاطي مع مثل هذه المبادرات، لأنها فهمت أنه لطالما لم تتغير الثقافة وتواكب الحراك العربي، فمصير شبابها سيكون الإحباط كما حدث في الدول الأخرى التي ازدرت الثقافة.

كونك إحدى المثقفات العربيات، إلى أين وصلت المرأة العربية بثقافتها اليوم؟
لا يمكن أن نحكم على المرأة المثقفة بشكل عام، ولكن هناك مثقفات بدرجات متفاوتة، فالمثقفة في المغرب العربي مختلفة عن المثقفـــــــة الخليجيــــــة، فالسيـــاق الاجتماعــي الحضاري الثقافـي يسمح بانطلاق المرأة المثقفة وتحررها من أسر الصور النمطية المكبلة لتجاربها في بعض الدول، ولا زالت السياقات النمطية تحاصر المرأة في دول أخرى، فهناك مد وجزر في نهاية الأمر.
ومشاركـــة النســــــاء ومطالبتهــــن بحقوقهن ومشاركتهن بالإصلاح وبالبناء ودخولهن عالم الفن ومجال الإعلام، ما هوإلا دليل على كسر النمطية المحاطة بهن.

ما رسالتك لمن لا زال يحتفظ بعقلية «مكان المرأة بيتها»، وأنه لا مكان لها في عالم السياسة أوالثقافة؟
التاريخ يسير دائماً إلى الأمام، ولا يمكن أن يعود إلى الوراء، لكن هذا لا يعني عدم وجود انتكاسات استثنائية تعود إلى الوراء، إنما مصيرها إلى زوال لأنها شبه محاولات للسير ضد التيار، وأعتقد أن عودة النظام البطريكي هومحاولات لترميم ما تبقى إزاء مسألة جوهرية متمثلة بخوف المجتمعات التقليدية مما وصلت إليه المرأة من تتطور ووعي، ومن تحقيق لمكاسب وطموحات أثبتت من خلالها جدارتها وكفاءتها.
وأعتقد أن المعول عليه هي المرأة، لأنها طالما لم تدافع عن حقها في المواطنة الكاملة وفي المساواة، ستبقى رهينة محبس التقاليد والعادات.
كما تجب تنمية الوعي، لأن الإنسان من غير وعي لا يستطيع أن يصمد في هذه الحياة، لذلك نحتاج للمعرفة وللغذاء الروحي والثقافي والفكري، والثوابت التي نؤمن بها، طالما لم تحتك بأفكار مختلفة من الآخر، تظل هشة لا تستطيع الدفاع عن نفسها، فلا يمكن للمرأة أن تبقى في بيتها مغلقة نوافذها على نفسها صانعة لمركزية أنوثتها، إذ لابد لها أن تحتك بالآخر، لأن الإنسان يبني وجوده لمعرفته بالآخر.

هل السينما والدراما والمسرح والفنون بشكل عام، أعطت الصورة الحقيقية للمرأة المثقفة، أما أنها حتى الآن تتغاضى عنها؟
في الفنون بصفة عامة، لم ترقَ المرأة بعد إلى أنموذج يظهر الحراك النسائي المسجل في البلدان العربية، وهناك حجب على الصور المشرقة، فنحن في السينما والدراما نركز علـــى الجوانـــب السيئـة، أوالجوانب التقليدية كالأم المكافحة أوالأرملة المدافعة عن حقوق أبنائها، إلى غير ذلك من صور تعكس أحلاماً تلبي استهلاك المجتمع العربي الذكوري لحاجات نفسه، وبمواكبتي للدراما المصرية خاصة والدراما السورية، يتضح أننا بصدد بناء المجتمع الذكوري من جديد، وعلى الدراما أخذ منحى معاكس لتساهم في حلحلة المجتمع الذكوري، بتسليط الأضواء على النماذج المشرقة من المرأة.

هناك عدد من المعوقات في طريق المرأة سواءً كانت مثقفة أم لا، فما هي الرسالة الموجهة للمثقفين للتخلص من هذه المعوقات؟
هناك عدد من المعوقات الجديدة التي تطرأ، والمعوقات في الحقيقة هي سلسلة تتقلص وأحياناً تعود بكثافة، والسبب يعود إلى أن مستوى الوعي والتشبث بالحقوق ورؤية المرأة لذاتها ولحياتها مختلفة تماماً بين جيل وجيل، فهناك جيل لم يعد يؤمن بالنضال ويبحث عن الترف والاستمتاع بوقته، مقابل فئة تمارس المقاومة من أجل غدٍ أفضل.

في فعالية «غزل بنات» بمبادرة «جدليات»، وبالتحديد عند نقاش محور «المرأة وأشكال التعسف»، وتعاطيكم مع نقطة استلاب المرأة الفكري والنفسي والاجتماعي، وبالرجوع إلى الخلف، نجد وضع المرأة دائماً يدل على القهر، فهل يزداد هذا الوضع أم ينقص وفق ما طرحتموه في المناقشة؟
لا يمكن أن نعرف بدقة نظراً لغياب الإحصاءات، فنحن مجتمعــــات لا تدرس، ولكن بشكل عام، النسب متفاوتة من جيل إلى جيل، ولا نفقد الأمل لأن الصورة متحركة وليست ثابتة.

القوانين المدنية التي شرعتها الحكومات، هل ساعدت بإنصاف المرأة أم أنها لم تنصفها؟
هنــاك فجــوة بيــن النــص القانوني وبيـــن الواقـــع الاجتماعــي، هنــاك نصوص في دساتير ممتازة، فعلى سبيل المثال: كان لنا حقوق في دستـــــور 59 فــي تونـــس، ولكــــن على مستوى التطبيق، فللأسف لا يطبق، فالإنصـاف ليــس بالنصــوص القانونية إنما في العقليات، فطالما أننا لم نشتغل على تغيير الذهنيات بالدراسة وتغيير أساليب التربية وبمنظومة الإعلام الملتزم بقضايا بناء الإنسان، طالما أننا لم نشتغل على كل هذه الجوانب، فستبقى المسائل بطبيعتها متعثرة، فلا حاجة إلى دساتير حبر على الورق، بل نحن نحتاج إلى العقل الذي سيتولى قراءة هذه النصوص القانونية وتطبيقها على أرض الواقع.

هناك العديد من المجتمعات في الوطن العربي للأسف تحاول هدم عزيمة النساء، ولكن هل هناك مجتمعات عربية تحاول بناء عزيمة المرأة؟
بعزيمة النساء وبالمنظمات النسائية العتيدة الصلبة، نستطيع أن نشتغل ضد التيار، هناك عقبات، ولكن بالفعل هناك مجتمع مدني قوي يستطيع أن يصمد، بسبب وجود أصوات النساء المتمــردات علــى الارتهــان وعلــى الاستلاب، وللأسف الإعلام لا يواظب ويسلط الضوء على هذه القدرات النسائية.
ما هي الكلمة التي تودين توجيهها للمرأة بشكل عام؟
أن تنحت ذاتها من الصخر، لأن بناء الذات ليس عملية يسيرة، وليست بحفظ بعض الكلمات والشعارات، بناء الذات مغامرة أليمة وفيها تقديم ثمن، وأحياناً يكون غالياً، ولن نصل إلى ما نريده دون عناء ومشقة، ودون تحمل نظرات الآخر الذي يحاسبك يتهمك ويشوه صورتك ويقلل نظام أمانك العائلي.