كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
يروي صالح شهاب في كتابه «تاريخ التعليم الصناعي في مملكة البحرين»، قصص تاريخية رائعة توثق لحقبة زمنية مهمة، كانت فيها البحرين رائدة في التعليم والتنوير، ومنه التعليم الصناعي، الذي كان قبلة لأبناء الخليج العربي، خصوصاً أبناء الكويت، الذين شغفوا بهذه الجزيرة حباً ما بعده حب، وراحوا يتغنون بها كما تغنى الشاعر قيس بن الملوح بحب «ليلى العامرية».
«تاريخ التعليم الصناعي في مملكة البحرين من الثلاثينات إلى مطلع الألفية الثالثة «مرجع ثري يرصد تاريخ التعليم الصناعي، وقصة بداياته حتى العام 2007، عندما صدرت الطبعة الأولى منه، حيث يوثق منذ العام 1936 حتى 2007، بجهد ملموس وواضح للعاملين على إصداره فإن كانت الفكرة من محمود محمد رمضان شراقة من معهد الشيخ خليفة بن سلمان للتكنولوجيا فإن أعضاء فريق البحث، هم:» عبدالرحمن أحمد عبدالرحمن، الشيخ، وإبراهيم محمد إبراهيم مرشد، وطه حسن محمد القلداري»، هذه الأسماء تعاونت لتؤرخ مشكورة هذا المرجع التعليمي البارز الذي استوقفتني الكثير من القصص والذكريات عن تاريخ التعليم، وكان لابد لي أن أعرض بعض من جوانبه فهو مرجع يقع في 575 صفحة يتحدث الكتاب عن بدايات «التعليم الصناعي في لبنته الأولى بالبحرين بدأ في العام 1936، حيث تم إضافته إلى التعليم بمدرستي الهداية الخليفية بالمحرق والمدرسة الغربية بالمنامة، وكان فرع النجارة على مستوى مهني محدود، أما في العام 1937 أي بعدها بعام واحد فقد تم إضافة فرعين جديدين إلى فرع النجارة، وهما البرادة والحدادة، الأمر الذي أدى إلى إيجاد بناية مستقلة، وقد ساد جو الدراسة جو عملي حرفي أكثر مما هو صناعي، بسبب انعدام الآلات والاعتماد كلياً على الأدوات اليدوية المعروفة، فيما جاءت الفترة من 1940 - 1950، بمحاولات لوضع نظام ثابت تسير عليه المدرسة في مختلف أمورها، بعدها تم تزويد المدرسة الصناعية بمعمل والآلات وتزايد في تلك الفترة عدد طلابها إلى العام 1958، حيث تم تطوير مناهج الدراسة، وحدد القبول بالشهادة الابتدائية كحد أدنى بعدها اقتصر الالتحاق على حملة الشهادة الإعدادية اعتباراً من العام الدراسي 1969 -1970.
يتذكر تلك البدايات جعفر عبدالله هاشم»طالباً في مدرسة المنامة الابتدائية للبنين «الخليفية»، كان ذلك العام 1937عندما كنت أشاهد زملائي عند بوابة المدرسة التي كانت عبارة عن «عريش» به أدوات، وعدد للنجارة، كان يعمل بداخله مدرس واحد فقط، معه بعض الصبية، كان فضول الأطفال يجعلنا نقترب منهم ونراقب ما الذي يفعلونه.
في العام 1938 يقول جعفر تم بناء مدرسة مستقلة للصناعة، مقابل مدرستي، وقد التحقت بمدرسة الصناعة عام 1941، وبدأ التعليم فيها بمنهج دراسي موزع على سنتين، وكان تخطيط المدرسة على الطراز القديم، ويتذكر جعفر أنه كان يشتمل على ثلاث غرف تتوسطهم غرفة الإدارة ويوجد رواق فسيح على واجهة الغرف، ويواصل جعفر البحث في ذاكرته» لقد تغير اسم مدرستي عدة مرات ففي بدايتها سميت «الجعفرية»، وبعدها إلى «الخليفية» ومن ثم إلى«الغربية».
جالوي يرسل كويتيين
الطريف في قضية التعليم الصناعي أن أوائل الطلبة من أبناء الخليج العربي من الشقيقة الكويت وكان الطالبان عقاب محمد الخطيب، وخالد عبدالكريم الغربللي، وهما مبتعثان من شركة نفط الكويت للدراسة بمدرسة الصناعة الحكومية بالبحرين قصة ابتعاثهم وانتظامهم تمت في مراسلات ما بين المستشار تشارلز بلجريف مستشار حكومة البحرين في تلك الفترة، والمعتمد السياسي البريطاني في البحرين«وايت مان» والمعتمد البريطاني في الكويت«جالوي» تقول إحدى هذه الرسائل المرسلة من بلجريف إلى «وايت مان» يشرفني أن أشير إلى رسالتكم المؤرخة في 24 أكتوبر لأفيدكم أن حكومة البحرين ترحب بقبول هذين الطالبين من الكويت للدراسة في الكلية الصناعية، مدة الدراسة سنتان فقط وتشمل على فصلين دراسيين مدة كل منهما أحد عشر شهراً، وأما رسوم الكلية فهي«30» روبية شهرياً أي «330» روبية سنوياً للطالبين باستثناء السكن وتكاليف المعيشة، وأما أقسام الكلية فهما قسمان النجارة وقسم الميكانيكا في فروعها المختلفة على أن يشترط في الطالب الذي سيلتحق في قسم الميكانيكا أن يكون له دراية جيدة في الرياضيات، كما إن هناك مجالاً فيما إذا تكرمتم مستقبلاً بقبول أكثر من طالبين، كما أرجو أن يكون الطلاب بصحة جيدة وأن تتراوح أعمارهم ما بين 15 سنه و20 سنة، وأما عن خريجي هذه الكلية، بصفة خاصة قسم النجارة ومدى تأهيلهم للعمل في شركة نفط الكويت فلدينا تجربة ناجحة بأن ثلاثة من طلابنا الذين تخرجوا حديثاً في قسم النجارة في هذه الكلية قد زاولوا عملهم في شركة بابكو بأجر جيد قدره «3» روبيات يومياً، ومما لا شك فيه أن خريجي الميكانيكا أيضاً سوف لا يقلون عنهم في المستوى الفني، وفي الأجر اليومي علماً بأنه حتى الآن لم يتخرج أي طالب في قسم الميكانيكا «خادمكم المطيع جيمس بلجريف - مستشار حكومة البحرين».
أما المعتمد السياسي البريطاني في البحرين «وايت مان» فيبعث بدوره برقية إلى المعتمد البريطاني في الكويت«جالوي» يطمئنه على قبول الطالبين في البحرين» بالإشارة إلى برقيتكم المؤرخة 20 فبراير 1940، نفيدكم أنه قد تم اتخاذ الترتيبات اللازمة لسكن الطالبين كما أرجو إرسال رسوم الكلية إلى مدير التعليم في البحرين راجياً أن تبعثوا الطالبين في أسرع وقت ممكن وبدون تأخير كما أرجو أن يكون الطالب الذي سيلتحق في قسم الميكانيكا على إلمام جيد في الرياضيات.
وبعد تسلم «جالوي» برقية المعتمد البريطاني بحوالي 20 يوماً تمت الإجراءات اللازمة لسفر الطالبين عقاب وخالد كمنحتين دراسيتين من شركة نفط الكويت للدراسة في الكلية الصناعية في البحرين، أولهم في قسم النجارة، والثاني في قسم الميكانيكا.
وتواصلت المراسلات بين المعتمدين السياسيين بالبحرين والكويت بشأن التحاق الطالبين الكويتيين للدراسة في البحرين، خصوصاً بعد حدوث التباس في تكلفة الطالبين، فبعد أن كانت التكلفة الإجمالية قد بلغت «63» روبية و«10» آنات و«6» باي للشهر الواحد، ارتفعت لتصل إلى«75» روبية شهرياً، ما جعل المعتمد البريطاني في البحرين يرسل إلى زميله في الكويت برقية يشرح فيها تفاصيل المبالغ المتبقية على الشركة.
عشق البحرين
في الرسالة المؤرخة في 20 يوليو 1940، قام المعتمد البريطاني في الكويت بإرسال برقية للمعتمد البريطاني في البحرين برغبة الكويت إرسال أربعة طلبة آخرين للدراسة في البحرين وبعد مماطله من بلجريف تم الاتفاق على إرسال الطلبة عن طريق البحر على إحدى البواخر وهم: أحمد محبوب العامر، شيخان أحمد الفارسي، بدر أحمد الحداد، وصالح جاسم شهاب.
من ضمن الطلبة الكويتين الجدد الذين ابتعثوا من شركة نفط الكويت هناك شخصية التصقت بالبحرين وأحبها لدرجة العشق حتى قال عنها «لقد تعلقت بحب البحرين وجننت بها كجنون قيس بن الملوح بليلى العامرية»، حتى إنه سمي في الكويت «أبو البحرينيين» لاهتمامه بشؤون الطلبة البحرينيين بالكويت ويتابع مشاكلهم ويهتم بتذليلها، وكان قريباً من أبناء البحرينيين في الكويت ولم ينقطع عن زيارة أخوانه وأصدقائه في البحرين.
صالح جاسم شهاب من مواليد الكويت 1924، وكان قد بدأ تعليمه في مدرسة المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان في عام 1930، وبعد أن حصل على دبلوم الكلية الصناعية بالبحرين 1942، التحق بسلك التدريس بمدرسة الشرقية بمعارف الكويت وتنقل بعدها لعدة مدارس ومناصب قبل أن يتم تعيينه ناظراً لمدرسة الرشيد في منطقة الدسمة ومن ثم وكيلاً مساعداً للثقافة والسياحة في وزارة الإعلام 1964، بعدها صدر مرسوم بتعيينه وكيل وزارة مساعد لشؤون السياحة وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته عام 1985.
يتذكر صالح شهاب أول رحله له للبحرين عندما كان أحد الطلبة المبتعثين من شركة نفط الكويت «كنت في العام 1940 عندما وصلت البحرين طالباً ولم يتجاوز عمري الخامسة عشرة، يقول صالح توجهنا إلى البحرين على ظهر الباخرة، التي كان اسمها على ما أتذكر، «بربيتا» أو«دواركا»، عندما غادرنا الكويت ظهراً قضينا تلك الليلة على فرش متواضعة على «سطحة» الباخرة وقد تكرم علينا بها الأخوة الكويتيون المسافرون بنفس الباخرة بعضهم إلى كراتشي والغالبية إلى بومبي، ومازلت أتذكر يقول صالح» ما أن بلغت الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي حتى باتت لنا معالم البحرين، تتضح شيئاً فشيئاً بنخيلها الباسقات ومينائها الذي يكتظ بسفن «القطاعة «الكويتية ، واللنشات المحملة بالعديد من البضائع والمواد الغذائية التي وجدت البحرين أسواقاً رائجة لها، ولم تكن هذه المعالم واضحة الرؤية لكون الباخرة راسية في البحر، وبعد ساعة من وصولنا شاهدت العديد من اللنشات تتجه صوبنا تتقدمها اللنشات الحكومية الخاصة بإجراءات الصحة والجوازات، واللنش الخاص بشركة «كري مكنزي»، لقد لفت نظرنا من ضمن القادمين في اللنشات القادمة من الميناء رجل يرتدي الزي الأوروبي وعلى رأسه الحطة والعقال، فقال أحدنا لابد أن هذا الرجل هو المبعوث القادم لاستقبالنا فتعالوا نسهل عليه المهمة ونقف صفاً واحداً بعيداً عن بقية الركاب وكنا نتميز بأناقتنا وجمال هندامنا ونظافة ملبسنا والعقال الأسود الذي كنا نلبسه لأول مرة والسترة القصيرة التي جاءت منسجمة مع ثوب الصوف الجديد «الدشداشة» إضافة إلى الساعة التي تزين معصمنا ولا يلبسها إلا كل ذو حظ عظيم.
هذه الصور سهلت على المبعوث الذي ما أن صعد للباخرة حتى استطاع أن يتعرف علينا، «الحمد لله على السلامة» كانت أولى كلماته ومن ثم تبادلنا التحية وعرفناه على أسمائنا، ثم عرفنا على اسمه ومركزه «سكرتير مدير معارف البحرين كمال قاسم المهزع»، أدريان فالانس«عرفت أنه ابن المرحوم الفاضل الشيخ قاسم المهزع قاضي قضاة محاكم البحرين، الذي اشتهر والده بعدالته وله العديد من المواقف المشرفة التي يلهج بها المواطنون في البحرين لعدالته في أحكامه، المهزع الابن قادنا إلى بناية مكونة من دورين في شارع الخليفة تقع في أحد الأسواق التجارية، وكان الدور الأول عبارة عن مجموعة من الدكاكين والمحلات التجارية، وأما الدور الثاني فينقسم إلى قسمين أحدهما قد استغل نادياً « نادي المختلط الرياضي» ويشغل منصب سكرتير هذا النادي صاحبنا كمال المهزع ويحتوي القسم الآخر على غرفتين شغل كل اثنين منا غرفة ولعدم وجود مطبخ مجهز لإعداد الطعام تم الاتفاق بين معارف البحرين، وأحد المطاعم القريبة من البناية وهو مطعم «عباس العراقي» وكان مقابل مطبعة «عبدالله الزايد».
وبعد أن انتظمنا في الدراسة وتعرفنا على مدرسينا وزملائنا من الطلبة شعرت كمن ورط نفسه في دراسة مادة لا يحبها لكنها البحرين التي أغنتني عن كل ذلك فقد عشقت هذه البلد وجننت بحبها كجنون قيس بن الملوح بمعشوقته ليلى العامرية.
مأدبة عشاء على شرفنا
يواصل شهاب «لم يمض على وجودنا في البحرين أسبوع حتى زارنا كمال قاسم المهزع، ليخبرنا بأن المرحوم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين يدعونا إلى العشاء اليوم، وسيكون بانتظارنا في القصر المرحوم عبدالله بن جبر الدوسري، وكانت هذه الدعوة بمثابة عربون المحبة الذي ربط ولازال أهالي البحرين بإخوانهم في الكويت ودليل على وشائج القربى ما بين الأسرتين آل خليفة وآل صباح، ثم توالت العزايم من أفراد الأسرة الحاكمة والشعب البحريني الذي أحاطنا بكرمه ومحبته، في نوفمبر 1941 انضمت إلينا بعثة ثالثة من زملائنا في المدرسة المباركية للدراسة في نفس التخصصات، وكانت البعثة مكونة من خمسة طلاب بسبب التقشف الذي اتبعته شركة نفط الكويت بعد أن قلصت عدد العاملين فيها وسرحت مجموعات كبيرة من أعمالهم كل ذلك بسبب قيام الحرب العالمية الثانية التي كانت تدور رحاها في تلك الفترة، والزملاء الجدد، هم:» عبدالمجيد محمد حسين، محمود عبدالله إسجاق، عبدالله محمد العجيري، عبدالعزيز عبدالله الفهد، ومحمد صالح تقي»، وبعد انضمامهم إلينا أصبح عددنا في الكلية اثني عشر طالباً نعيش في القسم الداخلي، ولأن معظمنا من هواة كرة القدم فقد شجع هذا أستاذنا سعيد طبارة في أن يشكل فريقاً لكرة القدم واختير لون القميص للفريق اللون الأسود واللون الأصفر، وقد تم وضع شعار الفريق والمكون من المطرقة والسندان، إلا أن بعض الزملاء اقترح أن يغير الشعار إلى» مطرقة ومنجل»، الذي يرمز إلى أن المطرقة تمثل الكلية الصناعية والمنجل يمثل الزراعة، التي كانت في تلك الفترة متقدمة في البحرين، وقد تم تشكيل الفريق واصبح به عناصر قويه مثل المرحوم عبدالله الحمد الفوزان، الذي يعتبر من أبرز لاعبي فريق المحرق، وأحمد الشوملي، والثنائي المرح في الهجوم خالد الغربللي، وموشي أحد زملائنا وهو اليهودي الوحيد في الكلية، الذي جاءتني الأخبار بعد ذلك أنه هاجر إلى إسرائيل مع من هاجروا.
تشكيل المعارف
في يوم الأحد 12 يناير 1957، أصدر حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، قراراً بإعادة تشكيل مجلس المعارف، وإسناد رئاسته إلى نجله الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، خلفاً للشيخ مبارك بن حمد آل خليفة، الذي عين رئيساً لمجلس الصحة، وفي العام 1956، توجه الشيخ خليفة بن سلمان إلى بريطانيا، حيث أمضى خمسة شهور، اطلع خلالها على أساليب التعليم وبرامجه الحديثة ونظام الإدارة في المدارس، وبعد عودة سموه من بريطانيا في يناير 1957، كان محملاً بالكثير من الأفكار الجديدة التي كان لها الدور الفعال بالإسهام في تطوير التعليم في البحرين، وكان لحماس الشيخ خليفة في تطوير التعليم وأداء واجبه تجاه البلاد من خلال هذا المجلس هو ما أكسب سموه ثقة وتقدير الجميع، وقد شجع ذلك الحماس الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، عندما قرر تشكيل مجلس المعارف في 13 يناير 1957، على إسناد رئاسة المجلس الى الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وقد تشكل المجلس من الشيخ خليفة بن سلمان رئيساً، وعضوية صادق محمد البحارنة، ومحمد يوسف جلال، والشيخ خالد بن محمد آل خليفة، والحاج عبدالله بن خميس الشروقي.
محطات في الذاكرة
ودعت البحرين في يوم 23 أيريل 1966، المغفور له بإذن الله تعالى فقيد التربويين الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، بعد حياة حافلة بالعطاء إلى مثواه الأخير، وقد كان في مقدمة المشيعين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين، والشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي في تلك الفترة، وتخليداً لذكراه وعطائه تم إطلاق اسمه على «مدرسة المنامة الثانوية الصناعية» عند انتقالها إلى المبنى الجديد بمدينة عيسى.
علي سيار نموذجاً
على سيار واحد من الطلبة الأوفياء لمدرسيهم ومدرستهم وهنا يتذكر أستاذه سعيد طبارة عندما أحيل للتقاعد «يا أستاذي سعيد طبارة ... إذا كان قد فاتني أن أشهد حفل تكريمك في وزارة التربية والتعليم كما حضرته في عيد العلم ... فأرجو أن لا يكون الوقت قد فات بعد لأبعث إليك ... حيثما تكون ... تحية صادقة ... من تلميذ تعلم منك الكثير ... ومازال يحفظ لك الكثير من الود والعرفان والامتنان». يقول على سيار عن قصة دخوله مدرسة الصناعة» أذكر أن وفداً كشفياً كويتياً زار البحرين عام 1941، وكانوا ينشدون «بلادي .. بلادي .. بلادي .. لك حبي وفؤادي»، وكانت يومها المشاعر القومية العربية سائدة، وشاركت في زيارة وفد مدرسة الصناعة التي كانت قرب»القلعة « في المنامة، ورأيت الطلبة هناك في ورشة الحدادة، المهم أنني دخلت الصناعة من تلقاء نفسي في لحظة انبهار بالميكانيكا، وذلك من خلال دعوة للمشاركة في امتحان تأهيلي عقد بالمدرسة الغربية، وكان مديرها آنذاك الأستاذ حسن الجشي، فشعرت بسعادة لا توصف فها هو الحلم يتحقق، وفي اليوم الموعود قدمت الامتحان، ونجحت وكنت الأول على المجموعة المؤلفة من ثمانين طالباً نشرت أسماؤهم في مجلة البحرين، وبعد ثلاث سنوات من الدراسة تعد أجمل أيام حياتي انتهت بترشيحي إلى بعثة لمواصلة الدراسة في القاهرة التي كانت بالنسبة لي حلماً بعيد المنال، حيث درست مع أحمد الشوملي، وعبدالرحمن الجودر، في مدرسة الصناعة الثانوية في بولاق، وحصلت بعدها على دبلوم الصناعة وكنت الأول على المصريين من دفعتي في المدرسة».
وقد يعد ما عرضنا له فصلاً مصغراً من فصول التعليم الصناعي الكبير وقد تعد هذه الكلمات نقطة في بحر لن ينتهي حتى لو عرضنا له العديد من الصفحات وأفسحنا له السطور، فتاريخ التعليم الصناعي في البحرين فيه العديد من المربين الأفاضل والمدراء والمدرسين والطلبة الذين تبوؤوا اليوم المناصب القيادية في الوزارات والشركات والمؤسسات بالبحرين، كل الشكر للمربين الأفاضل الذين قدموا هذا الكتاب الجميل وأرخوا لفترة تعد من الفترات الجميلة والتاريخية من عمر التعليم الصناعي ليس في البحرين ولكن في منطقة الخليج العربي بشكل عام.