الوحدة الوطنية هي أحد أهم مقومات أي وطن قوي، فهي مصدر تقدمه وازدهاره، هذه الوحدة التي تتجسد في تلاحم الشعب مع بعضه البعض أو بينه وبين القيادة الوطنية. ووجودها يساعد على تحقيق الأمن وضمان الطمأنينة بين ربوع الوطن باعتبار أن الشعب يؤمن بواحديته ويؤمن بتعدده السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولكن في إطار منظومة الوحدة الوطنية التي لا تفرق بين أحد إلا على أساس الكفاءة والإنجاز وما يقدمه للوطن من خدمات تدفعه إلى الأمام. فالوحدة الوطنية تعني وجود وطن واحد موحد من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب يسكن فيه شعب يربطه تاريخ مشترك ومصير مشترك ومصالح مشتركة. ويتألف مفهوم الوحدة الوطنية من عنصرين هما الوحدة وهي التي تجمع الأشياء المتفرقة، والوطنية هي انتماء الإنسان إلى دولة معينة، يحمل جنسيتها ويدين بالولاء إليها، على اعتبار أن الدولة ما هي سوى جماعة من الناس تستقر في إقليم محدد وتخضع لحكومة منظمة.
ونظراً للأهمية التي يحتلها هذا المفهوم في تاريخ الأمم والشعوب فقد أسهم في تعريفها وتوضيح مقصدها العديد من المفكرين والكتاب على مر التاريخ، وإن اختلفت تعريفاتهم بحسب السياق التي قيلت فيه وبحسب التطورات التي جرى فيه تناول مثل هذه القضية، فقد ربط المفكر الإسلامي الأشهر أبو حامد الغزالي تحقق الوحدة الوطنية بوجود الحاكم (الإمام)؛ لأنه -في رأيه- هو أساس وحدة الأمة، ومحور اتفاق الإدارات المتناقضة، والشهوات المتباينة المتنافرة وذلك لجمعه أبناء الأمة حول رأى واحد، وتعود هذه الوحدة الوطنية إلى مهابة الحاكم وشدته وتأييد الأمة له من خلال تعاقد سياسي بين الرعية وبين الحاكم، على شرط أن يقوم هذا التعاقد على الرضا لا على الإكراه، وهو الأمر الذي يراه الغزالي كافياً للقضاء على التشتت وتحقيق التضامن بين أعضاء الجماعة الوطنية حول سلطتهم.
ومن المفكرين الغربيين كان إسهام أحد أكثر المفكرين إثارة للجدل وهو نيقولا ميكيافلى والذي رأى أن مفهوم الوحدة الوطنية يعني ارتقاء الحاكم في الدولة إلى درجة القداسة، لأنه محور الوحدة الوطنية في الدولة، وهناك ضرورة في رأيه لإذعان المحكومين لهذا الحاكم وخشيتهم منه والتي يعتقد أنها من ضرورات تحقق هذه الوحدة، لأن الأخذ بآرائهم سيؤدي إلى الفوضى والاضطراب. وقد شاطره رأيه هذا توماس هوبز حيث رأى أن الوحدة الوطنية: هي سيطرة الدولة وزيادة مقوماتها من خلال الحكم المطلق الذي سيسهم في إضعاف المناوئين أو المنافسين لها، ويرى أن على الدولة غرس صفات الولاء وحب الوطن عند الأفراد عن طريق برامج التعليم والتدريب والتوجيه السياسي. إلا أن الأمر اختلف كثيراً مع المفكر الفرنسي جان جاك روسو والذي رأى في الوحدة الوطنية عبارة عن عقد اجتماعي بين الشعب والنظام السياسي القائم، بحيث يتوحد الشعب في وحدة قومية مصيرية، وفى إطار من مسؤولية مشتركة يطيع فيها الفرد الحكومة، التي هي نظام اجتماعي ارتضاه عن طواعية واختيار، والربط بين السيادة في توحيد الشعب وقيمه، والتعبير عن إرادته المندمجة في الإرادة العامة، التي هي -في رأيه- عبارة عن محصلة إيرادات الأفراد، والتي تختلف في مجموعها عن الإيرادات الفردية على اعتبار أنها ليست تعبيراً عن شيء عفوي طارئ، وإنما هي تعبير عن الوطنية التي تستند إلى القيم والمثاليات، وقد زاد روسو على ذلك بالربط بين الوحدة الوطنية والديمقراطية من خلال وجود حكومة ديمقراطية يستطيع الشعب في ظلها أن يجتمع، وأن يتمكن كل مواطن من التعرف على غيره من المواطنين. وبتقريب الصورة من مملكة البحرين فنلحظ أنها تنطبق عليها كل مقومات الوحدة الوطنية فمعظم سكانها يدينون بالإسلام. الذي جعله المشرع البحريني مصدراً رئيساً للتشريع. كما إن أرضها منبسطة بالشكل الذي يسمح بقدر كبير من التلاقي والاندماج بين أبناء المملكة. كما يعتبر جزءاً أصيلاً من الثقافة الوطنية البحرينية طاعة القادة حيث يعتبر ذلك أحد أهم مقومات الوحدة الوطنية، فالعلاقة بين الحاكم والمحكومة ليست كأية علاقة أخرى في دول أخرى فهي علاقة تقترب من العلاقة الأبوية حيث الحاكم يجمع بين صفات القائد السياسي وكبير العائلة الذي يجله الجميع ويحترمه. إلا أن الحفاظ على الوحدة الوطنية في المجتمع البحريني تقتضي مشاركة المواطن في تطوير وطنه والمحافظة عليه وعلى استقراره وإنجازاته والتي تعتبر أحد مقومات الوحدة الوطنية، ويظهر ذلك من خلال الحرص على الأمن الفكري والاقتصادي والاجتماعي للوطن ونشر المحبة بين أفراده. وحماية البناء الداخلي ممن يحاولون هدمه أو إعاقته وهي لا تعتبر مهمة تتعلق فقط برجال الأمن بل تمتد أيضاً إلى المجتمع الذي صار عليه دوراً يقتضى منه الحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضيه. ولنجعل من مملكتنا الفتية وطناً يتسع للجميع في جو يسوده قيم الحب والتسامح وقبول الآخر.
عائشة رشدان
باحثة / معهد البحرين للتنمية السياسية