عواصم - (وكالات): قالت الولايات المتحدة أمس إن استخدام قوات النظام السوري لأسلحة كيميائية ضد مدنيين هو أمر «شبه مؤكد»، منتقدة موافقة النظام السوري «المتأخرة» على أن تقوم الأمم المتحدة بتفتيش الموقع الذي شهد هجوماً كيميائياً مفترضاً قبل أيام في ريف دمشق. وفي وقت سابق، أعلنت السلطات السورية أنها توصلت إلى اتفاق مع الأمم المتحدة للسماح لخبرائها بالتحقيق في الاتهامات الموجهة إلى النظام باستخدام أسلحة كيميائية في ريف دمشق قبل 4 أيام، في ظل حركة اتصالات دولية ضاغطة حول خيارات الرد على هذا الهجوم ومن بينها الخيار العسكري. وأعلنت الأمم المتحدة أنها ستبدأ التحقيق اليوم،
وفي حين حذرت موسكو من «خطأ مأسوي» يتمثل بعملية عسكرية محتملة بسوريا، داعية إلى العقلانية، أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن النظام السوري استخدم السلاح الكيميائي، وأعلن أنه «على اتصال وثيق مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما للرد بشكل مشترك على هذا الاعتداء غير المسبوق».
في غضون ذلك، قتل محافظ حماة الدكتور أنس الناعم في تفجير سيارة مفخخة في المدينة وسط البلاد، بحسب ما ذكر التلفزيون الرسمي، متهماً «إرهابيين» باغتياله.
وقد أوضحت تقارير أن التصريحات الأخيرة لواشنطن تمثل تصعيداً في الموقف الأمريكي إثر الهجوم الذي شهدته منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق الأربعاء الماضي وأسفر عن 1300 قتيل بحسب الائتلاف السوري المعارض، في ظل تأكيد واشنطن استعدادها لكل الخيارات بما فيها العسكرية للتعامل مع النزاع السوري.
وقال مسؤول أمريكي طالباً عدم كشف اسمه أنه استناداً إلى التقارير الواردة بشأن أعداد الضحايا والعوارض التي ظهرت عليهم، واستناداً إلى المعلومات الاستخبارية الأمريكية والأجنبية، «بات من شبه المؤكد في هذه المرحلة أنه تم استخدام أسلحة كيميائية من جانب النظام السوري ضد مدنيين في هذه الحادثة».
وأشار المسؤول إلى أن واشنطن أخذت علماً بالموافقة السورية على السماح لمفتشي الأمم المتحدة بمعاينة موقع الهجوم المفترض في ريف دمشق، إلا أنه اعتبر أن هذا الموقف جاء متأخراً للغاية ومفتقداً للصدقية.
وأعلنت الأمم المتحدة أن خبراءها سيباشرون منذ اليوم التحقيق في التقارير حول استخدام أسلحة كيميائية في ريف دمشق بعدما أعطت الحكومة السورية موافقتها على ذلك.
وفي واشنطن، كثف السيناتوران الجمهوريان النافذان ليندسي غراهام وجون ماكين ضغوطهما على الإدارة الديمقراطية، ووجها في بيان دعوة إلى «تحرك عسكري محدود في سوريا بهدف توفير الظروف لحل تفاوضي للنزاع وإنهاء نظام الرئيس بشار الأسد». وفي دمشق، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية قوله «تم الاتفاق اليوم في دمشق بين الحكومة والأمم المتحدة على تفاهم مشترك يدخل حيز التنفيذ على الفور حول السماح لفريق الأمم المتحدة برئاسة البروفسور آكي سيلستروم بالتحقيق في ادعاءات استخدام الأسلحة الكيميائية» في ريف دمشق. وأوضح المصدر أن الاتفاق تم خلال اجتماع بين ممثلة الأمم المتحدة لقضايا نزع السلاح أنجيلا كين ووزير الخارجية وليد المعلم. وسارعت الولايات المتحدة الى التشكيك في الموقف السوري. وقال مسؤول أمريكي كبير «لو لم يكن للحكومة السورية ما تخفيه وأرادت أن تثبت للعالم أنها لم تستخدم أسلحة كيميائية في هذا الحادث، لكانت أوقفت هجماتها على المنطقة ومنحت الأمم المتحدة وصولاً فورياً إليها قبل 5 أيام»، معتبراً أن الموافقة «جاءت متأخرة الى درجة لا يمكن تصديقها». وتحدث الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عن «مجموعة من الأدلة» تفيد أن الهجوم الذي وقع الأربعاء الماضي في ريف دمشق كان «ذا طبيعة كيميائية» وأن «كل شيء يقود إلى الاعتقاد» بأن النظام السوري «مسؤول» عنه. وشهدت الساعات الماضية حركة دبلوماسية ناشطة تناولت كيفية التعامل مع المسألة. وأعلن عن 4 اتصالات تمت أمس الأول بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره السوري وليد المعلم. كما أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تباحثا هاتفياً في «الردود المحتملة» على الاستخدام المفترض من جانب النظام السوري للسلاح الكيميائي. وقالت رئاسة الوزراء البريطانية إن «استخداماً كبيراً للأسلحة الكيميائية يستحق رداً جاداً من المجتمع الدولي».
وصرح وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل أن القوات الأمريكية مستعدة للتحرك ضد النظام السوري، مشيراً إلى أن واشنطن ما زالت تقيم خياراتها، وإلى أن أوباما «طلب من وزارة الدفاع إعداد خيارات لكل الحالات».
في المقابل، حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش «من يتحدثون عن إمكان شن عملية عسكرية في سوريا عبر محاولتهم مسبقاً فرض نتائج التحقيق على خبراء الأمم المتحدة، إلى التحلي بالعقلانية وعدم ارتكاب خطأ مأسوي». كما حذرت روسيا من تكرار «مغامرة العراق».
ودعت موسكو من جهة ثانية المعارضة السورية إلى السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالتحقيق في المزاعم حول استخدام أسلحة كيميائية في ريف دمشق «في شكل آمن تماماً» وعدم ممارسة «استفزازات مسلحة ضدها على غرار ما حصل مع بعثة مراقبي الأمم المتحدة في الصيف الماضي».
وأعلن رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الروسي «الدوما» اليكسي بوشكوف أن الرئيس باراك أوباما يدفع الولايات المتحدة باتجاه «حرب غير مشروعة» في سوريا فيما يشبه تحركات الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش قبل غزو العراق. وحذرت إيران، حليفة النظام السوري، من «تداعيات شديدة على البيت الأبيض» إذا تجاوزت واشنطن «الخط الأحمر» في سوريا.
ودعت جامعة الدول العربية إلى عقد «اجتماع عاجل» على مستوى المندوبين لمجلس الجامعة غداً الثلاثاء في القاهرة بهدف البحث في «ما تداولته وسائل الإعلام حول الجريمة المروعة التي وقعت في منطقة الغوطة الشرقية بدمشق وأودت بحياة مئات الضحايا الأبرياء جراء استخدام السلاح الكيماوي».
ودعا الأردن إلى معاقبة من يثبت تورطه باستخدام أسلحة كيميائية في سوريا وذلك قبيل استضافته اجتماعاً دولياً لرؤساء أركان جيوش عدد من الدول بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لبحث تداعيات النزاع السوري.
واتهمت المعارضة السورية النظام بشن هجوم كيميائي الأربعاء الماضي على مناطق في الغوطة الشرقية وجنوب غرب دمشق أسفر عن وقوع 1300 قتيل. وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان 322 قتيلاً موثقة أسماؤهم.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن 355 شخصاً توفوا من أصل 3600 نقلوا إلى مستشفيات في ريف دمشق بعدما ظهرت عليهم «عوارض تسمم عصبي». في الوقــت ذاته، توعدت جبهة النصرة بالثأر من «الهجوم الكيميائي» على ريف دمشق الذي تتهم المعارضة السورية النظام بتنفيذه، عبر استهداف القرى العلوية.
وفي تسجيل صوتي نشر على مواقع إسلامية إلكترونية، أعلن زعيم النصرة أبو محمد الجولاني عن «سلسلة غزوات العين بالعين».
من جانب آخر، قالت مصادر في المعارضة السورية إن داعميها في الدول العربية أرسلوا 400 طن من الأسلحة إلى مقاتليها في سوريا في واحدة من أكبر الشحنات التي وصلتهم منذ بدء الانتفاضة المناوئة للرئيس بشار الأسد قبل أكثر من عامين. ميدانياً، أطلقت القوات النظاميـــة السورية صواريخ أرض أرض على الغوطة الشرقية في ريف دمشق، منطقة «الهجوم الكيميائي» المفترض. فيما تستمر الاشتباكات بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة في داريا ومعضمية الشام.
وأعلن المجلس العسكري لدمشق مقتل 15 عنصراً من «حزب الله» من لواء أبو الفضل العباس في معارك بالسيدة زينب بريف دمشق، كما أفاد بأن الجيش الحر سيطر على مشفى الخميني. وفي الفاتيكان، دعا البابا فرنسيس إلى «إسكات صوت الأسلحة» في سوريا.