احتفل العالم هذا الأسبوع باليوم العالمي للديمقراطية، وهو مناسبة مهمة تتذكر فيها الأمم والشعوب ما وصلت إليه حال الديمقراطية في بلادها، وما قدمته البشرية من تضحيات في مسيرتها نحو تحقيق الديمقراطية والوصول إلى نظام الحكم الذي يتيح أكبر قدر من الحرية أمام المواطنين للمشاركة في حكم بلادهم وتقرير السياسات المناسبة لتطلعاتهم وتحقيق أهدافهم في الحاضر والمستقبل، وكل ذلك في إطار حكم القانون والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان والرأي الآخر في ظل التسامح والتعددية، وهي القيم التي بشرت بها الأدبيات العالمية للديمقراطية وتبناها مفكرون ومصلحون عملوا على ترويجها والإعلاء من شأنها.
ويأتي هذا الاحتفال تطبيقاً للقرار رقم 62/7 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 8 نوفمبر 2007، الذي تضمن اعتبار يوم 15 سبتمبر من كل عام مناسبة للاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية. كما حث القرار الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والإقليمية ومؤسسات المجتمع المدني على الاحتفاء بهذه المناسبة ابتداءً من العام 2008، من خلال تسليط الضوء على واقع الديمقراطية في العالم، والسعي لمعالجة المعوقات المختلفة التي لاتزال تعترضها، وتمنع تعميمها وتشريعها لتصبح حقاً ملزماً ومعترفاً به من قبل جميع الحكومات والمجتمعات في العالم.
وإذ تحتفل وتحتفي مملكة البحرين بهذه المناسبة، فإنها تؤكد على التزامها الكامل بتبني قيم الديمقراطية وممارساتها وآلياتها في إطار المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، وهو المشروع الذي انطلق في عام 2000، بتدشين ميثاق العمل الوطني في عام 2001، بطريقة ديمقراطية، حيث تم التصويت عليه بأغلبية كاسحة بلغت 98.4%، وتمثلت المبادئ الأساسية له في تقرير أن الشعب وحده مصدر السلطات، وكفالة الحريات الشخصية، وتدعيم مبدأ الفصل بين السلطات مع التأكيد على مبدأ استقلال القضاء، وفتح الباب أمام حرية التعبير وتأسيس الجمعيات الأهلية.
وبعد الميثاق، تم إقرار التعديلات الأولى في عام 2002؛ والتي جاءت متوافقة مع ميثاق العمل الوطني، حيث تضمنت تحويل البحرين إلى مملكة دستورية تكرس مبدأ الفصل بين السلطات، وإعادة الحياة النيابية، والأخذ بنظام المجلسين في الحياة البرلمانية بإنشاء مجلس نواب منتخب بجانب مجلس الشورى المعين، وتوزيع الصلاحيات التشريعية والرقابية بينهما بالتساوي.
ثم حدثت نقلة نوعية أخرى على طريق الديمقراطية الطويلة، بإقرار التعديلات الدستورية الثانية في عام 2012، نتيجة لمخرجات مرئيات حوار التوافق الوطني الذي أطلقه جلالة الملك. وتضمنت التعديلات إعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يضمن مزيداً من التوازن، وزيادة مظاهر النظام البرلماني في الحكم، وإعطاء دور أكبر لمجلس النواب المنتخب على حساب مجلس الشورى المعين، ووضع معايير لاختيار أعضاء مجلس الشورى، وتنظيم عملية استجواب الوزراء، وطرح الموضوعات العامة، والمناقشة في مجلس النواب، وشروط الترشيح لعضوية مجلس النواب، وغيرها.
ونظراً للموقع المحوري الذي تحتله قضية الديمقراطية في المشروع الإصلاحي، تم إنشاء معهد البحرين للتنمية السياسية بموجب المرسوم رقم (39) لسنة 2005، كمعهد تدريبي متخصص يتمثل أول أهدافه في نشر ثقافة الديمقراطية، وتدعيم الممارسة الديمقراطية السليمة، فضلاً عن بقية الأهداف الاثني عشر التي تصب جميعها في تحقيق هذا الهدف النهائي، حيث تتعلق بنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتنمية الوعي السياسي بين المواطنين، ودعم ثقافة الحوار، وتبادل الرأي، وقبول الآخر، وترسيخ مبدأ سيادة القانون في ظل أحكام ميثاق العمل الوطني والدستور، وتوفير برامج التدريب لأعضاء مجلسي الشورى والنواب، وأعضاء المجالس البلدية، والعاملين بوزارات الدولة، والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وكل من يرغب بالتدريب من الدول الأخرى، وكذلك إعداد مؤهلين للانخراط في العمل السياسي.
نفذ المعهد العديد من البرامج والمشروعات وخطط العمل والفعاليات التي تسعى لتحقيق الديمقراطية، وقد شملت أنشطة المعهد فعاليات متنوعة تستهدف تطوير الجوانب السياسية والدستورية والتعريف بحقوقه الإنسان لدى المواطنين وتطوير مهاراتهم، وتوليد اتجاهات إيجابية تجاه المجتمع البحريني وتجاه عملية التنمية السياسية.
يسعى المعهد إلى طرح العديد من البرامج والفعاليات في المستقبل القريب لنشر ثقافة الديمقراطية السليمة في المملكة لتشجيع المواطنين للمشاركة السياسية والاجتماعية من أجل تلبية متطلبات النهوض بالوطن وبشؤون أبنائه وتطلعاتهم المستقبلية.