أكد مشاركون في الملتقى الإعلامي الخليجي «وسائل الإعلام والاتصال والأمن القومي» في المنامة أمس، أهمية الموازنة بين حرية الصحافة والتعبير والحفاظ على الأمن الوطني، لافتين إلى أن الإعلام العالمي يحاول تدمير الشعوب العربية بأخبار مغلوطة، ويصنع من الأقزام أبطالاً وينشر الفتنة.
ونبه المشاركون في أولى جلسات الملتقى، إلى أن البحرين تعاني من حرية الصحافة المنفلتة في غياب الرقابة الحكومية، داعين إلى سن تشريعات تنظم دور وسائل الإعلام، وتفعيل دور المؤسسات والجمعيات الصحافية في الرقابة الذاتية.ونفوا وجود حرية مطلقة في الإعلام، مستدلين على أن السينما الإيرانية توقفت لسنوات بسبب فيلم، وأن بريطانيا لم تنشر صور قتلاها بحرب الفوكلاند، والجمارك الأمريكية عاقبت أحد عناصرها لنشره صوراً لتوابيت الجنود القتلى في الخارج.ودعا مدير قناة العرب «تحت الإنشاء» جمال خاشقجي في أولى جلسات الملتقى، إلى ضرورة تعريف مصطلح الأمن القومي بدقة، مع عدم تضييق حرية الصحافة وتحقيق استقلاليتها حتى إن عملت في أجواء غير مستقلة.
وقال إن الأمن القومي في حالة الحروب لمواجهة تهديدات خارجية يكون معروفاً، وتساءل «هل يعتبر إلقاء قصيدة أو نشر خبر نوعاً من الفتنة؟ ومن يحدد مفهوم الأمن القومي؟».
وأشاد خاشقجي بكلمة وزيرة الدولة لشؤون الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة سميرة رجب في افتتاح الملتقى، ودعوتها إلى سن تشريعات واضحة تحسم الخلافات.
وأكد أهمية دور القضاء في تحديد مسؤوليات الصحف ووسائل الإعلام والحقوق والواجبات، وقال «القضاء الذي نتحدث عنه هو قضاء لا يقصف القلم».
ونبه إلى أهمية الرقابة الذاتية من جمعيات الصحافيين وهيئات الصحافة، مضيفاً «قد تمارس دورها بطريقة سلسلة وسهلة وأفضل من اللجوء إلى التقاضي».
وأوضح خاشقجي أن الإعلام سلاح قد تستخدمه السلطة وبعض الحكومات، لافتاً إلى أن بعض الصحافيين «ملكيين أكثر من الملك».
وشدد على أهمية استقلالية الصحافة رغم كل العقبات والظروف، مشيراً إلى أن هناك حالات معينة حتى في الدول الديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأمريكية ورغم أن لديها ما يوصف بـ»الصحافة الحرة المطلقة»، لا تنشر فيها أخبار تهدد السيادة والأمن حتى كبريات الصحف مثل الواشنطن بوست ونيويورك تايمز، بدعوى أن هذه الأخبار تهدد الأمن القومي الأمريكي أو حياة الجنود الأمريكيين بالخارج، معتبراً أن توفير المعلومات والنقد البناء أكبر خدمة تقدمها وسائل الإعلام للأمن القومي.
من جانبه رأى رئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج أنور عبدالرحمن، أنه ليس هناك شيء اسمه «إعلام عربي»، حيث إن وسائل الإعلام العربية تتحدث مع نفسها، ومهما وفرنا من محطات تلفزيونية ووسائل إعلام مختلفة فلن تكون مجدية، داعياً إلى إطلاق قنوات وطنية تتحدث بالإنجليزية لمخاطبة الرأي العام العالمي.ونفى وجود بلد يمنح الحرية المطلقة للإعلام، وضرب مثلاً عن تجربته الخاصة عندما كان يعمل في بريطانيا، حيث طلب مدير التحرير منه عدم نشر صورة معينة بدعوى أنها تضر بالأمن القومي.
وأوضح أن ملكة بريطانيا ورئيس الوزراء والبرلمان ليسوا هم من يتحكمون في تدفق المعلومات، بينما هم بالأساس معلنون يضخون نحو 150 مليون جنيه أسترليني سنوياً، إلى جانب جهاز المخابرات الاستخبارات العسكرية البريطانية الشعبة الخامسة إم آي5.
وقال «في البحرين نعاني من حرية الإعلام المنفلت حيث تنشر جمعية الوفاق كل يوم نحو 15 إلى 16 خبراً توزع على مواقع مختلفة»، مؤكداً عدم وجود رقابة حكومية على صحف البحرين، وداعياً إلى أن ممارسة الحرية الإعلامية بمسؤولية.
وأضاف أن «بعض وسائل الإعلام العالمية تعمل على تدميرنا بنشر أخبار مغلوطة، حيث يصنعون من الأقزام أبطالاً وينشرون الفتنة.
من جهته أكد رئيس تحرير صحيفة الاتحاد الإماراتية محمد الحمادي، أهمية موضوع الجلسة سيما في مثل هذه الظروف والتوقيت الذي تمر به المنطقة، متسائلاً «هل جميع الإعلاميين مدركون لمسؤولياتهم عن نشر ما يؤثر على الأمن القومي في بلدانهم».
ولفت إلى أهمية الإعلام الإلكتروني وتأثيره الواضح على المواطنين في المجتمعات العربية، داعياً إلى توضيح الأولويات لمواجهة المخاطر.
وأشار إلى أن التحديات والعقبات أصبحت أكبر، حيث لم يعد الشأن الإعلامي شأن الإعلاميين فقط بوجود تدخلات في بعض المجتمعات للتأثير على الصحافيين.وأكد أهمية وجود تشريعات حتى يؤدي الصحافيون والعاملون في مجال الإعلام بدورهم المطلوب على أكمل وجه، داعياً إلى إعادة الثقة بالإعلام المحلي الذي عليه أن يوجه البوصلة لحفظ أمن بلداننا وممارسة دوره التوعوي لدى القارىء.
وطالب بعدم فرض أي قيود جديدة على الصحافة لأنها لن تخدم الأمن القومي.
وقال إن توفير المعلومة الصحيحة وبسرعة مشكلة تواجه منطقة الخليج في الوقت الراهن، لافتاً إلى أنه أثناء ما يسمى بـ»الربيع العربي» تم تداول معلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تتميز بالسرعة بشكل مغلوط وغير صحيح.
وقال إن الإعلام التقليدي يعاني من أجل الوصول إلى المعلومات من مصادرها الصحيحة، موضحاً أن القارىء والمتلقي لم يعد يعتمد على الإعلام المحلي فقط، حيث يتم حالياً استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك، إضافة إلى ما يكتب عن دول الخليج في الصحف الأجنبية.
ودعا إلى الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي وتوصيل الرسائل الصحيحة لحفظ الاستقرار والأمن.
وأضاف أن الإعلام الغربي يمارس عن غير قصد أو سوء فهم، نشر مغالطات صحافية تتسبب في إرباك الوضع الداخلي والانشغال بالرد عليه. من جانبه شدد أحمد الفهد من الكويت، على أهمية تعريف الأمن القومي والذي هو باختصار «الحفاظ على كيان الدولة»، وقال إن الإعلام يساند الأمن القومي حتى في أعتى الدول الديمقراطية.وأشار إلى أن الجمارك في الولايات المتحدة عاقبت أحد عناصرها لنشره صور توابيت الأمريكان القتلى في الخارج، بينما السينما توقفت في إيران لعدة سنوات بسبب فيلم.
ورأى الفهد أن وسائل الإعلام ليس لها علاقة بالحفاظ على الأمن القومي، باعتباره من مسؤوليات الحكومة والاستخبارات وأجهزة الأمن، وقال «إذا لم أنشر خبراً فهناك وسائل إعلام ستنشره».
وأضاف أن إحصائية كشفت أنه يتم إرسال 80 ألف تويتة في الدقيقة و70 ساعة على يوتيوب، محذراً من بث الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وضرب مثلاً عما يبث في بعض الوسائل عن البحرين بوجود حرائق وقتلى، بينما يبث تلفزيون البحرين من شوارع المنامة الرئيسة حركة السير العادية والهدوء يعم المكان.
ودعا إلى التركيز على التلفزيونات الحكومية والعمل على إنجاح دورها، حيث إن التلفزيونات إذا لم تمارس دورها الفعال ستنتهى قريباً، وإطلاق حرية الرأي والصحافة بشكل كبير، حيث إن سقف المشروع هو»اللا سقف».
وقال إن الحيادية غير موجودة ومفتقدة من أعلى المؤسسات إلى أصغرها، مؤكداً أن الإعلام سلاح مهم. وأردف «كلما تأخر الإعلام المحلي في نقل المعلومة، فإن ذلك يهدد الأمن القومي، حيث سينشر بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الشائعات».
ولفت إلى أن الحرية ليست مطلقة، حيث امتنعت بريطانيا خلال حرب الفوكلاند عن نشر صور جنودها القتلى بدعوى حفظ الأمن القومي. وفي مداخلة لها خلال الجلسة الأولى ضمن فعاليات الملتقى الإعلامي الخليجي دعت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة سميرة رجب، إلى تعريف مفهوم الأمن القومي، موضحة «نحن أمام خطر جديد هو خطر الإعلام، حيث أضحى الأمن الإعلامي أحد عناصر منظومة الأمن القومي المتشكل من الأمن العسكري والتعليمي والصحي والغذائي والعلمي وغيره».
وأكدت «أهمية مخاطبة العقل الغربي، سيما أننا أصبحنا اليوم بحاجة إلى ذلك بصورة أكبر من السابق»، مبينة أهمية إطلاق وسائل إعلام وطنية بلغات أجنبية تصل بصورة فعالة إلى المتلقي الغربي. ونوهت إلى أن الإعلامي العربي القوي يصل صوته إلى البيت الأبيض مثلاً، موضحة أن السفارات كانت تترجم مقالتنا لحظة بلحظة وتصل إلى القيادات.
وحذرت من سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر نشر المعلومات المغلوطة، حيث أصبحت هذه الوسائل غاية ينشر خلالها الفبركات «لشيطنة» بعض الأنظمة وتشويه إنجازات الدول، مضيفة أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تدخل حتى اليوم في خانة الإعلام، أي أنها وسائل تواصل أكثر من كونها وسائل إعلام.
وفي مداخلة لها قالت الكاتبة الصحافية سوسن الشاعر، إن معركتنا الحالية تقوم على المواجهة والتصدي للمشاريع الخارجية الأجنبية الرامية إلى تفتيت الأمن القومي في البلدان العربية عبر دعم الجماعات المتطرفة والسعي لتمكينها.وأضافت أن دولاً عربية كبرى كادت يعصف بها عبر هذه المشاريع، داعية إلى طرح مبادرات لتعزيز الأمن الوطني والأمن القومي العربي في ظل ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد.
وفي ردود المتحدثين على المداخلات والأسئلة في نهاية الجلسة، قال خاشقجي إن هناك بالفعل خطراً من بعض وسائل الإعلام على الأمن القومي، مضيفاً «نحن كصحافيين وإعلاميين عرب نؤدي دورنا في ظل مساحة ضيقة ونبذل جهودنا للدفاع عن شعوبنا وأمنها القومي».
فيما حيا أنور عبدالرحمن شعب البحرين على مقاطعته سفير دولة أجنبية وجعله شخصاً غير مرغوب به، لدوره في تهديد الأمن الوطني للمملكة، وقال «نحن في البحرين مررنا بتجربة قاسية ولن نسمح للإعلام بأن يكون مطلقاً، حيث هناك مؤسسات طائفية تعمل على غسل أدمغة بعض الشباب وتنشئته بصورة طائفية بحتة ونشر الكراهية والحقد في البيوت والفرجان».