عواصم - (وكالات): نفت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أن تكون قد تسلمت «خطة» من الجانب الروسي، بشأن اقتراحه الخاص بوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، إن هناك مشاورات تجري حالياً مع الجانب الروسي، الذي قدم أوراقاً دبلوماسية، حول حل سياسي لملف الأسلحة الكيميائية السورية.
إلا أن المتحدث الأمريكي نفى علمه بقيام روسيا بتسليم الولايات المتحدة «خطة رسمية متكاملة»، وتابع بقوله «أعتقد أننا لسنا في مرحلة يمكن معها أن نطرح أوراقاً عامة على طاولة النقاش».
وفيما تتخوف إدارة أوباما من أن الاقتراح الروسي قد يكون «تكتيكاً» لكسب المزيد من الوقت، فقد أشار كارني إلى أنه «من الواضح أن المسألة ستأخذ بعض الوقت»، لتقييم ما إذا كان هناك تقدم ملموس على الصعيد الدبلوماسي. و قال مصدر روسي في وقت سابق إن «بلاده سلمت الولايات المتحدة خطتها لوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت رقابة دولية وتعتزم بحثها اليوم في جنيف»، فيما نفت الإدارة الأمريكية أن «تكون وجدت بالصدفة في المبادرة الروسية وسيلة لتفادي مأزق الخيار العسكري ضد سوريا»، مؤكدة أن «مسألة ضمان أمن الأسلحة الكيميائية السورية كانت موضع بحث مع الروس منذ أشهر». في الوقت ذاته، قال دبلوماسيون إن مندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن سيعقدون اجتماعاً في نيويورك لمناقشة خطط وضع أسلحة سوريا الكيماوية تحت الرقابة الدولية، بناء على مشروع قرار فرنسي.
من جهته، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن «الوقت مازال مبكراً لمعرفة ما إذا كانت الخطة الروسية يمكن أن تجنب نظام الرئيس بشار الأسد ضربة عسكرية أمريكية، لكنه تعهد بإعطاء الدبلوماسية فرصة مع إبقاء «الضغط» العسكري، على غرار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي عقد اجتماعاً لمجلس دفاع مصغر في باريس. وأعلنت الرئاسة الفرنسية أن باريس تبقى «مستعدة للمعاقبة على استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية وردعه عن القيام بذلك مجدداً».
وأبقى معارضو ومؤيدو الضربات على سوريا في الكونغرس الأمريكي على مواقفهم بعد خطاب أوباما لكنهم وافقوا على قراره استكشاف فرص التخلص من المخزون السوري للأسلحة الكيميائية قبل شن أي عملية عسكرية. وقد أرجأ مجلس الشيوخ حتى الأسبوع المقبل بطلب من أوباما تصويتاً على مشروع قرار يجيز استخدام القوة. ويطالب مشروع قرار لمجلس الأمن أعدته فرنسا بشأن دمشق بإعلان كامل عن برنامجها الكيماوي خلال 15 يوماً وفتح جميع المواقع المتعلقة به على الفور أمام مفتشي الأمم المتحدة وإلا واجهت إجراءات عقابية. من جانب آخر، عددت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في تقريرها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في البلاد على يد قوات الأسد وجماعات المعارضة، إلا أنها لم تقدم نتيجة نهائية بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية.
وفي ختام 48 ساعة من النشاط الدبلوماسي المكثف الذي أدى إلى إبعاد خطر شن ضربة عسكرية آنية على سوريا، اعتبر الرئيس الأمريكي أن العرض الروسي بوضع ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية يشكل إشارة «مشجعة». وقدم أوباما في خطاب إلى الأمة أوضح رد عرضه حتى الآن على هجوم بالأسلحة الكيميائية استهدف مدنيين الشهر الماضي في ريف دمشق، بعد عدة أيام من الدبلوماسية المترددة والرسائل المتناقضة التي صدرت عن إدارته. وقال متوجهاً إلى الأمريكيين الذين سئموا الحملات العسكرية الدامية في الخارج، أنه لا يمكنهم الاكتفاء بتحويل أنظارهم فيما يتم قتل مدنيين وأطفال أبرياء بالغازات السامة في هجوم ألقى بمسؤوليته على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، سواء لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو بالمبادئ الأخلاقية.
وقال أوباما في كلمته «إن مشاهد هذه المجزرة مثيرة للاشمئزاز: رجال، نساء وأطفال ممددين في صفوف، قتلوا بالغازات السامة، آخرون تخرج الرغوة من أفواههم يحاولون التقاط أنفاسهم، والد يحمل أطفاله القتلى ويتوسل إليهم أن ينهضوا ويسيروا».
وتعهد أوباما بإبقاء القوات الأمريكية في مواقعها قبالة السواحل السورية لإبقاء الضغط على نظام الأسد فيما تتواصل المساعي الدبلوماسية.
وقال أوباما إنه «من المبكر القول ما إذا كان الطرح الروسي سيكلل بالنجاح، وعلى أي اتفاق أن يتحقق من التزام نظام الأسد بتعهداته».
وتابع «لكن هذه المبادرة يمكن أن تؤدي إلى إزالة خطر الأسلحة الكيميائية بدون اللجوء إلى القوة خصوصاً وأن روسيا هي من أقوى حلفاء الأسد». وقال إنه سيرسل وزير الخارجية جون كيري إلى جنيف لبحث المسألة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف اليوم.
وأكد أوباما أن هذا الاختراق الدبلوماسي ليس سوى نتيجة للتهديد باستخدام القوة. وذكر أنه من غير المطروح ألا ترد أمريكا على الهجوم بالأسلحة الكيميائية الذي وقع في 21 أغسطس الماضي بالقرب من دمشق وأودى بحياة أكثر من 1400 شخص بحسب واشنطن.
وقال «حين يرتكب ديكتاتوريون فظاعات، يعولون على أن العالم سيحول أنظاره في الاتجاه الآخر، إلى أن تمحى هذه المشاهد المروعة من الذاكرة». وتابع «لكن هذه الأمور حصلت، الوقائع لا يمكن إنكارها. المسألة الآن هي ماذا تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية والأسرة الدولية أن تفعل حيال هذا الأمر».
كذلك أوضح أوباما أنه طلب من الكونغرس إرجاء التصويت على طلبه للسماح باستخدام القوة العسكرية في سوريا، لإعطاء فرصة للدبلوماسية.
وفي مؤشر إضافي إلى أن القوات الأمريكية لن تشن ضربات جوية في المدى القريب، أكد أوباما أنه لن يتم استخدام القوة إلى أن يصدر مفتشو الأمم المتحدة تقريرهم حول وقائع هجوم 21 أغسطس الماضي.
وظل أنصار التحرك العسكري ومعارضوه في الكونغرس على مواقفهم بعد خطاب أوباما، لكنهم أجمعوا على تأييد قراره بتقصي السبل الدبلوماسية قبل أي عملية عسكرية.
وأرجأ مجلس الشيوخ إلى الأسبوع المقبل على أقرب تقدير عملية تصويت على قرار يجيز استخدام القوة لإعطاء الرئيس إمكانية التثبت من جدية الطرح الروسي.
ونظراً إلى ضعف التأييد للتحرك العسكري بين المشرعين وبصورة عامة لدى الرأي العام، من غير الواضح متى يمكن أن يجري تحرك بهذا الشأن في الكونغرس.
من جهته، أعلنت الرئاسة الفرنسية في ختام اجتماع لمجلس الدفاع أن فرنسا تبقى «مستعدة للمعاقبة على استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية وردعه عن القيام بذلك مجدداً».
وفي موسكو، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم «نريد الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية. سنحترم تعهداتنا في إطار هذه المعاهدة، بما في ذلك إعطاء معلومات عن هذه الأسلحة».
وفي هذا السياق، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة إلى التخلي عن اللجوء إلى القوة في سوريا، وقال «من الصعوبة إجبار سوريا أو بلد آخر على نزع سلاحه في شكل أحادي الجانب إذا كان ثمة عمل عسكري قيد التحضير ضد هذا البلد».
من جهته، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن مشروع القرار الفرنسي الذي يلحظ مراقبة وتفكيك الأسلحة الكيميائية السورية وإنشاء جهاز تفتيش ومراقبة ويجيز استخدام القوة عند الضرورة لإجبار دمشق على الوفاء بتعهداتها هو مشروع «لا يمكن قبوله».
وسارعت فرنسا إلى الإعلان أنها مستعدة لـ «تعديل» المشروع «شرط الحفاظ على مبادئه الكبرى وأهدافه».
ولم تبد الصين حماساً لمسودة القرار الفرنسي، لكنها رحبت بوعد سوريا بالتخلي عن ترسانتها من الأسلحة الكيميائية. من جهتها، رحبت تركيا بالاقتراح الروسي، لكنها طالبت في الوقت نفسه بمعاقبة المسؤولين عن الهجوم الكيميائي قرب دمشق. وأعلن رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو أن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا يستوجب «الإدانة» ويتطلب «رداً قوياً».
من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه لا بد من تجريد سوريا من أسلحتها الكيماوية وينبغي للعالم أن يضمن أن يدفع من يستخدم سلاحاً كيماوياً ثمناً، فيما عبر الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عن ثقته بأن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً إن لم تكن سوريا «صادقة» بشأن ترسانتها الكيميائية.
في غضون ذلك، يحتفل الرئيس بشار الأسد «48 عاماً» بعيد ميلاده بعد ابتعاد شبح الضربة العسكرية التي كانت الولايات المتحدة وفرنسا تنوي توجيهها إلى نظامه.
من جانب آخر، عددت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في تقريرها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في البلاد، إلا أنها لم تقدم نتيجة نهائية بشأن استخدام أسلحة كيميائية.
وقالت اللجنة في أحدث تقاريرها «بناء على الأدلة المتوفرة حالياً، فلم يكن بالإمكان التوصل إلى نتيجة عن العناصر الكيميائية المستخدمة وأنظمة إطلاقها أو مرتكبيها».
وأضاف التقرير أن قوات موالية للرئيس بشار الأسد «واصلت شن الهجمات الواسعة ضد المدنيين وارتكاب عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب والاختفاء الجبري كجرائم ضد الإنسانية».
كما دان التقرير الجماعات المناهضة للحكومة «بارتكاب جرائم حرب» من بينها القتل والتعذيب وخطف الرهائن.
ميدانياً، قتل 12 مواطناً من الطائفة العلوية على أيدي مقاتلين من جبهة النصرة في ريف حمص الشرقي وسط سوريا، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.