كتب - عبدالله الذوادي:
في المجلس الأسبوعي لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة الإثنين 2 سبتمبر 2013 المخصص لاستقبال جموع أبناء الشعب من مناطق البحرين المختلفة، قدَّمت له صورة تضمه ووالده الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين (1942-1961) وشقيقه صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين 1961-1999، وشقيقه الأصغر سمو الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة.
سألني سموه أين كبرت الصورة؟ فأخبرته: في محل تصوير بالرفاع، وسألني حينها -ولاشك كان مازحاً- هل في الرفاع محل تصوير يستطيع ذلك؟ فأجبت بـ«نعم».
رفاع الأمس
سؤال الأمير أوحى إلي بموضوع الملفى لهذا الأسبوع، وأعادني بالذاكرة إلى ما قبل 71 عاماً وبالتحديد إلى العام 1942 عندما كنت طفلاً في الرابعة من عمري تقريباً، وكما ذكرت في موضوع سابق كنت برفقة والدتي وشقيقتي في بيت المغفور له الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة، حيث كانت والدتي داية المغفور له الشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة «بوبدر»، وكان البيت يقع في الرفاع الغربي غرب شارع الشيخ سلمان وفي منطقة نائية، ويخيل إلي أنه مكان قصر الروضة.
البيت كبير ويقع شماله مجلس الشيخ عبدالله ولم يكن مزوداً بالكهرباء، وركب الشيخ عبدالله مولداً للكهرباء خاصاً بالبيت خارجه من جهة الغرب، أما بقية المنطقة فهي خالية تماماً إلا من بيوت الشعر يسكنها البدو الذين يسمونهم «الصلبة»، وكانت المرحومة سعيدة مدبرة المنزل وبعض الخدم يذهبون أحياناً إلى الرفاع الشرقي وكانت تحبني كثيراً فتأخذني معها إلى سوق الرفاع، نمشي من المنزل إلى الرفاع الشرقي مارين ببيت المرحوم عبدالعزيز القصيبي، وكان منزلاً كبيراً وننزل في نزلة تقودنا إلى منطقة الحنينية، ونصعد المرتفع إلى قلعة الشيخ سلمان الفاتح، ومنها إلى سوق الرفاع الشرقي.
تشتري سعيدة بعض الحاجيات من دكاكين كلها مبنية من الحجارة والطين، وبها خباز وسوق للسمك واللحم وبعض المحال المتواضعة، حيث كان عدد السكان محدوداً وإن كان أكثر كثافة من سكان الرفاع الغربي الذي اقتصر على أفراد العائلة الحاكمة وبه قصر الحكم، قصر صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ومجلسه العامر الذي يستقبل فيه أفراد العائلة الحاكمة وأفراد شعبه وضيوفه.
واشتهرت الرفاع غربها وشرقها بالماء الحنيني، المستخرج من الحنينية وكان يروي سكان الرفاعين، وأذكر أن الماء من تلك العين يحمل إلى بيت الشيخ عبدالله بن حمد في «قرب»، حيث يحمل منها عدد لا يقل عن ست «قرب»، أكثر من مرة في اليوم، كما ينقل الماء الحنيني إلى المنامة على ظهور الجمال ليباع في سوق الأربعاء على أصحاب المقاهي في السوق، وتشتري بعض الأسر ذلك الماء بسعر «اليود» روبية واحدة.
وكانت أراضي الحنينية تزرع بالقمح حيث يشتري البعض بعد عودتهم من الغوص «التقاوي» ويبذرونها في سهل الحنينية في بداية الشتاء الذي كان يجود بالأمطار الغزيرة، فينبت القمح ويجري حصاده في بداية الربيع، وكان صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وإخوانه يحرصون على حضور يوم الحصاد، ويشارك في عملية الحصاد ليوفر لشعبه محصولاً غذائياً، ويعتبر القمح من الأساسيات الغذائية حيث يستخدم في صناعة الدقيق للخبز والقمح المصقول للهريس في رمضان، وحلوى مثل العصيد والخبيص والخبز الرقاق وغيرها.
يوم الحصاد عيد
كما اشتهر رفاع الأمس وعن طريق بعض العوائل في صناعة «المقبس» و«الدويو» للبخور، ويطرز «المقبس» و«الدويو» بألوان ونقوش مهرت به نسوة الرفاع، وكان عظمة الشيخ سلمان يستقبل ضيوفه في مجلسه العامر وأحياناً في الهواء الطلق، حيث كانت معظم أراضي الرفاع فضاء تغطيها الأعشاب في الربيع، حيث تزدهر مهنة الرعي حيث يأخذ الرعاة أغنام الساكنين إلى المراعي في الحنينية ومنطقة سافرة التي تتحول إلى بقعة خضراء بعد هطول الأمطار الغزيرة في الشتاء والربيع وموسم السرايات.
وكان البر يمتلئ بـ«الحوة» و«الملبو» و«الفقع»، ويحصده الأهالي وترعى منه الأغنام وبعض الأبقار، هكذا كانت رفاع الأمس، كانت رفاعين غربي وشرقي يقطنها قلة من الناس.
يوم الحصاد كان أشبه بعيد، حيث تقام الأفراح والرقصات الشعبية والعرضة في منطقة الحنينية، ويتفنن الجميع في أداء الرقصات الشعبية على قرع الطبول، حيث يجري جني الثمار وعزل الحبوب عن السنابل التي تعد غذاء للماشية من أغنام وأبقار وجمال وخيول وحمير، حيث يشاركون البشر في هذا الرزق الذي اعتادوه كل موسم حصاد.
صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وإخوانه يشاركون الأهالي أفراحهم في نفس الموقع، وتميزت العلاقة بينهم بالبساطة والمحبة ومجالسهم عامرة بالخير يؤمها الجميع من كافة مناطق البحرين، فالرفاع كانت مقصداً لكافة أبناء البحرين لوجود قصر الحكم، والمجلس العامر لعظمة الحاكم.
يقول أحد المسنين ممن كانوا يداومون على حضور المجلس، إن أحد الزوار عندما قدم له فنجان القهوة لم يشربها بل سكبها في يده ودعك بها لحيته وعندما انفض المجلس ناداه صاحب العظمة الشيخ سلمان وسأله عن سبب مسح لحيته بالقهوة، وهذا دليل على دقة ملاحظة عظمته، فرد الضيف أن القهوة في قاع الفنجان أعجبته رائحتها بما فيها من «كناد» وهيل وزعفران، فأراد أن يطيب لحيته بها بدلاً من شربها، فأمر عظمته بإحضار «دلة» كاملة وقال للصباب أعطه من هذه القهوة حتى يرتوي منها ثم أهداه مبلغاً من المال.
هكذا هي العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البحرين منذ القدم ومازالت، فآل خليفة ملوك البحرين وحكامها ارتبطوا بشعبهم ارتباطاً قوياً من خلال مجالسهم العامرة، وحققوا للبحرين الشيء الكثير من الخير والنعم، وصانوا البلاد وحافظوا على أراضيها وصانوا ثرواتها ووطدوا علاقاتهم بإخوانهم حكام الخليج والدول العربية.
ويقول أحد كبار السن من وراد مجلس الحاكم، إنه كان حليماً حكيماً حازماً أرسى دعائم الحكم، وكان أباً حنوناً لشعبه يشاركهم الأفراح والمناسبات، وكان يدير البحرين من رفاع الأمس، ويرجع له الفضل في ما وصلت إليه الرفاع بعدما كانت رفاعين شرقي وغربي، حيث تغير الحال وأصبح الرفاعان رفاعاً واحداً، وتحولت المناطق الخالية من صحارٍ ووديان إلى أحياء سكنية راقية بفضل هبات وهبها خليفته عظمة المغفور له صاحب السمو الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين، حيث غمر شعبه بكرمه الجم فوهبهم الأراضي والتقى الرفاعان ليصبحا رفاعاً واحداً من وادي السيل غرباً حتى شارع الاستقلال شرقاً ومن العوالي جنوباً حتى مدينة عيسى شمالاً.
تحولت الرفاع إلى منطقة تجارية ضخمة تملؤها المجمعات التجارية والمتاجر الكبيرة والمصارف والمطاعم وصالونات التجميل والورش والمعارض الخاصة بأفخر السيارات وكل الأنشطة التجارية المختلفة والشوارع الواسعة والمدارس الفخمة والمستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الخاصة، وباتت الرفاع تضاهي المنامة نمواً، ما أغنى سكان الرفاع عن الذهاب إلى أسواق المنامة لأن كل ما تحتاجه الأسرة متوفر في الرفاع وبأسعار مقبولة، حيث يوجد بها أسواق المؤن الغذائية وسوق للسمك واللحم وآخر للخضروات والفواكه والمخابز بكافة أنواعها ومحلات التصوير، ما دعا صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء يسألني أين كبرت الصورة، وجواب سموه لاشك كان مزاحاً، فالذي أعرفه ويعرفه غيري أنه لا يخفى على سموه أي شيء في البحرين كلها، لا في الرفاع فحسب، وسموه يتفقد كل أرجاء وطنه البحرين ويعرف كل صغيرة وكبيرة، وهو صاحب الفضل في رقي الوطن بمدنه وقراه سواء في عهد والده أو عهد شقيقه أو في عهد ابن شقيقه جلالة الملك المفدى.
الوديان تتطور
نعم هكذا أصبحت الرفاع مدينة كبيرة يتطلع للسكن فيها كثيرون، وهذا ما جعل أراضيها يصل سعر القدم فيها إلى ثلاثين وأربعين ديناراً بعدما كان لوقت قريب في الثمانينات من القرن الماضي لا يزيد عن دينار ودينار ونصف للقدم حسب وجاهة المنطقة، حيث تمتاز بعض المناطق بالهدوء وبالشوارع الفسيحة والخدمات الممتازة التي تتولاها بلديات الوسطى والجنوبية، وهذا ما جعل شوارعها نظيفة وجميلة. وأذكر أني عندما بنيت بيتي عام 1986 وكنت وحيداً في المنطقة الموحشة، وما هي إلا سنتان حتى كثرت المباني والقصور الجميلة بحدائقها وجمال هندستها، كما توجد بها الأندية الحديثة والملاعب الدولية وملعب للغولف، حتى الوديان السحيقة بنيت فيها الفلل وشقت بها الشوارع والمساجد مثل جامع الشيخ عيسى بن سلمان، ويجرى الآن بناء جامع ضخم باسم الصحابي عبدالله بن عمرو بن الخطاب في الوادي أيضاً، وكان لي شرف السعي للحصول على الأرض، حيث خاطبت سمو الشيخ عبدالله بن خالد وزير الشؤون الإسلامية عام 1988 طالباً تخصيص قطعة أرض في المنطقة لبناء جامع فيها، فتفضل سموه برفع الطلب إلى وزير الإسكان الذي وافق على الفور في تخصيص أرض كبيرة مساحتها 11310 أمتار مربعة، وتكفلت إدارة الأوقاف السنية ببنائه على نفقتها بمبلغ مليون ومائتي ألف دينار، وأرجو من الله أن يبلغني بالصلاة ولو فرضاً واحداً في هذا الجامع قبل وفاتي، والشكر وموصول إلى نجله الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس الوزراء.
هذه هي الرفاع وها هم آل خليفة الذين صانوا وحافظوا على البحرين وبنوا نهضتها المباركة وحولوها من صحارٍ إلى مدن عامرة بالخير والرفاهية والرخاء والأمن والاستقرار، عبر ما بذلوه من جهود كبيرة بقيادة حكامها وملوكها من عهد جدهم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ثم عهد ابنه الشيخ حمد بن عيسى، ثم عهد الشيخ سلمان بن حمد، فعهد عيسى بن سلمان الذي شهدت البحرين في عهده ازدهاراً لا مثيل له، ثم عهد نجله صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي رفع مكانة البحرين العالمية من خلال مشروعه الإصلاحي وإرساء الديمقراطية وحرية الصحافة، وجاحد من ينكر ذلك، أما أنت يا حكيم البحرين يا بيرقها الخفاق في سمائها يا من كرمك العالم بأرفع الأوسمة وشهادات الدكتوراه، فبأي الكلمات والجمل أوصفك؟ كنت المحارب الجسور الذي لم يغادر صهوة جواده حاملاً سيف العدل خلال ثلاثة عهود من حكام وملوك البحرين تبنى وتعمر وتدافع عن معشوقتك البحرين وأبنائها، تجوب العالم شرقه وغربه للبحث عن سبل الخير والرفاهية لأبنائك شعب البحرين قاطبة دون الالتفات لهراء ناكري المعروف والجاحدين.
يا ابن الرفاع الأصيل وقمره المنير ورمز عزة الوطن الذي يرسل إليه الخير من قصرك العامر بالرفاع، رفاع الخير والعزة، وستبقى البحرين وشعبها الأصيل أوفياء لسموك ولوطنهم البحرين الخليفية العربية وستبقى رايتهم ترفرف خفاقة في سماء العزة والرفعة والكرامة، ودام مجلسك العامر متوهجاً بالخير والمحبة.
ولا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر والامتنان لكل من أثنى على موضوعي المنشور يوم الجمعة 30 أغسطس 2013 المعنون «خليفة بن سلمان رجل البحرين وحامل رايتها وبيرق محبتها».