تعليقاً على ما تناولته بعض وسائل الإعلام بنعت الأحكام القضائية بالجائرة وتحديدا الأحكام التي أصدرتها المحكمة الكبرى الجنائية مؤخراً بمعاقبة عدد من المتهمين بالسجن لمدد تتراوح ما بين عشر وخمس عشرة سنة لشروعهم في قتل رجال الأمن عمداً مع سبق الإصرار والترصد ومقاومة السلطات وإشعال الحرائق وحيازة عبوات قابلة للإشتعال ووصم تلك الأحكام بالشديدة، صرح وائل بوعلاي رئيس النيابة الكلية بأن تلك الأحكام بحسب ما تضمنت أسباب بعضها قد راعت في المتهمين ما التمسته لهم من أعذار مخففة للعقوبة في حدود ما يسمح به القانون وبشكل متوازن مع الظروف المشددة التي انطبقت تماماً مع الظروف والملابسات التي ارتكبوا في ظلها الوقائع الإجرامية المسندة إليهم، حيث بدا جلياً من أسباب الحكم الصادر في قضية استهداف أرواح رجال الأمن وحرق المدرعة مراعاته حداثة سن بعض المتهمين وكونهم في مقتبل العمر فاستعملت المحكمة سلطتها التقديرية ونزلت بالعقوبة قدر ما يجيزه لها القانون دون إخلال بالهدف المنظور من العقوبة وهو زجر الجناة وردع غيرهم ممن قد تسول لهم أنفسهم ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة.
وأشار بوعلاي اليوم الأربعاء إلى أن طلب النيابة في هذه القضايا كان توقيع أقصى العقوبة والتي تبلغ الإعدام بالنسبة لجانب من الاتهامات والسجن المؤبد لبعضها الآخر نظراً لاقترانها بأغراض إرهابية، وكذلك لبشاعة الجرائم التي أتاها المتهمون وما ثبت بالأدلة الدامغة من تخطيطهم المسبق لاغتيال المجني عليهم، وتصميمهم على تنفيذ خطتهم بكل تفاصيلها، بدءاً من إعداد الأدوات والمواد المستخدمة في الجريمة، وتقسيم أنفسهم إلى مجموعات تضطلع كل واحدة منها بدور في تنفيذ المخطط، وتربصهم على هذا النحو بالمجني عليهم ثم مباغتتهم في الطريق والإحاطة بهم من كل الاتجاهات، وإتيانهم بكل الأفعال التي تقطع بإصرارهم على إنفاذ مقصدهم وقيامهم في سبيل ذلك بإعتلاء سطح المدرعة ومحاولة كسر الباب العلوي الخاص بها بالحجارة والطابوق للوصول الي أفراد الأمن العام المحتمين داخلها لإزهاق أرواحهم حرقا بشكل ينبئ في مجمله عن خطورتهم الإجرامية وأغراضهم الدنيئة التي فاقت كل التصورات والتوقعات.
فيما أكد رئيس النيابة على أنه إزاء كل صنوف البشاعة والخطورة والجور التي اتصفت بها هذه الجرائم لم تكن النيابة العامة لتقبل أبداً بعقوبة تقل في مقدارها عما قضت به المحكمة ضد أولئك المتهمين، وما كان قبولها الحكم إلا احتراماً لسلطة المحكمة الموقرة في هذا الشأن، ولما رأته من مبررات دعت إلى النزول بالعقوبة إلى هذا الحد. بينما ستظل النيابة متمسكة في مثل هذه القضايا بطلب توقيع أقصى العقوبة على أمثال هؤلاء المتهمين ما دامت الأدلة عليهم قائمة وقاطعة البرهان.
ومن ناحية أخرى ذكر رئيس النيابة بأن الأحكام القضائية غير قابلة للتقييم إلا بسلوك طرق الطعن التي رسمها القانون لذوي الشأن على وجه التخصيص، ولا يملك أحد بغير تلك الطرق وهذه الصفة أن يصوب الحكم أو ينتقده بناء على دوافع انتمائية أو محض انفعال، ذلك أن الأحكام تُبنى على النص والدليل، فليس لأحد أن يتنكر للنص القانوني لمجرد قناعته الشخصية بمشروعية تصرف المتهم وإيمانه ببواعثه في الجريمة، أو أن يشارك القضاء مناقشة الدليل بدعوى الحق في إبداء الرأي، فهذه جميعها مسلمات لدى المجتمعات المتحضرة حين تعاملها مع القضاء وأحكامه.