بقلم: د.عائشة عبدالعزيز الشيخ
لكل نصف نصف آخر والنصف الآخر تعبير مجازي لشريك الحياة والذي قد قد يجده البعض ويرتبط به وقد لا يتسنى لبعضنا الآخر الارتباط به فتبقى صورته ضبابية وجميلة ومجرد حلم. وقد يكون هذا النصف أو الشريك مكملاً للحياة الزوجية والعلاقة العاطفية بمعنى أنه نصف مطابق ليس بالضرورة في الشكل أو المضمون، ولكن في المشاركة الوجدانية والتواصل الفكري والروحي والسكن النفسي والتعايش والاحتياج للجزء الآخر، وهنا يمكن القول إن شريك الحياة هو النصف.
أما إذا كان هذا الشريك مجرد آخر أي أنه شخص لا يجمعك معه إلا الجسد فما تلبث تلك الصورة وهذا المجاز عن النصف الآخر أن يذوب لتتحول العلاقة الزوجية إلى جفاف وجفاء. فكل منا عند الزواج والارتباط يحلم برومانسية مطلقة وبحياة شاعرية يملؤها البنين والبنات كما في الحكايات، وكلنا يعلم أنه لابد من التعايش مع الواقع في معظم الأوقات، إلا أنه دائماً ما يعشم نفسه بتلك السعادة الأزلية الحالمة. فهو على يقين من حسن اختياره وأن رحلته الزوجية قد بدأت من مرفأ مشترك مع نصفه وبأحلام واسعة هانئه، وستكون حتماً الصدمة الأولى للزواج عندما يختار أحد النصفين مركباً ووجهة مختلفة عن الآخر ليترك الشريك في حيرة وضياع فهو ليس حراً كما كان وليس شريكاً مع الآخر، بل هو حبيس بين القفص والحرية. فهو تارة حر في تفكيره وحياته ومشاعره الفارغة والتي لا يشاركها الشريك، وتارة أخرى مشدود الوثاق للحقيقة الزوجية.
فكثير من المتزوجين يعيش هذا التناقض العاطفي، فهو تارة تشده العشرة والحاجة للرفقة، وتارة أخرى يحطمه الشعور بالإهمال والبعد والتفرد والتجافي من الطرف الآخر ليتركه للوحشة والوحدة التي تركها للحياة الجديدة. وكوقفة مع النفس يراجع بعض المتزوجين اختياراتهم ويعيدون حساباتهم للبحث عن الخطأ في هذا الواقع مما قد يدفع بالبعض منهم للعيش في الماضي مع قصص فاشلة وحكايات لم تكتمل بالزواج وبأمنيات يعتقدون أنها لو تحققت لأصبحوا اليوم أسعد البشر، متناسين حقيقة أن المشاعر بين نصفي الزواج تمر بمواسم تماماً كالطقس صيفاً ملتهب المشاعر وربيعاً يكون أخضر سعيداً وشتاءً وخريفاً.
فأحياناً يشعر المتزوجون بأن الشريك هو النصف الآخر المكمل والمجمل للحياة، وأحياناً أخرى هو الغريب والبعيد لا الحبيب، ووجود هذا التنوع في طقس الحياة الزوجية مهم لكسر الجمود والرتابة واستعادة حيوية الروح. الخوف الحقيقي عندما يعم الخريف ويمتد لأيام وشهور وسنوات وتسقط أوراق العشرة وتبرد أطراف الزواج، عندها فقط تقترب نهاية الحياة الزوجية ويخيم الظلام القاتل ويبحر الطرفان إلى عالمين مختلفين لا يجمعهما الكثير، ليعم الصمت وتصدأ المشاعر وتتعطل حركة الزمن ويحل الفراغ والجفاف العاطفي معلناً النهاية.