بنا- يبدو السؤال مهما في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به الأمة العربية بأسرها، خاصة مع استمرار تعرضها لمحاولات مستميتة بهدف جرها لأتون حالة من الفوضى وبواعث التوتر. ويبدو أن البحرين ليست بعيدة عن هذه الأجواء التي تأبى قوى الشر سوى أن تجرها هي الأخرى إلى ساحة من ساحات التطرف التي امتلأت بها دول المنطقة والعالم، مؤكدة أنها يعز عليها ما تعيشه المملكة من طمأنينة واستقرار نَعِمت بهما طوال تاريخها الحديث والمعاصر.
لكن لماذا البحرين وحدها تتلقى كل هذا الهجوم الذي يترى بين الفينة والأخرى؟ وهل المملكة تستحق كل هذا العداء الذي تُجابه به من مثل هؤلاء؟ وهل هناك من مبرر واحد يمكن الاقتناع به يسوغ للغير التدخل في شأن دولة أجنبية عنهم، خاصة أنهم غير مخولين بالحكم على أحد، ولا يملكون ما يؤهلهم لذلك أصلا، ولا التعليق على وضع هو أفضل ما يكون قياسا بأوضاع بلدانهم التي تستوجب منهم الاهتمام أكثر من غيرها؟.
الهجمات «الكلامية المتزامنة»
الداعي إلى طرح مثل هذه الأسئلة وكثير غيرها، أنه في غضون عدة أيام لم تزد عن أصابع اليد الواحدة، واجهت المملكة أكثر من تصريح هجومي سعت عبره بؤر العداء المختلفة إلى التدخل في شؤونها الداخلية، والنيل من وحدتها، والتشكيك في سجلاتها الحقوقية ومنجزاتها الوطنية، وكأن هجوما أبت هذه الأطراف والقوى إلا أن ترتب له وتطلقه في وقت واحد تقريباً بغرض لم يعد يخفى على أحد.
وواقع الأمر أنه لم يعد هناك حاجة إلى التأكيد على أن الهدف من مثل هذه الهجمات «الكلامية المتزامنة» التي أطلقها ما يعرف بـ»حزب الله» اللبناني ضد المملكة وغيرها، إضافة إلى تأليب قطاعات من الرأي العام الداخلي والتحريض على العنف ودفع دورته لتحصد المزيد من الأبرياء، هو خلط ملفات المنطقة ببعضها، والتلبيس على الناس، وتشويه مدركاتهم بشأن العديد من الحقائق الاستراتيجية على الأرض، خاصة في البحرين التي كانت في مرمى هجوم لا ناقة لها فيه ولا جمل. ولعل من بين أبرز هذه الحقائق التي يبدو أن البعض يغض الطرف عنها عمدا: عدم وجود ما يربط أو يستدعي ذلك الربط بالأصل بين ما يحدث في أي دولة قريبة أو بعيدة والبحرين، وأن ما تعرضت له المملكة في وقت من الأوقات أو قد تتعرض له من عمليات تخريب متناثرة لم ولن تكون إلا جريمة إرهابية مكتملة الأركان بحق المجتمع والدولة، وأن مثل هذه الجرائم ستُجابه والمحرضون عليها بكل قوة يحددها قانون المملكة المعمول به.
وهنا لا يستحق الأمر كثير عناء لتأكيد خطورة مثل هذه التصريحات التي يطلقها البعض ضد دول لم ترتكب جريرة سوى أنها تحاول العيش بسلام في أكثر مناطق العالم سخونة والتهابا، كما لا يمكن تجاهل هذه الصلة والارتباط الوثيق بين ما تُحدِثه مثل هذه التصريحات، وأشباهها، من توتر وفوضى في بعض الدول المجاورة وصعوبة حلحلة ملفات المنطقة المختلفة، وهي تصريحات عفا عليها الزمن سياسيا، ويتم اجترارها بين الحين والآخر لمجرد بث الشعور بالذات، وإثبات الحضور «الغائب» عن المشهد، والتواجد فيما بات من الصعب العودة إليه مجددا.
حقيقة بات القاصي والداني يقر بها، وهي أن الحضور الذي كان يراه البعض كذلك نتيجة لبعض الظروف، لم يعد سوى خدعة استغلها ما يسمى بـ»حزب الله» لتحقيق مكاسب ما للأنظمة والأطراف التي يمثلها ويعبر عنها، وأنه كان ولا زال مجرد امتداد أو ذراع لقوى تضمر الشر والعداء لشعوب الأمتين العربية والإسلامية، وربما مجرد ورقة تتقاذفها الدول وفق حسابات معينة وسوف يتم الإلقاء بها آجلا أو عاجلا في مذبلة التاريخ..
لقد ملأ هذا الحزب ـ الذي لا نعرف عنه سوى أنه مجرد فصيل سياسي داخل إحدى الدول ـ الدنيا ضجيجا بدعوى المقاومة، ولن يتم الخوض كثيرا في ذلك ولا في نوازعه ومواقفه ولا حتى في خلافاته وانتماءاته ومن يدور في فلكهم، ويتلقى الأوامر منهم، فهذه أمور قُتلت بحثا ويعرفها الجميع، ولمن أراد الاستزادة عليه فقط البحث والتدقيق في مواقف الداخل والخارج اللبناني منه، ممن يحملونه مسؤولية الكثير من التوتر والدمار الذي تعرضت له المنطقة خلال العقد الأخير.
مغالطات المقارنة المضللة
ويبدو نتيجة لذلك، أن ساعة حساب أخطاء بل خطايا هذا الحزب قد حانت، وملامح ذلك ظهرت جلية بالنظر إلى التطورات الحاصلة على صعيد المشهد الإقليمي، ويؤكد ذلك أمرين، أولهما: حجم الهجوم الذي يلقيه أمينه العام يمنة ويسرا ولم ينج منه أحد حتى الآن غير أعوانه بالداخل الذين ينقلب عليهم دوما، وهذا الهجوم الذي لا يتوقف في خطاباته وتصريحاته يعكس في رأي كثير من المراقبين مدى المأزق والإفلاس الذي بات يشعر به الحزب ويحاول الهروب منه عبر القفز إلى الأمام ومن خلال تصدير أزماته الداخلية إلى الغير، ومنها إلى البحرين..
الأمر الثاني: يتعلق بحجم السخط والإعراض الذي يُجابه به الحزب الآن ومواقفه على الصعيدين الداخلي اللبناني والإقليمي ـ الدولي أيضا، هذا ناهيك عن الفتور الذي أصاب مريديه والمتعاطفين معه في لبنان وفي غيره من الدول، بعد أن كانت تلهب كلمات أمين عام الحزب في السابق حماسهم وتستحوذ على انتباههم بحكم الضرب على وتر الشعور بالظلم والاضطهاد الطائفي، وهو الخطاب الذي لم يعد يجذب أحدا ولا يحظى بأي اهتمام، سيما مع ظهور كم من التناقضات والافتراءات التي لا ينبغي السكوت عليها.
ولعل من بين أبرز هذه المغالطات ما يتعلق بمقارنته المضللة للأوضاع في المملكة بغيرها من الدول التي تئن من وطأة أوضاع لا يوجد لها دليل واحد يدعمها في البحرين، بل ولا تصمد أكاذيب الحزب كثيرا أمام الحجة التي أقر بها الرئيس الأمريكي ذاته في حديثه الأخير أمام الأمم المتحدة، واعترف فيها بـ»طائفية» ما يحدث في البحرين من جانب بعض الموتورين الذين يطلقون على أنفسهم «معارضة»، وهي الحقيقة التي يحاول الحزب دوما الالتفاف عليها، على اعتبار أن الوضع في البحرين لا يمكن أبدا أن يتشابه من قريب أو بعيد بما يحدث في غيرها من الدول التي تشهد يوميا عمليات قتل ودمار واسعة.
صحيح أن مثل هذه المواقف غير المبررة متسقة مع مواقف سابقة للحزب ومحركيه، وهي مواقف لن تكون الأولى ولن تكون الأخيرة، وقد اعتادت البحرين عليها، وامتلكت الحصانة الكافية لمواجهتها والتصدي لها، غير أن مزاعم الرجل وافتراءاته بحق المملكة تستوجب التأكيد مجددا ودوما على أن ما يسميه «حراكا» ما هو إلا محاولة للفرز الطائفي تدعمها دول تحاول ترسيخ هذا المنحى في دول المنطقة بأسرها، ولا يتوفر لها أي شكل من أشكال التأييد الشعبي، ولا تتمتع بأي درجة من درجات السلمية التي يدعيها، بل هي على العكس من كل ذلك.