كتب- عبدالرحمن صالح الدوسري:
يقــول خالد الشيخ الذي حير الكثيريــن فكراً.. ووتــراً، إن: «الموسيقى أفشلت مشـــروع والـــده، بصناعتـــه وجيهـــاً ودبلوماسياً».
وخالــد الشيــخ الــذي اختــرق قانــون الموسيقى الرتيبة.. وفجر كل قنابــــل الدنيا.. عبر اختياراته لكل الدروب التي لا يسلكها الآخرون، كان يعشق التمرد..حتى في فترة الصبا..كان ينسج خيوط العنكبوت.. ويفضـــل السير عليها.. خيطاً خيطاً..
ويقول الشيـــخ: «عــن تلك الأيـــام.. ونسيجه لخيوط العنكبوت.. والسيـــر عليهـا» نشــأت فــي أحضــان فريــق الفاضل بالمنامة، كنت شقياً، دائماً ما أبادر بالقيادة خارج البيت.. أو داخله.. شخصيتي.. عجنتها كلها كالصلصال.. وكانت الكرة هي عشقي الأول كما بقية الشباب في ذلك العمر.. فبدأت بركلها.. وتبعتها إلى حين أخذتني في أزقة ودواعيس الفاضل.. وكان الصراع.. وكان السباق يعلن عن بدايتي.. وكان التحدي الذي بدأ مع الركلة الأولى».
ويضيف» الكرة التي تبعتها لم تأخذني عن الموسيقى، حتى وأنا صغير كنت أشعر أن الموسيقى كخيوط الدم التـــي تجــري فــي عروقــي، ولا أدري لذلك من سبب. كنت أجمع محصول العيدية، لكن بشكل مغاير لزملائي كان دربي يذهب لشراء آلة موسيقية، وفعلاً اشتريت الآلة.. والسبب أنها كهربائية والآخر أنها موسيقية كنت مغرماً بالعبث في الآلات التي أقتنيها، وتحديداً الكهربائية، أعشق تفكيكها.. وإعادة تركيبها».
الموسيقى خيط الدم
ويقول الشيـخ: «كانـــت الموسيقــــى الخيط الأهم في نسيج دربي .. ذلك الشعور بدء تلقائياً.. عندما شعرت أن شقيقي وهو الأصغر مني عمراً، كنت أقول لنفسي أن من يعزف هو أنا.. حدث كل ذلك في الصف «الأول ثانوي» أصبح التغيير المتوقع في سلوكياتي، وبدأت أكثر منه يحدث كل ذلك لا لاهتمامي بالكرة.. واللعب مع الرفاق.. لكنني كنت أذهب في الاتجاه الآخر وأنسج خيطاً من خيوط العنكبوت.. لكن بحذر ورقة.. وبراءة.. كان أينما هي مغايراً للكرة.. لكنه قريباً إلى الموسيقى».
ويضيـف «هذا النسيج أشعل النار بيني وبين والدي -رحمه الله- أذكر أنه قال لي: منذ حوالي 200 عام عائلتـك كانت ولا زالت تعيش في بيت كل ما فيه المحافظة على التزامها نحو دينها والمحافظة على أداء شعائر هذا الدين، وأنت لن تخرج عن هذا الخيط.. ولن يكون لك إلا هذا الدرب».
ويؤكد الشيخ، قائلاً: «للعود مكان غير معلن في قلبي.. تذكرت تلك الأمسية..التي أخذتني من كل دروبي.. ونسجت حولي خيوطها العنكبوتية، اقتنيت العـــود لأول مرة لكني أخفيته خــــارج بيتي، غطيته باللحاف.. وكان لحافه سجادة في المسجد القريب من بيتنا، حافظت على هذا الرفيق تحت ذلك اللحاف الطاهر.. لم يستطع أي مخلوق أن يكشفه.. ولا أن يقترب منه».
أشركت مع العود رفيقاً آخر.. واشتريت الكمان، لكنني أخفيته قريباً مني.. كان تحت السرير الذي أنام عليه.. هو المسكن الآمن له، ثم جاء الدور على الطبلة.. فبدأت وإخواني ثورة التطبيل والتزمير، وبدأ الإخوة مشاركتي هذه الثورة فمنهم من كان يطبل.. والآخر يزمر.. والثالث اختار الغناء درباً للسير فيه.
سجلـــت كل تلك الأعمال التــي كنـا نؤلفها.. نغنيها.. نعزفها.. ولا زلت أحتفظ بهذه التجارب المزعجة.. المتمردة».
أسرة محافظة وعود ينام في بيتها
يقــول خالــد «لكـن في ذلك الجو الأســــري.. المحافـــظ كانـــت أمـــور الموسيقى تجز عباب البحر.. وترسي في مراسيــي.. سكنــت الموسيقـــى في بيتنا ولم تكن محرمة.. عند أبي وأعمامي لم تكن شيئاً حرام اقتنائه.. أو سماعه.. فأنا من عرف أم كلثوم.. لكنه أبي من كان الدرب الذي أوصلني إليها».
ويضيـــف «أبـــي مـــن كــان يحضـــر إسطوانات أم كلثوم، وأذكر من أغانيها «سيرة الحب» و«أمل حياتي»، فوالدي كان يأمل بأن أكون دبلوماسيــــــــاً.. ولا يرضى أن أكون موسيقياً.. وهنا الخلاف».
ويقول: «كان طموح أبي، أن أدرس العلوم السياسية والاقتصاد، وكان يعشق أن يصنع مني وجيهاً.. وهو الأهم، لكن ما أفشل مشروعه الوجاهي.. ليست كرة القدم لكنهــــا الموسيقى هي من أخذتني في درب آخــر.. ونسجت حولي خيط لم يــرده والدي ولم يفكر حتى بأن يحلم به، لقد كان 2007 أكثر الأعوام نشاطاً بالنسبة لي رغم أنه بداية الشعلة للمعارك الطاحنة في عالم يفضل القتل على السلام».
ليل لا تنتهي ظلمته
ويواصل الشيخ «الموسيقى هي الدم الذي يعينني على الحياة وبدونها.. كمن يعيش في ليل لا تنتهي ظلمته، فهي لا تكتفي بالحب ليروي عطشها.. ولا حتى الحس فمستلزماتها كسر السائد.. والمتعارف عليه، والفرار من الثبات إلى إطلالة الحلم.. وقد بدأت بها مشواري من مدرسة جاسم الفردان مع بداية السبعينات، وكنت طالباً أعشق الانتظام والالتزام وأسارع الخطــى.. وأحقـــق الأحـــلام، محمـــد أشكناني هو من شاءت الظروف أن التقيته وهو زميل لي بجامعة الكويت.. وهو ابن الكويت الذي علمني ألف بــاء الموسيقى، وهذا ما ساهم في إيقاظ شيطان المؤلف الموسيقي بداخلي.. وهو ما أجبرني على الاستمرار في دربي الموسيقي إلى نهايته».
ويقول: «بدأت انطلاقتي من النظائر بالكويت في العام 1983، وكانت «كلما كنت بقربي» هي بداية الرحلة.. بعدها تناثرت بقية الخيوط وبدء معي عالمي الموسيقي، وتعددت فيه التجارب».
ويضيف «أود أن أعترف بأنني قمـــت بتخريب المألوف في القصيدة لحظتها اكتشفت الكثير من الجمال في هذه التجربة المجنونة، أن أسير بالقصيدة من اليسار إلى اليمين..أن أعكسها كان هذا الاتجاه إلى القصيدة في» لما تراءت هند مر ومنيتي».
ويوضح «أنا والعود يكمل خالد» جملاً موسيقية لا تنتهي.. كان هو اللغز الذي وضعت يدي عليه والتقيته في رحلة إلى بغداد العام 1976، عندما زرت ورشة تصنيع العود لمحمد فاضل وقال لي، إن «أعجبك أحد هذه الأعواد ما عليك إلا حمله والمضي به دون أن تلتفت إلى الوراء، وأخذت إحداها ولا زلت أحتفظ به كما إنني أذكر أن عودين من أعوادي لفوزي منشد واحد منها لازال صديقاً لا يفارقني لأنه إهداء من الصديق محمد السويدي، وهناك أيضاً عود أعتز بصداقته ارتبط بعملي مع الصديق عبدالمجيد عبدالله، وجمعنا في إحدى الجلسات بالبحرين، وعزفت في هذا العود المكون من 8 أوتار، وهو العود الأول لدي بثمان أوتار».
الأكثر مشاركة بين الأعوام
ويقول خالد كان 2006، مليء بالعديد من الدروب.. اقتصادية، سياسية، وأهم المحطات الشخصية بالنسبة لي كان تخرج إحدى بناتي مروة، وسفر دارين إلى البرازيل، وكذلك ابنتي نور، التي غادرت لإكمال دراستها في مانشستر، هن كن السبب في دخولي حياة جديدة.. معهن.. وفتحن لـــي أبــواب لـــم أعهــد المــرور عليهــــا طوال فترة حياتي، والحروب المؤلمــة المستمرة، التي لم تنته إلى الآن في العراق في فلسطين وسوريا ومصــر ولبنان».
ويضيـــف «إذا سئلت عن دول العالـــم تجدها تعيش فوق صفيح ساخن فعلاً أينما توجهت تجد الشعوب في عراك لاتعرف نهايته، وكانت لي مشاركات في أكثر من محطة في «روتانا» و«الحرة» وفي أبوظبي، ومع الإذاعات.. في قطر مع «صوت الخليج «كانت لــي أكثر من تجربة».
ويواصل الشيخ، أن «العـــام 2007 هو مرسى جديد فتح لي الكثير من دروب العمل في المهرجان الثقافي في شهر مارس، وأنا أقول إن هذا العمل فيه الاهتمام الأكبر الذي فتح لي الكثير من الأبواب التي أنا من يبحث عنها منذ سنوات، كذلك فإن مهرجان ربيع الثقافة بالبحرين كان تجربة فريدة استطعت من خلالها أن أتخلص من بعض أحلام خالد الشيخ لأرمي بها لجمهور هذا الربيع، هناك أيضاً مشروع تم تحقيقه مع وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية بالبحرين، يتعلق بحملة لصالح المعاقين، في عمل إعلاني بسيط لكنه جداً مهم ومعبر من إخراج عامرالخفش، و«إليك أعود» العمل الغنائي التعبيري الممسرح الذي قدمته في قطر، أيضاً من إخراج عامر الخفش، وهو واحد من الأحلام التي رافقتي لسنوات طويلة ولم أتوقع أن يخرج من مفهوم الحلم إلى الحقيقة».
ويضيف «كذلك المشاركة في مؤتمر حريـــة التعبيــــر في الموسيقـــى فـي الشرق الأوسط، الذي تنظمه مؤسسة فريميوز «Free muse»، بالتعاون مـع مؤسسة هينرخ بل في بيـــروت بمساندة جمعية عرب للموسيقى العربيــة في بيــروت، بيــن الســادس والثامن من تشريـــــن الأول «أكتوبر» 2005».
ويقول خالد الشيخ: «أنا الآن أستريح متنقلاً بين تلك الأيام والأيام التي نعيشها ونترحم على ما نسمعه علنــــا نكون مخطئين في ما نظنه هدماً لجدران «برلين» الأغنية وعلنا نصحـو على العودة من رحلة غوص بالكثير من المحار بعد غيبة طويلة في هيرات الغربة، لنردد في زفة اليامال «عادت بنا الأيام فوق السفينة».