عواصم - (وكالات): تسعى واشنطن وباريس للحشد الدولي من أجل توجيه ضربة عسكرية محددة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بعد أن أصدرت الاستخبارات الأمريكية تقريراً، أكد قتل نظام الأسد 1429 شخصاً بينهم 426 طفلاً في هجوم بأسلحة كيميائية في ريف دمشق الأربعاء الماضي. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن «العملية العسكرية ضد سوريا ستكون محددة الهدف ولن تشارك فيها قوات على الأرض»، مضيفاً أن «واشنطن تعول على حلفائها وهم فرنسا والجامعة العربية وأستراليا»، فيما شدد على أن «التدخل العسكري سيكون بمثابة رسالة إلى إيران وحزب الله اللبناني». ووعد كيري بأن «الولايات المتحدة لن تكرر تجربة الحرب في العراق». من جانبه، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه «لم يتخذ قراراً نهائياً بشأن الرد على استخدام الأسلحة الكيمائية في سوريا وإنه يتطلع إلى تحرك محدود وليس التزاماً مفتوحاً».
وأعلنت فرنسا أنها «مصممة على ضرب الأسد ولن تتأثر بموقف بريطانيا التي قررت عدم المشاركة في عملية عسكرية ضد سوريا تحت ضغط برلمانها». كما أكدت الحكومة الألمانية أنها لن تشارك في تدخل عسكري في سوريا. بدوره استبعد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن مشاركة مباشرة للحلف في ضرب الأسد. وقد أنهى خبراء الأمم المتحدة عملهم في سوريا وسيغادرون البلاد اليوم ويعتزمون إصدار تقرير سريعاً بشأن الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيميائية، وفقاً للأمم المتحدة.
وتوجه محققو الأمم المتحدة حول الأسلحة الكيميائية في اليوم الأخير لمهمتهم في سوريا، إلى مستشفى مزة العسكري قرب دمشق لمعاينة مصابين يشتبه في أنهم تعرضوا لغازات سامة، وفق مصدر أمني.
في المقابل، أعلنت دمشق رفضها أي «تقرير جزئي» للمفتشين، مشددة على ضرورة انتظار «التحاليل المخبرية» للعينات التي جمعتها البعثة. في الوقت ذاته، قالت مصادر مطلعة إن «السعودية رفعت مستوى التأهب العسكري تحسباً لضربة عسكرية غربية ضد الأسد».
وقال تقرير الاستخبارات الأمريكية نشر أمس إنه يمكن «بقدر عال من الثقة» تحميل النظام السوري مسؤولية الهجوم الكيميائي الذي نفذ في 21 أغسطس الماضي قرب دمشق، لافتاً إلى أنه أسفر عن 1429 قتيلاً بينهم 426 طفلاً. وأفاد التقرير الذي نشره البيت الأبيض واستند في معلوماته إلى «عدة» مصادر استخباراتية أن نظام بشار الأسد استخدم في هذا الهجوم غازات الأعصاب، مستبعداً «في شكل كبير» أن يكون المعارضون السوريون قد شنوا الهجوم.
وأنهى التقرير أن «الخلاصة التي خرجنا بها على قدر عال من الثقة بأن النظام السوري ارتكب الهجوم وهو الموقف الأكثر حزماً الذي يمكن أن تتخذه مجموعة وكالات الاستخبارات من دون التمكن من تأكيدها».
من جانبه، أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مقابلة نشرتها صحيفة «لوموند» الفرنسية أن رفض مجلس العموم البريطاني مشاركة حكومته في عملية عسكرية ضد سوريا لن يؤثر على موقف فرنسا الداعي إلى تحرك «ملائم وحازم» ضد دمشق.
وجدد هولاند التأكيد أن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، ولم يستبعد شن ضربات قبل الأربعاء المقبل، وإن رجح عدم حصول أي تدخل من هذا النوع قبل مغادرة خبراء الأمم المتحدة سوريا.
من جهته، تعهد رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون باحترام إرادة النواب بعد أن رفض مجلس العموم البريطاني بأكثريته السماح للحكومة بتوجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري. في الوقت ذاته، أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل من مانيلا أن الولايات المتحدة لاتزال تسعى إلى تشكيل «تحالف دولي» للرد على الهجوم المفترض بالسلاح الكيميائي في ريف دمشق في 21 الجاري. وأجرى البيت الأبيض مشاورات مع قادة الكونغرس حول الهجوم الكيميائي في وقت يزداد احتمال قيام واشنطن بعمل عسكري أحادي ضد سوريا بعد تلويح الرئيس باراك أوباما بـ «ضربة تحذيرية».
وأعلن البيت الأبيض أن أوباما يحتفظ بحقه في أن يتحرك بشكل أحادي ضد النظام السوري، من دون الحاجة إلى انتظار الأمم المتحدة أو حلفائه مثل بريطانيا.
وفي أنقرة، أكد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أنه بحسب المعلومات التي جمعتها الاستخبارات التركية، ليس هناك أدنى شك في مسؤولية النظام السوري عن الهجوم الكيميائي. وأكدت الحكومة الألمانية أنها لن تشارك في عمل عسكري في سوريا، بعد أن كانت أعلنت دعمها لـ «تحرك» الأسرة الدولية للرد على «الهجوم الكيميائي».
كما أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسن لوسائل إعلام دنمركية أن استخدام النظام السوري المفترض للأسلحة الكيميائية يتطلب رداً من المجتمع الدولي، لكنه استبعد مشاركة مباشرة للحلف الأطلسي.
في المقابل، حذر المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف من أن «التحركات التي تتجاوز مجلس الأمن الدولي، إذا تمت، ستشكل مساساً خطيراً بالنظام القائم على الدور المركزي للأمم المتحدة وضربة خطيرة للنظام العالمي». وقالت الصين إنه ينبغي عدم الضغط على مجلس الأمن الدولي للسماح بتحرك عسكري في سوريا حتى يكمل خبراء المنظمة تحقيقاً في استخدام أسلحة كيماوية. وأعرب مسؤول في الائتلاف السوري المعارض عن «أسفه» لموقف مجلس العموم البريطاني، معرباً عن اعتقاده أن هذا الرفض لن يعرقل الاستعدادات الغربية المتزايدة لتوجيه الضربة. وفي تداعيات الضربة الغربية المحتملة في سوريا على لبنان المجاور، نصحت بريطانيا رعاياها بتجنب «السفر غير الضروري إلى لبنان» بسبب «المخاطر الناجمة عن ازدياد المشاعر المعادية للغرب» جراء احتمال القيام بعمل عسكري في سوريا. كما قررت الكويت والإمارات إجلاء رعاياهما من لبنان.
وفي الأراضي المحتلة، قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إنه تم نشر بطارية من منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ في تل أبيب استعداداً للضربة العسكرية الغربية المحتملة ضد سوريا.
على الأرض، تدور اشتباكات عنيفة عند محاور معضمية الشام جنوب غرب دمشق التي تحاول قوات النظام التقدم فيها تترافق مع قصف جوي وصاروخي، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان وناشطين.
والمعضمية هي إحدى المناطق التي شهدت القصف المفترض بالسلاح الكيميائي، وقد زارها محققو الأمم المتحدة الاثنين الماضي وأخذوا عينات من تربتها ومن المصابين فيها.
وقد أعلن موظفو الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة أنهم يواصلون عملهم في سوريا رغم مخاطر تدخل عسكري أجنبي ضد هذا البلد، وفق ما ذكره المتحدثون باسم الوكالات في جنيف.
وفي نيويورك، تظاهر مئات في ساحة تايمز سكوير للتعبير عن رفضهم لأي تدخل عسكري أمريكي محتمل في سوريا ضد نظام الأسد.