كتب - حذيفة إبراهيم:
أكد أطباء وعاملون في القطاع الصحي أن الأخطاء الطبية تحدث في كل مستشفيات العالم ومراكزه الصحية، إلا أن الاختلاف هو في طريقة التعامل والتعاطي معها، وأنه يجب حفظ حقوق المريض وحقوق الطبيب معاً، مشيرين إلى أنه تم تحويل أكثر من 42 ألف مريض من قسم الطوارئ إلى مستشفى السلمانية و16 ألفاً آخرين من العيادات الخارجية في العام الماضي، توفي منهم 1064، وأنه تم إجراء عمليات لأكثر من 18 ألف شخصاً خلال تلك الفترة.
وتابعوا خلال ندوة بعنوان “الأخطاء الطبية والإجراءات القانونية المترتبة عليها” والتي أقامتها جمعية الأطباء بمقرها في الجفير مساء أمس أن الأطباء لا يمتلكون التأمين الصحي كما هو الحال لجميع الأطباء في مختلف دول العالم، مؤكدين أن “السلمانية” من أفضل مراكز الخدمة العامة في المملكة وأن الهجوم عليها في وسائل الإعلام “غير منطقي”. وأكدوا أن المسؤولية تقع أيضاً على عاتق المؤسسة التي يعمل بها الطبيب لتحميه، وليس يعمل فيها فقط دون أن توفر له الحماية في أي حال من الأحوال سواء أكان مخطئاً أم لا. وأشاروا إلى أن قانون المسؤولية الطبية لدى مجلس النواب، إلا أن آخرين رأوا ضرورة تطبيق النظام المتبع في ألمانيا والعديد من الدول المتقدمة والذي يقضي بأن الأطباء أنفسهم هم من يقومون على جميع أمورهم الشخصية.
42 ألف مريض
وقال رئيس قسم الطوارئ السابق في مجمع السلمانية الطبي د.جاسم المهزع إنه تم تحويل أكثر من 42 ألف مريض من قسم الطوارئ إلى المستشفى و16 ألفاً آخرين من العيادات الخارجية في العام الماضي، حيث تم إجراء عمليات لأكثر من 18 ألف شخص خلال تلك الفترة، توفي منهم 1064 شخصاً.
وتابع خلال كلمته في الندوة أتحدى أن يأتيني أي شخص في مستشفى عام ومجاني يعمل بكل تلك الكفاءة ويقدم تلك الخدمات المجانية للمواطنين والمقيمين”.
وأشار إلى أنه يتم استقبال ما يقارب 1000 مريض في قسم الطوارئ و1000 مريض في العيادات الخارجية، إضافة إلى وجود 850 مريضاً يرقدون في السلمانية.
وقال المهزع إن ما يجري من هجوم على السلمانية “غير منطقي” من قبل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مشدداً على أن “السلمانية” هو من أفضل مراكز الخدمة العامة في المملكة.
وأشار إلى أن الرأي العام يعتبر كل مضاعفة صحية أو طبية هو خطأ ولكنه لا يجوز أن يكون ذلك.
مسؤولية جنائية
وقال المستشار القانوني في وزارة العدل عصام إسماعيل إن اللجنة التي شكلتها وزارة الصحة كانت تتحقق حول الحوادث الطبية لكي تأتي مرحلة المساءلة التأديبية بحسب الخطأ وجسامته، مشيراً إلى أن المسؤولية الجنائية تتولاها المحاكم والقضاء، حيث لها إجراءاتها الخاصة.
وبين أن مسؤولية التحقيق في شكاوى الأخطاء الطبية انتقلت إلى “هيئة تنظيم المهن الطبية” بعد تشكيلها، مشيراً إلى أن لجان وزارة الصحة لا تحدد الخطأ الطبي من عدمه فيها.
اللجوء إلى الصحافة
ومن جانبه، تحدث الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم المهن الطبية د.بهاء فتيحة عن أن المريض لجأ إلى الصحافة كونه لم يحصل على حقه في المستشفى أو عدم وصول صوته.
وأوضح أنه لا يمكن التعامل مع حالات الأخطاء الطبية على أنها “أرقام” يتم مقارنتها بالحالات التي لم تحدث بها أخطاء طبية، حيث كل شخص يعني الكثير لأهله وأصدقائه وأقربائه. وبين أن من لا يعمل لا يخطئ، ولكن من الواجب تصحيح الأخطاء إن وجدت، مشيراً إلى أن تدارك الخطأ هو الموضوع. وشدد على وجود رقابة على الخدمات الصحية لتكون محل ثقة المواطنين، مبيناً أن المريض يجب أن يأخذ وقته والمعلومات التي تلزمه من الطبيب.
وتابع فتيحة “لا أحد يعلم بالمصاعب إلا أهل المريض، حيث هم من يشعرون بالآلام على فقدانهم للشخص المعني أو إصابته بإصابة خطيرة جراء خطأ طبي أو غيره، مشيراً إلى وجود “العديد ممن لا يستطيعون إمساك الدموع من أعينهم” نظراً لما يتألمون منه. وبين أنه لا يمكن مراقبة جميع غرف العمليات والعيادات بوضع أشخاص فيها، مشيراً إلى أن الطبيب حينها سيفقد الثقة بنفسه وهو أمر لا يجوز.
وأوضح أن الهيئة تلقت 62 شكوى طبية لا تنحصر في الأخطاء الطبية، وإنما البعض منها يتعلق بسوء معاملة أحد الأفراد أو المصاريف الطبية وغيرها، مشيراً إلى أنها لا تعكس الرقم الحقيقي للشكاوى، حيث إن البعض لايزال يجهل تلك الأمور.
3 مسؤوليات لدى الطبيب
وأشار المستشار القانوني لهيئة تنظيم المهن الطبية أحمد عبدالسلام إلى وجود 3 مسؤوليات لدى الطبيب أو في حال وقوع الخطأ، مشيراً إلى وجود اختلاف بين الأطباء كـ”موظفين” وبين علاقتهم بالمهنة التي يزاولونها وكيفية الحفاظ عليها.
وبين أنه يجب على الأطباء الحفاظ على سمعة المهنة، إضافة إلى الإدراك أنهم تحكمهم قوانين “ديوان الخدمة المدنية” كونهم موظفين في جهات رسمية.
لم نهدف للتشهير
من جانبه، قال الناشط المستقل سلمان ناصر رئيس مجموعة حقوقيون مستقلون إن اللجنة الصحية الأهلية التي تم تشكيلها لمتابعة قضية الطفلة فاطمة لم تهدف إلى التشهير أو النيل من أي شخص.
وقال سلمان إن ضمان حصول المواطن أو المقيم على أعلى مستوى من الخدمات الصحية والطبية في البحرين مرتبط بضرورة قيام المسؤولين عن قطاع الصحة في البحرين بتقييم الخدمات الصحية المقدمة، ومحاسبة المقصرين والمتسببين في كل تقصير إداري أو طبي.
ودعا سلمان إلى ضرورة العمل على الارتقاء بالخدمات الصحية المقدمة في المملكة، والمحافظة على حقوق المواطنين وبالأخص الحقوق الصحية، والعمل على كشف مكامن الخلل الإداري في مؤسساتنا الصحية، والقيام بتصحيح الأوضاع الخاطئة، ومحاسبة المقصرين والمتسببين في ارتكاب هذه الأخطاء.
وتساءل سلمان ماذا قدمت المؤسسات الرسمية العاملة في قطاع الصحة من ضمانات للمحافظة على حقوق المريض الصحية؟ وما الدور الذي قامت به السلطة التشريعية بغرفتيها النواب والشورى في المحافظة على حقوق المواطن في التمتع برعاية صحية وطبية مناسبة؟ مضيفاً أن مسؤولية المؤسسات الرسمية العاملة في مجال الصحة تحتم عليها العمل بشفافية لنقل المعلومات والبيانات بحيادية للرأي العام، كما يقع ضمن مسؤولياتها حفظ حقوق المريض وتأمينها وتقديم النصح والمشورة الطبية والقانونية، والحرص على صحته في حياة المريض قبل مماته، ويقع على مسؤولياتها محاسبة المتسببين في أي أخطاء إدارية أو طبية تقع. وفي ما يتعلق بقضية الفقيدة الطفلة (فاطمة على حسين)، قال سلمان إن هذه القضية شغلت الرأي العام، واهتزت لها قلوب جميع المواطنين والمقيمين، وقد قدّر الله لها أن ينزل عليها الرحمة والسكينة في وفاتها، كما قدّر الله لنا أن نعمل جاهدين من خلال بيان الحقيقة للرأي العام.
وأكد في ورقته أن المواطنين والمقيمين في البحرين ليسوا في حاجة فعلية للتعرف على حقوقهم الصحية، بسبب بساطتها، مضيفاً أنه في حالة (المرض) فإن حق المريض أن يتم علاجه، وأنه في حالة (العجز) فإن حق المريض أن يتم توفير سبل الراحة له، وفي حالة (الإعاقة) فإن من حق المريض أن يتم توفير الوسائل التي تسهل نشاطه وعمله، وفي حالة (الوفاة) نتيجة خطأ إداري أو طبي فإن من حق المريض أن يتم إجراء تحقيق مستقل محايد للتثبت من الأخطاء إن وجدت ومحاسبة المتسببين في ارتكاب هذه الأخطاء. وأشار سلمان إلى أن هذه الحقوق ليست حصراً على البحرين بل هي حقوق عامة، موضحاً أن حقوق المريض هي جزء أصيل من المبادئ العامة لحقوق الإنسان التي نصت عليها جميع الاتفاقات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ومنها دستور منظمة الصحة العالمية (1946)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والميثاق العربي لحقوق الإنسان (2004).
واستذكر سلمان أبرز حقوق المريض في الرعاية الصحية والرحيمة والمحترمة، وعدم وجود أي تمييز في تلقي الرعاية الصحية، والتعرف على هوية الطبيب المعالج والطاقم الطبي، وتبليغ المريض الدقيق بتشخيص حالته الصحية والعلاجية، والحفاظ على خصوصية المريض والرعاية في جو آمن.
استجواب الوزراء
وقال النائب د.جمال صالح إن من صلاحية النواب استجواب الوزراء في حال وجود أي أخطاء أو قضية رأي عام، مشيراً إلى أن قانون المسؤولية الطبية كان موجوداً من دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الثالث، إلا أن الأحداث أخرت البت به. وبين أنه تم إعطاء فرصة عام كامل لجمعية الأطباء لإبداء رأيها حول القانون حيث لا يمكن الأخذ به دونهم.
وتابع صالح إن قانون المسؤولية الطبية الإماراتي يحمل المؤسسات الصحية 80% من تكاليف التأمين على الأطباء، مشيراً إلى أن ألمانيا ليس لديها قانون المسؤولية الطبية كونهم أعطوا الأطباء المسؤولية الكاملة في التنظيم والدور الرقابي. وأشار إلى وجود شكاوى حول “تعنت” بعض الأطباء خلال تعاملهم مع المريض، حيث يصرون على رأيهم دون حتى الاعتذار في حالات الأخطاء البسيطة، حتى وإن كانوا موقنين بخطئهم.
تخويف الأطباء
من جانبه، قال عضو جمعية الأطباء د.محمد السويدي إن استمرار التعامل مع الأطباء وتخويفهم والضغط عليهم سيمنعهم من إجراء العمليات مستقبلاً، حيث لا أحد حينها يريد أن يعرض نفسه للمساءلة في حال حدوث أي أعراض جانبية أو مضاعفات.
وأشار إلى أن العديد بدؤوا يعزفون عن تخصصات مثل “التخدير” أو الجراحات حيث ستزداد حالات تحويل المرضى للخارج نتيجة لذلك، مبيناً أن راتب الطبيب الذي يواجه الأخطار والذي لا يواجهه متساوٍ، وتابع أن الرأي العام لا يمكن أن يكون قاضياً في تلك القضايا.