تناولت الحلقتان السابقتان استعراضاً لما تحظى به الحوكمة في المؤسسات الحكومية من اهتمام خاص من قبل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، إضافة إلى الملامح العامة لقضية الحوكمة في المؤسسات الحكومية من حيث أهدافها، ومبادئها، والآليات العامة لتطبيقها.
ونستعرض في هذه الحلقة مخرجات الحوكمة في المؤسسات الحكومية التي تضمنها دليل الحوكمة الذي أقرته الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، إذ تسعى الحوكمة للوصول إلى مخرجات تسهم في تعزيز تنافسية مملكة البحرين كدولة مؤسسات ومجتمع مُتحضر، كما تسعى الحكومة من خلالها إلى الدمج بين متطلبات النجاح المؤسسي وأخلاقيات العمل لتحقيق النتائج والمحصلات المستهدفة.
وتنطلق الحكومة في ذلك من قاعدة أساسية مضمونها أن هذا لن يتحقق إلا عن طريق الممارسات والتخطيط السليم وذلك لضمان الاستدامة، وتعزيز قدرة المؤسسة على التصرف واتخاذ القرارات السليمة، وإدارة مواردها المالية والبشرية، وقدرتها على إدارة التغيير، والسعي نحو التكامل الحقيقي فيما بين الأجهزة الحُكومية، بناءً على توفر روح المسؤولية والشفافية ووضوح الصلاحيات.
وتؤكد تطبيقات الحَوكمة في المؤسسات الحُكومية مساهمتها في رفع الأداء في القطاع الحكومي، ومن أهم المخرجات المتوقعة الحصول عليها عند القيام بتطبيق مبادئ الحوكمة حسب الآليات المقترحة، فأنه سنحصل على التالي: أولاً: الالتزام بالقوانين، حيث تؤكد الحوكَمة على التزام المؤسسات بالقوانين والأنظمة والعمل على تطبيقها بالشكل الصحيح وتقييم أدائها ومدى التزامها بتلك التشريعات والقوانين حسب مبادئ الحوكمة.
ثانياً: الهيكل التنظيمي الإداري، يعرض الهيكل التنظيمي الإداري لكل مؤسسة حكومية المستويات المختلفة للإدارة وتوزيع المسؤوليات والصلاحيات فيما بين التنفيذيين والإدارات المعنية حسب نوعية ونشاط هذه المؤسسة، كما يحدد الهيكل التنظيمي العلاقة فيما بين الموظفين بالإدارة المسؤولة والمهام والمسؤوليات المناطة بهم، كما إن توفر المعلومات الواضحة للفصل فيما بين المسؤوليات وتحديد الصلاحيات حسب المهام الوظيفية، يُمكّن من ضبط السياسات الداخلية ويؤكد على حوكَمة المؤسسات وبالتالي تحقيق الأهداف المؤسسية.
ثالثاً: السياسات وضبط الأنظمة الرئيسة والإجراءات، إذ تساعد السياسات والأنظمة على حوكَمة المؤسسات، وتؤكد على ضرورة توثيقها بشكل واضح ونشرها وتداولها فيما بين التنفيذيين وصناع القرار في مجال عملهم، كل حسب احتياجاته وطبيعة عمل إداراته، وتؤكد الحَوْكَمة على ضرورة تغطية السياسات والأنظمة للعمليات والإجراءات ذات المخاطر العالية، حتى تتمكن من إدارتها بالشكل المناسب
رابعاً: تحسين الأداء الحُكومي، حيث تكون المؤسسة قادرة على تحسين أدائها وتحقيق القيمة المضافة بناءً على نتائج القياس والتقييم للأداء المؤسسي بصورة دورية، وقدرتها على إدارة مواردها المالية والبشرية والمعرفية وتقويم النتائج التي تُمكن من تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
خامساً: إدارة العمليات، إذ يضمن توفر المنهجيات الواضحة وخط سير العمل لتقديم الخدمات إدارتها بكفاءة عالية، كما تكون للمؤسسة القدرة على مراجعة إجراءاتها وتقييم نتائجها ومدى تحقيق الأهداف والعمل على تحسين الأداء بصورة مستمرة لرفع نوعية الخدمات المقدمة للمتعاملين وأصحاب المصلحة بصورة عادلة ومتساوية، بالإضافة إلى تحديد الأدوار والمسؤوليات وتقسيم العمل فيما بين الإداريين والتنفيذيين بوضوح، مما يساهم في تسهيل العمل وحوكَمة إدارة العمليات.
سادساً: حماية حقوق أصحاب المصلحة ورضا المتعاملين، حيث تعتبر عملية قياس رضا المتعاملين عن الخدمات التي تقدمها المؤسسة الحُكومية من أهم المعايير التي تقيس نوعية الخدمة المقدمة لهم، كما تُتيح المجال لتطوير الخدمات بالشكل المناسب مثل تنوع قنوات التوصيل، وسرعة التنفيذ، ورفع جودة الخدمة، بالإضافة إلى رفع نوعية التعامل وسلوك وكفاءة أداء الموظفين، ويعزز نظام الشكاوى وشفافية الحصول على المعلومات المطلوبة. سابعاً: التقارير الدورية، إن التقارير الدورية الصادرة في موعدها توثق العمليات والنتائج وتتابع التغيرات بالمؤسسة وكيفية إدارتها والإفصاح عن المخاطر التي قد تواجهها والقرارات الرئيسة التي اتخذت، كما إن عملية نشر هذه التقارير والإنجازات في موعدها تُعزز الإفصاح والشفافية.
ثامناً: الرقابة والتدقيق، إن وجود القوانين والسياسات والإجراءات التي تدعم الحَوْكَمة والضوابط الإدارية تُحقق أهداف التدقيق الداخلي وتسهل مهام الرقابة الخارجية. كما إن خطط العمل المنفذة والتقارير الدورية الناتجة عن التدقيق الداخلي وأنظمة تقييم المخاطر والقرارات التي أُتخذت بشأنها، تساعد على تطوير نوعية العمل والارتقاء بالكفاءات بتنفيذ الملاحظات والتوصيات الناتجة عن هذه الأعمال، كما إن وجود الأنظمة الرقابية الداخلية بكفاءة عالية داخل المؤسسة، يضمن تحقيق الأهداف الرقابية وتفعيلها، ويوفر الاستشارة الموضوعية للإدارة التنفيذية. تاسعاً: مراجعة المخاطر، تقوم المؤسسات بدراسة دورية للمخاطر فيما يتعلق بأنشطتها والعمليات الرئيسية والتغييرات التي قد تطرأ على المؤسسة ومراجعتها ومن ثم إدارتها، وتقليل آثارها السلبية على المؤسسة، كما يساهم تقييم المخاطر بصورة دورية ورفع التقارير بهذا الشأن للإدارة المسؤولة، بشكل فعال في صناعة القرارات وتقليل المخاطر المستقبلية وإدارتها.
إن توجه الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، تجاه تطبيق الحوكمة في المؤسسات الحكومية يعبر عن رؤية مستقبلية سديدة، تسعى إلى تطوير الأداء الحكومي لأنها تجعل من المؤسسات الحكومية جسماً إدارياً واحداً متكاملاً فاعلاً ومنتجاً وقادراً على أن يترجم الأهداف والسياسات إلى واقع ملموس من خلال مجموعة من الممارسات التي تضمن الاستخدام الأمثل للصلاحيات الإدارية، فضلاً عن تعزيز المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الحُكومية من خلال تقديم الخدمات المتوقعة منها حسب النوعية والجودة المطلوبة، مع الأخذ في الاعتبار أصحاب المصلحة كحماية المستهلكين وحماية البيئة وضمان حقوق المتعاملين.