حذر شيوخ وعلماء دين من «انتشار ظاهرة الإهمال في مجتمعاتنا الإسلامية، في كل نواحي الحياة مما أدى إلى تأثير هذه الظاهرة بالسلب على الفرد والمجتمع، خاصة الإهمال الذي يودي بحياة أبرياء»، مشيرين إلى أن «الإهمال عنوان للهالكين ومعصية لله ولرسوله»، فيما شددوا على أن «مراقبة الله تعالى ومحاسبة المسلم لنفسه من اهم طرق علاج تلك الآفة».
وقال العلماء «نستطيع أن نصف الظواهر الممتدة لتجليات الإهمال وعدم الجدية في أداء العمل ومتابعته إلى بروز نمط ثقافي شائع يمكن أن نطلق عليه ثقافة الإهمال وعدم الجدية والمسؤولية ويقصد بذلك بروز مجموعة من العادات والسلوكيات الوظيفية والمهنية والإدارية والأمنية تتمثل في اللامبالاة بأداء العمل المنوط ببعض المهن والأعمال أياً كانت بالكم والنوعية والكفاءة المطلوبة في كل أو بعض مراحل هذا العمل».
وتطرق العلماء إلى «شيوع بعض العادات الذهنية والسلوكية تتمثل في الكسل والتراخي والبطء السلوكي في أداء العمل ومتابعته في إطار شروطه ومعاييره ناهيك عن التعود على عدم التبصر واليقظة في متابعة العمل بعد أدائه وملاحظة مدى قدرة العمل أو الجهاز أو النظم أو العمالة على الوفاء بالمهام المنوطة بهم وبه».
وذكروا أن «مهمة الإنسان في الحياة إعمار الأرض وهذا لن يتحقق إلا بالعمل من أجل بلوغ هذا الهدف فالحياة بلا عمل فناء والإنسان قد أعطاه الله من القوى والطاقات ما يجعله قادراً على قيادة سفينة الحياة بالعمل الجاد المنتج الذي يعود على الفرد والمجتمع بالخير العميم».
وأوضحوا أن «الإسلام اهتم بالعمل اهتماماً بالغاً فالإسلام يربط بين العمل والإيمان بشكل مستمر وهذا العمل يعني كل الأعمال الصالحة التي يقوم بها الإنسان في حياته ويقصد من ورائها وجه الله ونفع الناس ودفع الأذى عنهم وكل عمل يشتمل على ذلك فإنه يندرج أيضاً تحت مفهوم العبادة والتقوى».
صور الإهمال
وذكر العلماء أن «من يتتبع المجتمعات العربية التي نعيش فيها يرى أنها تمتلئ بالكثير من صور الإهمال فعلى سبيل المثال لا الحصر، إهمال الأب لأولاده ولأسرته، وإهمال المسلمين الجدد، وإهمال نشر الدعوة، وإهمال المساجد، وإهمال المقابر، وإهمال اليتيم، وإهمال الطالب لدراسته، وإهمال العامل لعمله».
وأشاروا إلى أن «من يتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى الكثير من ذمه صلى الله عليه وسلم للإهمال والزجر عنه، فعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه أنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: «اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة».
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنه قال: «أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل، قال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه، فسكت، فقال: «من رب هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه».
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تشتري، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه».
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض».
وعن خيثمة رضي الله عنه أنه قال: كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو، إذ جاءه قهرمان له فدخل فقال: أعطيت الرقيق قوتهم؟. قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به».
وحذر العلماء من «مضار الإهمال»، مشيرين إلى أنه «يؤدي إلى ضياع الثروة وإفقار الأمة، ودليل على انعدام الإحساس أو بلادته، ويؤدي إلى فتور العلاقات الاجتماعية، كما يؤدي إلى شيوع الظلم وزيادة صولة المستبدين، وينتهي بصاحبه إلى الطرد من رحمة الله، كما إن الإهمال قد يودي بحياة أبرياء ومدنيين لا ذنب لهم في أن يفقدوا حياتهم».
آداب العمل
ونصح العلماء بضرورة أن «يتحلى المسلم بالآداب أثناء عمله ومنها، الاعتماد على النفس في العمل لا على الغير بأن يكون عالة على الناس، وقد قال صلى الله عليه وسلم «ما أكل أحد طعاماً قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده».
وقالوا إن «على المسلم أن يتحلى بالقوة والأمانة في أداء عمله، كما قال الله تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام: «يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين». وكذا صفة الأمانة من أهم ما ينبغي أن يتحلى بها المسلم في عمله «فعن أنس رضى الله عنه قال ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له».
وأشاروا إلى «ضرورة تحلي المسلم بالإحسان والإتقان في العمل فينبغي على المسلم الموظف أن يحرص على أداء عمله بالشكل الذى يرضاه الله سبحانه وتعالى، فعن عائشة رضى الله عنها أن «النبي صلى الله عليه وسلم قال إن «الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».
كما أوصوا «بضرورة التزام المسلم بصفات العدل والرحمة وحسن الخلق والمعاملة الحسنة والتواضع والرفق والحلم في التعامل ومساعدة الناس وقضاء مصالحهم وحوائجهم، وكذلك البعد عن الصفات الذميمة كالغش والرشوة والتسيب في العمل».
وعزا العلماء أسباب بروز ظاهرة الإهمال، الى «انتشار بؤر ودوائر الإهمال في المجتمعات العربية وضعف الرقابة الإدارية وشيوع روح التواطؤ المتبادل على الإهمال والكسل وغياب مبادئ الثواب والعقاب، إضافة الى شيوع مسوغات وتبريرات للإهمال تتمثل في ضعف الأجور وتزايد تكاليف وأعباء المعيشة ومحاباة غير الأكفاء وشيوع المحاباة والمحسوبية والتفاف الإدارة على حساب الجدية والكفاءة، وشيوع المحاكاة للإهمال وسلوكياته بين غالب العاملين، وعدم التناسب بين حجم العمل والعائد المادي».
علاج الإهمال
وحدد العلماء 5 خطوات لعلاج ظاهرة الإهمال أولها «مراقبة الله تعالى»، فبالمراقبة يعبد الرحمن ويبنى الإيمان ويطرد الشيطان، وبالمراقبة يكون جمال الحياة وصلاح الدنيا وسعادة الناس، وبالمراقبة تصلح حياة الخلق عند الله عز وجل وفيما بينهم وتصلح ذواتهم، وبالمراقبة تمنع النفس هواها وبالمراقبة تؤدى الواجبات والحقوق والأمانات.
وأشاروا الى انه «بدون المراقبة يضرب الإهمال كثيراً من الأعمال ويدمر كثيراً من المؤسسات ويهدر كثيراً من الأموال».
وأضافوا أن «محاسبة النفس هي ثاني الخطوات لعلاج الإهمال»، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «أضر ما على المكلف الإهمال وترك محاسبة النفس والاسترسال وتسهيل الأمور، وتمشيتها فهذا يؤول به إلى الهلاك وهذا حال أهل الغرور».
وشددوا على «ضرورة المحاسبة الإدارية والقانونية، وهي خضوع الأشخاص الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية والأخلاقية عن نتائج أعمالهم، أي أن يكون الموظفين الحكوميين مسؤولين أمام رؤسائهم، الذين يكونون مسؤولين بدورهم أمام السلطة التشريعية التي تتولى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية».
وذكروا أن «بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه، وتحريره من كل المؤثرات التي يمكن أن تضعف عمله، والالتزام من قبل السلطة التنفيذية على احترام أحكامه يؤدي الى القضاء على ظاهرة الإهمال، مع ضرورة تفعيل القوانين المتعلقة بمكافحة الإهمال على جميع المستويات، كقانون الإفصاح عن الذمم المالية لذوي المناصب العليا، وقانون الكسب غير المشروع، وقانون حرية الوصول إلى المعلومات، وتشديد الأحكام المتعلقة بمكافحة الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة العامة في قانون العقوبات».
كما شددوا على «ضرورة تطوير دور الرقابة والمساءلة للهيئات التشريعية من خلال الأدوات البرلمانية المختلفة، مع ضرورة تعزيز دور هيئات الرقابة العامة كمراقب الدولة أو دواوين الرقابة المالية والإدارية أو دواوين المظالم، التي تتابع حالات سوء الإدارة في مؤسسات الدولة والتعسف في استخدام السلطة، وعدم الالتزام المالي والإداري، وغياب الشفافية في الإجراءات المتعلقة بممارسة الوظيفة العامة».